أربعة وجوه وأربع صفحات من كتاب صغير الحجم.. كانوا هم الدليل الوحيد علي أن الرياضة كانت حاضرة ومشاركة في الاحتفال الأنيق الذي أقيم قبل أسبوعين بمناسبة الإعلان الرسمي والإعلامي عن تأسيس حزب الحرية والعدالة.. فمن بين موائد لا أول لها ولا آخر ضمتها القاعة الضخمة بالفندق الذي السكن ضفاف النيل.. كانت هناك مائدة ضمت اثنين من أساتذتي الكبار في الأهرام.. إبراهيم حجازي وعصام عبد المنعم.. واثنين من أصدقائي الأعزاء من نجوم الأهلي.. هادي خشبة ومحمد رمضان.. أما الصفحات الأربع فكانت داخل كتاب جري توزيعه علي كل الحاضرين الذين ألقي معظمهم به جانبا رغم أنه صغير الحجم وليس حملا ثقيلا أو مربكا, والأهم أنه كان برنامج الحزب الذي جاء الجميع احتفالا بتأسيسه.. الصفحة الأولي كانت رقم54 وفيها البند الثامن عشر الخاص بضرورة أن تكون الرياضة جزءا أساسيا من المنهج التعليمي لتشجيع ممارسة الرياضة.. والصفحة الثانية كانت رقم130 وفيها البند السابع الذي يطالب بتوفير الأماكن والأجهزة المناسبة لممارسة الأيتام للرياضة.. والصفحتان الثالثة والرابعة كانتا رقم123 و124 وكانتا بمنتهي الوضوح والصراحة تخصان الشباب والرياضة.. وتحت هذا العنوان قدم حزب الحرية والعدالة عشر نقاط أساسية تختصر رؤيته للرياضة.. تطوير المنشآت الرياضية.. توسيع قاعدة الممارسة.. حملات إعلامية لتحفيز الناس لممارسة الرياضة.. تشجيع القطاع الخاص علي الاستثمار الرياضي.. مراقبة النوادي ماليا وإداريا.. حوافز مادية قوية عند تحقيق البطولات إقليميا وعالميا أو عند حصول الرياضيين علي مؤهلات عليا.. تخصيص ملاعب وصالات رياضية خاصة بالنساء.. اختيار ألعاب بعينها لتكون رياضات قومية لمصر.. استغلال ملاعب المدارس في غير أوقات الدراسة.. اشتراط وجود الملاعب قبل منح أي ترخيص ببناء مدرسة.. ومنذ ثلاثة أيام فقط.. افتتح نفس الحزب في الإسكندرية أول دورة كروية له والتي أعلن أن عددا من اللاعبين الكبار سيشاركون فيها يتقدمهم محمد أبو تريكة وهادي خشبة وحازم إمام ونادر السيد.. وستشهد مباراة أولي بين أمانة الحزب بالإسكندرية وبين قدامي نجوم الكرة السكندريين ولست الآن بصدد مناقشة البرنامج الرياضي لحزب الحرية والعدالة.. وإنما أود وأحاول الاستعانة بالرياضة لفهم الحزب الجديد سياسيا.. وإذا كان الكاتب السياسي الأمريكي الكبير توماس فريدمان.. قد افتتح أحد كتبه الشهيرة بالمقارنة بينه وبين الرحالة كريستوف كولومبوس حيث اكتشف كولومبوس أمريكا وهو في طريقه إلي الهند ليثبت أن الأرض كروية بينما سافر فريدمان إلي الهند ليثبت لأمريكا أن الأرض مسطحة.. فإنني اليوم أقارن بيني وبين توماس فريدمان نفسه.. هو أراد في نفس ذلك الكتاب تحليل سياسة العالم كله واستشراف مستقبله من خلال ملعب جولف بينما أريد الآن رؤية الواقع السياسي الحالي في مصر ومستقبله من خلال ملعب كرة.. والمثير في الأمر أن كل مدعي الثقافة والسياسة في بلدي.. المبهورين دوما بتوماس فريدمان.. أبدوا اعجابهم وانبهارهم وشغفهم برؤية لأحداث العالم وصراعاته ومستقبله جاءتهم من ملعب جولف.. بينما سيبدي كثيرون منهم الآن امتعاضهم واستخفافهم برؤية تستند لكرة القدم وبها تناقش وتحلل الحال السياسي المصري الآن ومستقبلا.. وسيقول هؤلاء إنني أزج بالكرة في أمور وقضايا سياسية ودينية لا تقبل ولا تحتمل ذلك.. لأنهم جميعا يرون الكرة أقل من أن تصبح محورا لأي حديث أو رؤية.. حتي لو هامشية أو غير مباشرة.. تخص الإخوان والسلفيين والجماعات والجهاديين والأقباط والليبراليين وكل الأحزاب السياسية القديمة والجديدة.. وأنا بالقطع أرفض ذلك تماما.. أرفض حذف الكرة وتغييبها من أي مشهد مصري معاصر سواء كان سياسيا أو دينيا.. وقد ألتمس العذر لكل من سيرفض ذلك أو يسخر منه لأنه محكوم بإعلام سياسي نجح طوال الوقت في تكريس الاحتقار للكرة رغم أنه وأصحابه دائما يلجأون للكرة كلما اضطرتهم الظروف والحاجة لمغازلة جماهيرها.. وإعلام رياضي علي الناحية الأخري نجح تماما في تهميش الكرة وتسطيح كل قضاياها وحكايتها وأدوارها في المجتمع وحياة الناس لتصبح مجرد لعبة تافهة تثير الفوضي وتعادي الأمن والاستقرار والآن أعود بالكرة إلي دورها الغائب في مصر.. أحيلها من جديد إلي ساحة إنسانية يمكن أن نشاهد فيها دلالات وآثار أي أفكار ودعاوي سياسية أو دينية أو فكرية.. ولست أزعم أنني أول من يحاول أو يقوم بذلك.. وإنما سبقني كثيرون جدا.. مثل الكاتب السياسي الكبير فرانك بوير الذي حاول أن يفهم عن طريق الكرة كل التغييرات والثورات السياسية والاجتماعية التي جرت في شرق أوروبا.. وآخرون في أوروبا والولاياتالمتحدة أحالوا الكرة إلي مرآة تعكس واقعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا قد يصعب فهمه لو جري التعامل معه بشكل مباشر.. فالكرة أحيانا تسمح باستعراض الأفكار والحكايات والشخوص دون توتر أو حساسية خاصة وأنني لا أقوم بذلك وفي داخلي أي رفض مسبق لأي رأي أو فكر أو أحد.. أي أنني لا أخترع شيئا جديدا ولا تقودني إلي ذلك رؤية صحفي رياضي ساذج يتخيل الحياة لا تبدأ أو تنتهي إلا بكرة القدم.. وإنما أعتمد علي منهج رائع قدمه لنا قبل سنوات قليلة هنري كسينجر.. وزير خارجية الولاياتالمتحدة الأسبق وعميد الدبلوماسية العالمية وأشهر قادتها.. والذي كتب أكثر من دراسة نشرتها النيويورك تايمز والواشنطن بوست شرح فيها كيف يمكن قراءة حوادث العالم وسياساته وأحواله وقضاياه عبر كرة القدم.. وهو المنهج الذي كانت قد استعارته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وقررت تطبيقه في الخارجية والدبلوماسية الأمريكية طول الوقت.. وحافظت عليه الوزيرة الحالية هيلاري كلينتون.. واستخدمه زوجها بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق وهو يقود الملف الأمريكي لتنظيم الولاياتالمتحدة لنهائيات كأس العالم2022.. وفي أوروبا كانت هناك البلدان التي سبقت كسينجر ومنهجه.. وإذا كانت هناك بلدان أوروبية قد سبقت كسينجر بوقت طويل في الاستخدام السياسي والحزبي لكرة القدم.. فجماعة الإخوان وحزب الوفد في مصر أيضا سبقا كسينجر ومنهجه بعشرات السنين.. بل إنك لن تجد فوارق كثيرة أو حادة أو أساسية وجوهرية بين ما كتبه كسينجر في النيويورك تايمز وبين ما قاله الشيخ حسن البنا عام1938 داعيا أتباعه وأنصاره داخل الجماعة للاهتمام بكرة القدم واستخدامها سياسيا واجتماعيا.. فالكرة هنا ليست مجرد لعبة أو تسلية بقدر ما تصبح تجسيدا للصراع بين فرق وتيارات كثيرة بل وباتت تغدو الكرة نفسها إحدي أهم أدوات هذا الصراع وأسلحته ووسائله وساحاته أيضا.. يستخدمها الأقباط دليلا وتأكيدا علي رفضهم واضطهادهم.. فكانت الكرة هي النموذج الأكثر وضوحا وظهورا للانسحاب المسيحي من الحياة العامة واختفاء الأقباط من ملاعب الكرة وأنديتها اكتفاء بدوري خاص داخل الكنائس وملاعبها.. ولا تزال الكرة تعكس مظاهر خلافات داخلية مكتومة داخل جماعات السلفيين بين من يقبلون بها وبين من يطالبون بتحريمها دون أن يناقشهم أحد في مجتمع لم يعد مهموما إلا بالسخرية من كل السلفيين.. ولا يزال قادة تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية منقسمين بشأن الكرة.. أي أننا باختصار.. نستطيع من خلال الكرة.. استعراض كل تفاصيل حياتنا الحالية سياسيا وفكريا ودينيا أيضا.. وهذا بالضبط ما أنوي القيام به ليس من أجل توماس فريدمان وإنما من أجل مصر وهنا.. أتوقف عند أهم نقطتين للخلاف بين حزب الحرية والعدالة وبين جماعة الإخوان المسلمين التي خرج الحزب الجديد من تحت عباءتها وسيستعير جناحيها حتي يتعلم ويجيد الطيران والتحليق معتمدا علي جناحيه وقدرته وقوته.. نقطة الخلاف الأولي هي الرئاسة.. فجماعة الإخوان أعلنت سابقا أنها لا تسعي للرئاسة وأنها لا تعتزم أي سعي للسلطة.. بينما أشار الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب أنه وبقية الشركاء والرجال لم يتخذوا بعد قرارا نهائيا بهذا الشأن وليس في نيتهم الرجوع إلي الجماعة في هذا القرار تأكيدا علي استقلال تام ماليا وإداريا عن الجماعة.. أما نقطة الخلاف الثانية فكانت كرة القدم.. الجماعة قررت اقتحام عالم كرة القدم وتشكيل فريق كروي يصل للدوري الممتاز ويشارك فيه بإسم الإخوان المسلمين.. بينما خلا برنامج الحزب المعلن وأهدافه وطموحاته من امتلاك مثل هذا الفريق الذي قد يلعب في الدوري الممتاز للكرة.. ولم يتسن لي سؤال الدكتور محمد بديع.. المرشد العام للإخوان المسلمين.. عن دواعي وتفاصيل وتداعيات هذا الخلاف في المنهج الكروي بين الجماعة والحزب حيث كان المشهد الأهم في ذلك الاحتفال هو لقاء تاريخي جمع بين المرشد العام وبين اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية في صورة لم تحدث منذ أكثر من ستين عاما.. وهي صورة علي أي حال أثارت.. دون مناسبة.. دهشة الكثيرين واستغرابهم من هذا اللقاء وكأن لقاء الود والاحترام المتبادل بين المرشد العام ووزير الداخلية كان التغيير السياسي الوحيد علي الساحة المصرية منذ يناير.. نفس هذا الاستياء بالمناسبة سبق أن قوبل به إعلان الدكتور محمد بديع عن تأسيس فريق الكرة الذي سيلعب بإسم الإخوان.. استياء اختلط فيه الرفض بالسخرية من الإخوان واتهام المثقفين والليبراليين وعموم السياسيين لهم بأنهم ليسوا مهتمين أو مقتنعين بكرة القدم إلي هذا الحد.. وإنما هم فقط أذكياء جدا في استغلال المناخ الحالي الذي تعيشه مصر.. وقرروا استغلال ظهور السلفيين وتوالي تصريحات بعض شيوخهم المتشددة والعنيفة والرافضة لأمور كثيرة فكانت الكرة إحدي وسائلهم ليصبحوا الأقرب للناس من غيرهم ويوحوا بأنهم قادمون للحكم في دولة مدنية لن تتغير فيها مظاهر الحياة وملامحها ولم يكن ذلك صحيحا.. وإعلان الدكتور بديع عن فريق للإخوان لم يكن المرة الأولي التي تقترب فيها كرة القدم بمثل هذا الشكل من الإخوان.. بل كانت هناك اتهامات دائمة ألقي بها السلفيون في وجه الإخوان تخص كرة القدم وقبل قيام ثورة يناير.. ففي شهر نوفمبر عام2009.. وبعد مبادرة الإصلاح التي طرحها التيار السلفي.. تحدث الدكتور عبدالمنعم الشحات.. أحد رموز ومفكري التيار السلفي في مصر.. شارحا أن السلفيين أبدا لم يكونوا مثل الإخوان المسلمين الذين أصروا علي الدخول في ألعاب السياسة والديمقراطية فوقعوا في كثير من الأخطاء.. وعدد الشحات أخطاء الإخوان وخطاياهم التي كان منها الاعتراف بالوصاية الأمريكية والتحالف مع الأحزاب العلمانية المخالفة للشريعة الإسلامية.. وأيضا الاهتمام بكرة القدم.. وبمنتهي الوضوح اتهم الدكتور الشحات الإخوان المسلمين بأنهم تورطوا في تشجيع كرة القدم هربا من الصدام مع الناس وتأكيدا علي اندماجهم في الحياة التي اعتادها الناس.. وقد رد عليه وقتها الدكتور عصام العريان.. أحد قادة الإخوان سابقا ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الآن.. مؤكدا أن الإسلام هو دين الاهتمام بالشأن العام.. وعلي الإنسان المسلم أن يكون مسلما صحيحا أولا ثم لا يمنعه شيء بعد ذلك من الالتفات للشأن العام بما فيه كرة القدم.. واستشهد الدكتور العريان وقتها بالشيخ القرضاوي الذي لم يجد حرجا في تخصيص إحدي خطبه كل يوم جمعة والتي كان موضوعها الرئيسي هو الكرة والتعصب لها الذي يكاد يعصف بروابط الأخوة التي من الضروري أن تجمع بين المسلمين.. ولم تكن هذه هي أول أو آخر مرة نلمح فيها كرة القدم تقفز لواجهة حديث أو حوار بشأن الإخوان المسلمين.. فالكرة كانت دائما هناك.. يلجأ إليها كل من يحتقرونها ولكنهم يجدونها سلاحا صالحا للاستخدام ضد الإخوان الذين يحاربونهم.. ويلجأ إليها الإخوان للتدليل والتأكيد علي إنسانية الإخوان الذين حاول آخرون كثيرون تصويرهم وكأنهم أعداء للناس والحياة.. بل وكانت كرة القدم أيضا تجسيدا لخلافات أخري داخل الإخوان المسلمين أنفسهم.. وعلي سبيل المثال شرح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.. الإخواني البارز الذي استقال من الجماعة مؤخرا.. في كتاب له بعنوان.. شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر.. كيف اصطدم هو وزملاؤه الشباب المتحمسون داخل الإخوان في سنوات السبعينات بما اعتبروه تساهلا من القيادات الكبيرة في كثير من أمور الدين.. ويحكي الدكتور أبوالفتوح كيف فوجئ هو وزملاؤه بالمرشد العام.. الشيخ عمر التلمساني.. يسمح لسكرتيره الشخصي إبراهيم شرف بالاعتذار عن عدم حضور اجتماع مهم لقيادات الإخوان لأنه يريد متابعة مباراة للكرة بين الأهلي والزمالك.. وكان ذلك في رأي هؤلاء الشباب سلوكا يصعب قبوله ومنهجا يصعب تصوره.. وإن لم يمنع ذلك الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح من التأكيد علي أن عمر التلمساني كان رجلا يصعب تكراره وأنه كان المرشد الذي تعلم منه الصغار أن الاعتدال هو سمة الإسلام الصحيح وأنه لا توجد أحكام فقهية نهائية وقد تذكرت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وكتابه وشهادته.. وأنا وسط كل هذه الكاميرات التي كانت تشارك في الاحتفال بتأسيس حزب الحرية والعدالة.. واستعدت واحدة من الحكايات المنسية دوما رغم دلالتها.. حكاية الشيخ التلمساني الذي لم تكن الكرة في حياته حدثا عايرا أو أمرا تافها.. وأظن أنني سأفاجئ كثيرين جدا الآن داخل الجماعة وخارجها حين أقول لهم إن الكرة كانت السبب والدافع لدخول التليفزيون لأول مرة مقر الإخوان المسلمين في التوفيقية لأن المرشد العام وقتها.. الشيخ عمر التلمساني.. لم يكن يحب أن تفوته مشاهدة أي مباراة فكان لابد من التليفزيون وفي حقيقة الأمر.. بدأ اهتمام الإخوان بالكرة منذ تأسس الإخوان أصلا عام1928.. فالإمام حسن البنا سمح بالرياضة والاهتمام بمبارياتها وبطولاتها ونتائجها.. لكن البنا سيبدأ منذ عام1938 في تحويل الكرة والرياضة كلها إلي مشروع دعائي منظم لتصبح أهم وأجدي وأعمق من مجرد لعب ولهو وشغل أوقات فراغ للإخوان.. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الرياضة فقط إحدي أهم الواجهات الدعائية للإخوان.. وإنما كانت في نفس الوقت ساحة واقعية تتجسد فيها صورة الشاب المتدين كما يريده الإخوان المسلمون.. فتم وضع أول لائحة رياضية للإخوان المسلمين.. لائحة حقيقية ومكتملة وافق عليها واعتمدها المرشد العام وباتت واجبة النفاذ والاحترام والالتزام به داخل كل صفوف الجماعة.. وفي المادة الأولي من تلك اللائحة نعرف أن الأندية الرياضية للإخوان المسلمين.. هي وحدات قائمة بذاتها تخضع لإدارة الأندية بالمركز العام.. وعند حدوث أي خلاف يكون مكتب الإرشاد العام هو المرجع الأخير وقراراته نافذة وسارية علي الجميع.. أي أنه إلي هذا الحد لم يكن حسن البنا يهزل في المسألة الرياضية أو يراها شيئا ثانويا وتافها.. بل إنه قرر أن يكون هو شخصيا رغم شواغله وواجباته العديدة هو الحكم الفصل عند نشوب أي خلاف رياضي.. المادة الثانية من تلك اللائحة كانت أيضا مهمة جدا.. فهي تنص علي أن أغراض الفرق الرياضية للإخوان المسلمين.. بث الروح الرياضية داخل الجماعة ونشر الرياضة وممارستها لتقوية الأبدان وتحسين الصحة.. وتقوية الروابط الاجتماعية وزيادة التعارف بين الأعضاء.. أما الأهم علي الإطلاق.. فكان نص اللائحة الرسمية علي أن يتم استخدام الرياضة لتوجيه الشباب توجيها دينيا واجتماعيا.. أما بقية مواد تلك اللائحة فكانت تنص علي التنظيم الإداري للأندية الإخوانية بكافة تفاصيله.. فالرئيس الأعلي للإدارة الرياضية هو المرشد العام للإخوان المسلمين وينوب عنه المدير العام للإدارة الرياضية الذي من حقه إدارة الأندية فنيا وماليا.. ونصت اللائحة أيضا علي الألعاب المسموح بممارستها داخل هذه الأندية.. كرة القدم والسلة والطائرة والملاكمة ورفع الأثقال والمصارعة وألعاب القوي والقفز والعدو والتنس والسباحة وسلاح الشيش والهوكي.. فإن أراد أي ناد إخواني ضم أي لعبة خارج تلك القائمة.. فلابد من استئذان الإدارة العامة التي من حقها وحدها أن تقبل أو ترفض ولعل أحدا لم ينتبه من قبل إلي الورقة التي كان يجري توزيعها علي كل الرياضيين داخل الإخوان المسلمين وتتضمن تعاليم صارمة لن تقبل الجماعة التنازل عنها أو التفريط فيها.. كانت سبعة أوامر منها أن يحب اللاعب اللعبة التي يمارسها.. وأن يلعب لمصلحة الفريق لا لمصلحته الشخصية.. وأن يكون معتدلا فيتواضع عند الانتصار ورحب الصدر عند الخسارة.. وأن يتعامل بسهامه مع الخصم المهزوم.. وأن يتقبل قرارات الحكام مهما كانت بدون أي تدخل في شئونهم.. وأن يحترم كل الآخرين وقانون اللعبة.. وأظنكم تقولون إنها وصايا أشبه بالتي كانوا يكتبونها قبل خمسين سنة علي كراسات تلاميذ الابتدائي مثل ضرورة غسل اليدين قبل وبعد الأكل.. ولكن قيمة وصايا الإخوان وطلبات الجماعة من أبنائها الرياضيين تشرحها وثائق أخري غير متداولة تفيد بأن أي رياضي سيصبح في سلوكه الفني والإنساني نموذجا لكل الإخوان المسلمين.. أي أن جمهور الرياضة الضخم في كل مكان.. لن يعود مضطرا لقراءة أي شيء عن جماعة الإخوان المسلمين في كتب أو منشورات.. أو يصغي لأحد قد يطيل في حديثه إلي حد الملل والإزعاج.. وإنما يكفيه جدا أن يكون في أحد الملاعب ويشاهد لاعبا من الإخوان ويري سلوكه عند النصر أو الهزيمة ليعرف من هم الإخوان وما هي أفكارهم ودعوتهم.. هكذا آمن حسنا البنا بالرياضة وهكذا تغيرت نظرته إليها.. لكنهم في نفس الوقت رفضوا أن تتعري الفتيات لتمارسن الرياضة.. ورفضوا أن تكون الرياضة مبررا للاختلاط بين الجنسين.. ورفضوا أيضا ما أسموه سفورا وفجورا بدأ يستشري في أندية مصر الرياضية.. وفي تلك الفترة.. من عام1938 وحتي عام..1946 كان الاهتمام بكل اللعبات.. فحظيت الملاكمة باهتمام فائق وشعبية طاغية.. وأصبح عبده كبريت هو أول ملاكم إخواني علي مستوي مصر.. وعرفة السيد بطل مصر.. بل إن الإمام حسن البنا دعا الملاكمين العرب للمجيء إلي مصر والتدريب مع المصريين داخل صفوف الإخوان كإحدي السبل لتوطيد علاقات الإخوان في مصر مع بقية العرب.. ولعل كثيرين لا يعرفون حتي الآن أن محمود عبدالكريم.. بطل مصر والعالم في الاسكواش.. كان من الإخوان.. وأيضا السباح العالمي حسن عبدالرحيم.. لكن جاء عام1946 ليدرك الإمام حسن البنا أن كرة القدم تحديدا هي الأقدر علي تحقيق سياساته وغاياته من الرياضة بأسرها.. ففي ذلك العام فوجئ حسن البنا بأن الكرة هي مفتاح الإخوان لكل الناس في مدينة بورسعيد التي كانت معادية له بتحريض من الوفديين.. وكان ذلك هو التحول الثالث في مسار ومسيرة الإخوان مع الرياضة.. باتت الكرة أكثر من مجرد لعبة.. وإنما مشروع سياسي متكامل يديره ويشرف عليه الإمام البنا شخصيا.. بل إن البنا لم يمانع أيضا من الاعتماد علي كرة القدم كأحد مصادر دخل لجماعة الإخوان.. ففي الوثائق المجهولة للجماعة.. التي كشف عنها مؤخرا جمال البنا الشقيق الأصغر لمؤسس الإخوان المسلمين.. نجد أن الإخوان فكروا وقرروا الاعتماد علي كرة القدم كأحد مصادر دخل الجماعة.. وأنه منذ بدأ الإخوان المسلمون نشاطاتهم.. كانت اللقاءات الرياضية مصدرا لبعض إيرادات الجماعة.. بل إننا نقرأ في واحدة من تلك الوثائق.. عن إعلان تمت طباعته وتوزيعه علي الناس ويخص مباراة كبري ومهمة في كرة القدم ستقام في ملعب نادي الإسماعيلية الرياضي بين فريق الإخوان المسلمين وبين نادي السواحل القادم من الإسكندرية.. وذلك في الساعة الثالثة بعد الظهر يوم السبت19 ديسمبر سنة..1942 قال ذلك الإعلان أيضا إن تلك المباراة أيضا.. والتي كانوا يسمونها حفلة في تلك الأيام البعيدة.. ستقام تحت رعاية صاحب السعادة محافظ القنال.. ويدعو الإعلان الناس لشراء تذاكر لحضور المباراة التي تم طرحها بأسعار ثلاثة وخمسة وعشرة قروش للتذكرة الواحدة وبقي هذا المشروع قائما ودائما حتي أصدر النقراشي باشا رئيس الحكومة أمرا عسكريا في العاشر من ديسمبر سنة1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين.. وهو القرار الذي استلزم كثيرا من المطاردات والإجراءات العنيفة والحازمة ولكن الذي يعنيني هنا هو قيام رجال الشرطة بإغلاق كل الأندية الرياضية التي كان يملكها الإخوان ووضع الشمع الأحمر فوق كل بواباتها.. وبقي هذا الوضع قائما حتي الثاني عشر من فبراير عام1949 حين تم اغتيال حسن البنا لحظة خروجه من دار الإخوان المسلمين في شارع رمسيس وبقي ينزف علي الأرض حتي الموت