أرجع الكثيرون السبب الرئيسي في التظاهرات والاشتباكات الأخيرة الي البطء في المحاكمات والقصاص العادل بحق من قتل متظاهري الثورة, حيث لم يتم الحكم علي المتهمين بالقتل منذ شهر فبراير الماضي, واعتبر البعض أن هذا ظلم للشهداء ولأهاليهم. فهل حقا هناك بطء في التقاضي والمحاكمات؟ وهل من سبل للاسراع فيها؟ بعض رجال القضاء والقانون يوضحون أنه ليس ثمة بطء, بل هي الإجراءات المعتادة في المحاكم الجنائية, والبعض الآخر يقترح المثول أمام القضاء العسكري, فما هو الأصلح الآن لما تمر به البلاد؟ المستشار طه الشريف نائب رئيس محكمة النقض السابق يقول: ليس هناك مانع قانوني من أن تكون العدالة ناجزة, حيث إن العدالة البطيئة لا يتحقق بها الردع العام أو الخاص, لكن هناك فرقا بين العدالة الناجزة والعدالة المتسرعة, وتتحقق العدالة الناجزة بعدة وسائل هي: تفرغ القضاة المحال إليهم القضايا تفرغا كاملا بحيث لا توزع عليهم قضايا أخري, وأن تكون إجراءات العلنية وحضور الجلسات منضبطة ومنظمة بحيث يتحقق الأمن وإلا ستضطر المحكمة الي تأجيلات متلاحقة حتي توفر لها الأمن, وألا يتم الضغط علي أعصاب القضاة بالصراخ بطلب القصاص والانتقام من المتهمين لان ذلك يؤثر تأثيرا سلبيا في اتخاذ القرار, فلا يجوز أن يشكل الرأي العام أي ضغط علي القضاة, وإلا سيضطرون الي تعليق نظر القضايا, ويجب أن يعلم المعتصمون وقاطعو الطرق أن القاضي لن يحكم بإدانة أي إنسان بغير وجود أدلة حاسمة وجازمة, لان قضاة مصر وطبقا لسمعتهم العالمية أكثر الناس نزاهة وشفافية وصلابة في الحق. ويستطرد قائلا: يجب أن يعلم الجاهلون بالقوانين أن القضية تمر بمراحل عديدة, فهناك مرحلة جمع الاستدلالات التي يجريها رجال الشرطة وقد تستغرق عدة أشهر ثم مرحلة التحقيق التي تجريها النيابة وقد تستغرق عدة أشهر أخري ثم مرحلة المحاكمة, وأيضا تستغرق عدة أشهر لوجود إجراءات عديدة كعرض الأدلة علي المحكمة وسماع الشهود وتعيين الخبراء ومناقشة الطب الشرعي, وقد يجري الطعن بالتزوير علي أي مستند ثم بعد ذلك تسمع المرافعة الشفهية للنيابة العامة, والمرافعة الشفهية للمتهم وللمدعين بالحقوق المدنية, وقد يطلب رد للقضاة أو يتنحي أحدهم عن نظر القضايا فتطول مدد المحاكمة وقد تستمر ستة أشهر في المراحل الأولي( جمع الاستدلالات والتحقيق) ومثلها في نظر الدعوي حتي يصدر الحكم, ثم تكون هناك مرحلة أخري هي الطعن بالنقض. وعن القضايا الحالية فيوضح, أنه قد انتهت المرحلتان الأولي والثانية, ونحن الآن نمارس المرحلة الثالثة وهي نظر القضية أمام المحكمة حتي يصدر حكم فيها, ثم تبدأ مرحلة الطعن بالنقض وقد تستغرق هذه المرحلة أكثر من سنتين, وفي هذه الحالة إما أن ينقض الحكم وتعاد القضية مرة أخري الي محكمة الجنايات وإما أن يؤيد الحكم سواء كان بالإدانة أو البراءة, فإذا أعيدت الي محكمة الجنايات تستمر أكثر من سنة لإعادة المحاكمة, ثم يطعن بالنقض في الحكم مرة أخري وتتولي محكمة النقض الحكم في الجناية. ويجب ملاحظة أن القانون يسمح لمحكمة الجنايات بالعمل ونظر القضايا خلال أسبوع واحد من الشهر فتكون التأجيلات من شهر الي شهر وخلاصة ما تقدم, كما يقول المستشار طه الشريف, انه لا يوجد أي بطء في التقاضي, وانما هي إجراءات قانونية لابد من اتخاذها علي مراحل من أجل ضمان المحاكمة العادلة, أما من يرغبون في غير ذلك فليذهبوا الي محكمة الثورة, فقد تصدر احكامها خلال أسبوع, خاصة أنه لم يعد في الإمكان وقف الهجوم علي السلطة القضائية مع ترك الفوضي تضرب في كل مكان بغير وازع وأقول لهم اذا أردتم اتركوا المحاكم الطبيعية, وشكلوا محاكم ثورة من العسكريين أو من غيرهم لتحكم في هذه الجنايات بعيدا عن السلطة القضائية التي تسبب لكم صداعا بإجراءاتها القانونية وقد شكل جمال عبدالناصر هذه المحاكم وكان يرأسها السيد حسين الشافعي وأنشأتها ثورات عديدة. ويوضح د. أحمد العطار أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة عين شمس, ان البطء في التقاضي ظاهرة عالمية وبالأخص في المسائل الجنائية بل ان البطء في التقاضي قد يكون في الدعاوي المدنية أيضا, فالدعوي الجنائية تقوم علي الدليل خاصة أن الآثار التي تترتب علي الدعوي تحاكم الإنسان في حياته أو حريته أو ذمته المالية, كما أن الدعوي الجنائية تختلف عن الدعوي المدنية وتمر بما لا تمر به الدعوي المدنية. والأمر يتعلق بوجوب أن يحاط القاضي علما بظروف القضية والعدالة اذا كانت بطيئة الي حد ما, فإن بلوغ مرحلة العدالة والتيقن منها يستوجب أن يكون الحكم مبنيا علي أسس سليمة وهذا أفضل من الادانة المتسرعة, خاصة أن الحكم الذي يبني علي غير أساس يقيني سيكون مآله إعادة النظر عند الطعن بالنقض, فتعاد المحاكمة مرة أخري وبالتالي نصاب ببطء آخر في الإجراءات, مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاضي الجنائي المصري مشهود له بالنزاهة والضمير الحي وأنه لا يجوز التشكيك في القضاء ولا في القضاة لأنهم هم سدنة العدالة وعلي الجانب الآخر, يري د. أحمد سعد أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة, أن تحديد موعد المحاكمة أمر يقدره رئيس محكمة الاستئناف في ضوء الدوائر التي تم توزيع قضايا الجنايات عليها وفي ضوء ملف قضية من حيث استيفائه للتحقيق أو عدمه, ولكن عنصر الملاءمة مهم جدا لأن هذا النوع من القضايا ليس عاديا, فلها بعد سياسي واقتصادي واجتماعي, والمفروض أن يكون الحكم فيها هو إحدي نتائج ثورة25 يناير بالاضافة الي أن البطء يعني فقدان الثقة في القائمين علي هذا الأمر, وشعور أهالي الشهداء بعدم جدية القيادة بنوعيها بالاضافة الي أن الثورة قامت من أجل الحرية والعدالة والنهوض الاقتصادي بالبلد, ولن يحدث ذلك إلا بوجود أحكام حاسمة, فيجب أن تكون هناك دوائر خاصة لسرعة المحاكمة حتي لو اقتضي الأمر احالة المتهمين الي القضاء العسكري فينعقد الاختصاص للمتهم الرئيسي فيها لمحاكمته أمام القضاء العسكري أما في دول العالم فالثورات لها قوانينها وقد يكون من نتائجها قتل أو اعدام رءوس النظام السابق, ولكن ثورة25 يناير تعتبر ثورة بيضاء ويكفي أن أبناءنا تم ازهاق أرواحهم, وبرغم ذلك نطالب بمحاكمة عادلة, ولكنني أنادي والكلام لايزال ل د. أحمد سعد بمثول المتهمين أمام القضاء العسكري الذي يتسم بالسرعة والعدل, وهو مطلوب لحسم الموقف في الشارع المصري, بل أكثر من هذا أن قانون الأحكام العسكرية رقم25 لسنة66 قد تم تعديله وجعل هناك طعنا في الأحكام التي تصدر من محكمة الجنايات بعد أن كانت درجة واحدة.