محاكمة القرن هي حقا لحظة تاريخية, لحظة مفصلية في عمر الدولة المصرية, غدا سيتوقف شعب مصر وشعوب الشرق الأوسط مليا أمام صورة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته ومساعديه الستة وهم يساقون إلي قفص الاتهام في محاكمة القرن, الأبصار ستكون شاخصة, والأنفس محبوسة في الصدور. الجميع سيظل أسيرا للحظة لسنوات طويلة, كثيرون لا يصدقون عمر اللحظة, سيقولون إنهم يحلمون, هل حقا حسني مبارك في قفص الاتهام؟, هل هناك من يسمح ويجرؤ علي محاكمة الرئيس العتيق. صعبة هي تضاريس وعواصف غضب السياسة وعواقبها من مصر وعالمنا العربي, الحاكم منذ آلاف السنين هو الفرعون الأول, العبودية صنوان للديكتاتورية في بلدنا. مسكين شعب مصر قدم التضحيات وتجرع المرارات والإضرابات مع عبدالناصر والسادات لإقامة نظام جمهوري ورفع اسم مصر فجاءه مبارك ليقتل وينسف هذا الإرث فتجرع معه الآلام وقسوة وغدر أيام المعاناة والفقر والعوز وخفوت الدور والمكانة. كل امراض السياسة لها دواء إلا حماقة الحاكم وحسنا لو كان حسني مبارك, الشعب كان يناديه كل يوم.. يستجيره ويستجديه للاصلاح ورمي طوق النجاة لإنقاذ البلاد من الانهيار والغرق, وعرقلة قطار الفساد السريع وحل مشاكل وخيبات مصر المتراكمة. الرجل كان بارعا في العناد, يعادي شعبه يركب رأسه ويذهب لاستجمام شيخوخته في شرم الشيخ, 16 عاما هناك ينعم بصحبة الافاقين والفاسدين, أنجاله كانوا صيادين ماهرين في عالم الفساد, نهبوا بلدا بحجم مصر, سكرتاريته وسدنة حكمه ووزرائه بلا استثناء كانوا لا يجيدون فقط التنقل فوق مربعات رقعة الشطرنج بل كانوا دوما قادرين علي الرقص فوقها وفوق جثث ومعاناة الملايين الذين حولوهم إلي شراذم من الجياع والمحرومين والمعذبين, صار بلد يأكل نصف شعبه من مكبات القمامة, والزعيم وأنجاله وعصابته يتحصلون وحدهم علي أكثر من نصف ثروات مصر. غدا ربما تختلط مشاعر بعض المصريين, البعض سيبكي والبعض سينذرف الدمع علي رئيس أحبه دون أن يدري كوارثه, البعض سيصيبه الدوار, البعض سيرقص فرحا من أسر الشهداء والمعذبين والمقهورين 30 عاما في فلك السلطة والفساد المتوحش. ولكل هؤلاء نقول لا تنسوا في المقابل خراب بلد بحجم مصر عطلت وضربت أدواته وأدواره, نهبت ثرواته وغرق في أزمات وطوابير الخبز, باع تضحيات ابطاله وغازه لعدوه اللدود إسرائيل بلد صار كل من هب ودب يتطاول عليه ويضرب به مقصد الأمثال السيئة. أقول لهؤلاء وهؤلاء لا تحزنوا ولا تهنوا مع رجل اضاع شعبا ودولة ونسف وطنا وأفرغ وأهدر أجيالا من الكفاءات والأدمغة من أجل مشروع الوريث الوحيد, رجل حكمته هو وحكمت وطنا كبيرا امرأة طاغية سخرتهما لأطماع ونفوذ النجل الرئيس, لكل هذا أو ذاك يستحق مبارك المحاكمة والسجن. لحظة محاكمة مبارك ووقوفه في قفص الاتهام ستعيدنا لعصر الحكام الطغاة, قصة محاكمته ستكتب النهاية الدرامية لكل طاغية, مشاهد وقوف مبارك في المحكمة ستطارد الرئيس الجديد لمصر, سيعد العشرة, سيفكر جليا قبل الاقدام أو السماح بتمرير قرارات الفساد أو خطوة بيع وتخريب وطن. لن يسمح بشلل ونخب الفساد وأساطين النهب والتكويش والاحتكار. ستطارده لحظات خنوع مبارك في القفص في احلامه وكوابيسه لن يجرؤ بعد اليوم الرئيس القادم علي البقاء علي العرش ثلاثين عاما أقصي مدة 4 سنوات إذا نجح ببراعة في تمريرها بدون خضات سياسية وانتفاضات شعبية سيصبح لزاما عليه النظر مليا طيلة السنوات الأربع باتجاه ميدان التحرير, شرعية الرئيس القادم ستستمد من التحرير عنوان ثورات وغضب المصريين بات معلوما. انتهي زمن الحاكم الفرعون والسلطان الجائر في مصر إلي الأبد. المزيد من أعمدة أشرف العشري