يقاس تقدم الأمم في أي مجتمع بتقدم سلوكيات شعبه, ويأتي علينا شهر رمضان الكريم هذا العام بنفحاته وبركاته الطيبة, ولكن يصادف قدومه ظروف مختلفة عن السنوات السابقة. وتعتبر سلوكيات الافراد جزءا متأصلا في تكوين ثقافة المؤسسات والشعوب, فلا يمكن إحداث اصلاح حقيقي أو الإرتقاء بتلك المؤسسات أو الشعوب دون تغيير للسلوكيات السلبية للأفراد بها, بما فيها من معاملات تختص بعلاقات الأفرد بعضهم مع بعض وبقيم العمل, وهو أمر ليس سهلا, ولكنه يحتاج لبعض الوقت والجهد والعزن والمداومة من الجميع, فبالرغم من الطيبة المعهودة عن شعبنا الأصيل, لكن للأسف الشديد تأصلت بعض السلوكيات السلبية بين الافراد في مؤسساتنا, وأصبحت تلك السلوكيات مقترنة بالجنسية المصرية لهذا الشعب الطيب, ويرجع ذلك لضعف النظم التي تعمل من خلالها تلك المؤسسات منذ الخمسينات, وعدم وجود نظام إداري واضح وعادل وصارم يكافأ فيه المجتهدون, ويعاقب فيه المقصرون, إضافة إلي ذيوع الفوضي في التعيينات والترقيات نتيجة المجالات والمحسوبيات, فذاعت مصطلحا تصف هذه الفوضي لدينا مثل الترقية كالبرشوب, و الكوسة و السلكاوي. أما في المؤسسات الكبيرة الخاصة أو متعددة الجنسيات التي تتسم بقوة نظامها الداخلي فترجع السلوكيات السلبية للأفراد إلي الصراع والتنافس الشديد بين الأفراد علي السلطة والرواتب والمزايا المختلفة, والتي أصبحت هذفا للأفراد بغض النظر عن الوسيلة, فانتشرت الغيرة المهنية ومحاربة الناجحين, أو التنافس غير الشريف بين الأفراد بأساليب ملتوية أو ملفقة لا أخلاقية متمثلة في الذنب أو الوقيعة بين الاشخاص, أو التعتيم علي الجهود أو الاعمال المميزة للغير, أو التربص للأخطاء أو المشاكل, وكلها من السلوكيات المدمرة لعلاقات العمل بتلك المؤسسات, والتي لابد أن نتداركها ونوقع العقوبة الشديدة لها, لأنها تفسد علينا الكثير من علاقاتنا ببعضنا البعض, وتفسد علينا توازننا النفسي, فيجب أن نجاهد ونحاور أنفسنا, أولا: بضرورة التغيير الجذري للكثير من سلوكياتنا السلبية لتحقيق السلام والتوافق النفسي لأنفسنا أولا في المقام الأول, والذي إذا فقدناه فقدنا معه الصفاء والرضاء الذاتي, والذي بدونه نعجز عن مواصلة النجاحات علي المستوي المهني والأسري, وفي أمور مختلفة في حياتنا وأن ندرك أيضا أن قانون الحياة والقانون الإلهي لابد من أن يكافئ المجتهدين, ويخسر فيه الكائدون الحاسدون, حتي ولو حققوا نجاحات واضحة في حياتهم المهنية في الظاهر, ويبدون كما لو انهم الفائزون بكل شئ, ولكن في بواطن الأمور فإنهم يخفون في اعماقهم نفوسا محترقة وشخصيات مهتزة مفككة, وإخفاقات مختلفة متعددة في جوانب مختلفة في حياتهم, هذا بالاضافة إلي المشاعر المحبطة التي تعتريهم من التوتر والقلق والتشكك في الآخرين وكراهية الاخرين لهم, وهذا قصاصا القانون الإلهي لأفعالهم, حيث لايمكن أن يبارك الخالق خبائث النوايا والافعال. والأهم من هذا كله هو أنه لابد من أن ندرك ضرورة وضع نظام كفء وعادل وشفاف بجميع مؤسساتنا يكون معيار بقاء أو ترقي الافراد فيه مبنيا علي الكفاءة وليس علي المحاباه والوساطة, حتي لاندع الفرصة للمشاعر السلبية الكامنة للأفراد أن تقفز من جحورها, وتفسد علينا بيئة العمل وتؤثر في إنتاجيتنا, وكم اتمني أن يمتد هذا التقويم لسلكوياتنا وأفعالنا لميدان التحرير, وإلي الشارع, وفي بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا, وفي كل بقاع الوطن, لأن السلوك الإنساني مثل العدوي ينتقل عبر الاشخاص والأجيال, ويشكل ثقافة المجتمع, فلنجعل من رمضان بداية لتقويم سلوكياتنا وافعالنا حتي ننعم بالصفاء النفسي, ويبارك الخالق لنا جهودنا بالنجاح والإصلاح الأكيد, وذلك هو الفوز الكبير لنا جميعا. المزيد من مقالات د.أية ماهر