توقع البعض في مصر أن تطغي السياسة علي مظاهر شهر رمضان, أو أن يحدث العكس, فتطغي مظاهر الشهر الكريم علي الاحداث السياسية الساخنة, ولكن الروح المصرية بقدرتها المعهودة علي التحايل علي صعاب الأمور نجحت في خلط الاثنين معا ليكون المنتج النهائي رمضان بطعم الثورة. بادئ ذي بدء, شهر الصوم كريم كعادته كما يتفق معظم المصريين, ولكنه ليس شهر مبارك. وقد ذكرت وكالة الأنباء الألمانية في تقرير لها أن ذلك ظهر جليا في الرسائل النصية التي تبادلها المصريون مع بداية الشهر, حيث دارت في فلك السياسة, من أمثال تقرر إلغاء شهر رمضان بعد ما اكتشف الثوار بالدليل القاطع أنه مبارك. وكذلك كل عام وأنتم بخير بمناسبة فلول شهر شعبان, وقرب بداية شهر رمضان المبارك ويارب يكون الشهر كله جمال وسرور ومصر توصل فيه للعلاء وتعيش في عز وتبدأ علي نظيف, وأنا أؤكد علي عزمي الشديد علي ذلك لأحصل علي صفوت الحسنات, ويجعلنا من عبيد الله الصالحين, في إشارة يفهمها أي مصري إلي أبرز وجوه النظام البائد. وعكست الرسائل أيضا تنوع التوجهات السياسية من أمثال: أصدقائي الليبراليين رمضانكم حرية.. أصدقائي الاشتراكيين رمضانكم عدالة اجتماعية, أصدقائي الإسلاميين تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. أصدقائي غير المسيسين رمضان كريم.. أصدقائي الفلول رمضان مبارك. ورغم أن النزعة السياسية كادت تتفوق مع أول أيام الشهر مع قيام قوات الشرطة والجيش بإخلاء ميدان التحرير من المعتصمين وما تلا ذلك من دعوات للتظاهر كل يوم بعد صلاة التراويح إلا أنها سرعان ما هدأت مع الجلسة الأولي لمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك الاربعاء الماضي, ثالث أيام رمضان, والتي كان لها الفضل في عودة شيء من الثقة المفقودة بين الشعب والمجلس الاعلي للقوات المسلحة. ولكن هذا لا يعني أن مد السياسة والحديث في شئونها قد انحسر, فقد أعقبت الجلسة حوارات مطولة يكاد المرء يسمعها في كل مكان يذهب اليه, تطرقت إلي حالة الرئيس السابق وصبغة شعره وأنفه وولديه ومصحفيهما وغيرها من التفاصيل التي قد يكون لها مغزي. ووسط أزمات مالية واضطرابات داخلية, قرر التليفزيون الرسمي الذي يذيع المحاكمات حصريا, إعادة إذاعة مسلسلات قديمة من أمثال عمر بن عبد العزيز, لملء العشرات من ساعات البث لقنواته العامة والمتخصصة. وأرجع المراقبون هذا إلي تراكم ديون التليفزيون, في حين أرجعه آخرون إلي عزوف المنتجين عن عرض منتجاتهم علي شاشاته, خاصة أن البعض يقول انه لم يتسلم كامل مستحقاته المالية السابقة. وفي هذا الإطار, دعا البعض علي مواقع التواصل الاجتماعي إلي قيام التليفزيون ببيع حق نقل المحاكمات أو حتي إدخال إعلانات وسط المحاكمات علي طريقة وداوني بالتي كانت هي الداء أي بما أن رموز النظام هم من كانوا السبب في الأزمة المالية فيتعين الاستفادة من محاكماتهم لتجاوز الأزمة. ودعا آخرون إلي أن بث المحاكمات بعد الإفطار حفاظا علي صوم الصائمين, حيث ذكر تعليق علي مواقع التواصل الاجتماعي انه: قد يخرج لفظ مشين من فمنا ضد الرموز ونحن صائمون ما قد يفسد صيامنا. ورغم تعطل تصوير المسلسلات تحت وطأة أحداث الثورة إلا أن القنوات التليفزيونية تعج كعادتها بالمسلسلات والبرامج. وستكشف لنا نسب المتابعة في آخر الشهر ما إذا كانت القوائم السوداء التي وضعها معارضو النظام السابق بأسماء الممثلين من أنصار مبارك قد أجدت نفعا. واللافت هذا العام أنه علي عكس السنوات الماضية التي كان يتم وقف معظم البرامج الحوارية السياسية خلالها, أبقت معظم القنوات خلال رمضان الحالي علي برامجها وإن كانت قد خفضت المدة بمقدار النصف تقريبا. لم يقف حد رمضان بطعم الثورة عند هذا فحسب, بل إن الفوانيس التي يلعب بها الأطفال لبست حلة الثورة أيضا, فرأينا منها هذا العام الفانوس الدبابة الذي يحمل علي ظهره الجندي.