الصينيون حين يغضبون القادة الصينيون غير معتادين علي رؤية مواطنيهم غاضبين, لذلك انتابتهم حالة ارتباك حين خرجت رسائل غاضبة علي شبكات التواصل الاجتماعي المحلية, تتهم فيها السلطات بالغطرسة في التعامل مع حادث تصادم قطارين يسيران بسرعة فائقة أسفر عن مقتل 39 وإصابة مائتين. الحادث لم يكن فادحا, علي الأقل مقارنة بانهيارات المناجم, أو فضيحة تلوث ألبان الأطفال بمواد سامة, أو المدارس التي انهارت في زلزال عام 2008 بسبب ضعف هياكلها. لكن ما كان مثيرا هو محاولة السلطات التستر علي الأسباب إما بالقاء اللوم علي صاعقة عطلت الإشارات الضوئية دون انتظار نتائج التحقيق, أوباخفاء الأدلة بسرعة دفن العربات المحطمة في حفرة عميقة دون التأكد من انتشال كل الناجين, أوبشراء صمت أسر الضحايا بتعويضات سريعة, أو بإصدار توجيهات لوسائل الإعلام الرسمية بالتركيز علي الأبعاد الإنسانية للحادث دون تبعاته السياسية, وأخيرا بتأخر وصول وين جياباو رئيس الوزراء إلي موقع الحادث بعد ستة أيام من وقوعه متذرعا بالمرض. كل هذه التفاصيل الصغيرة كانت مادة غنية علي شبكات التواصل الاجتماعي غذت الغضب العام بسرعة أكبر من قدرة النظام علي احتوائه. هناك أسباب قوية بالتأكيد تبرر هذا التصرف السلطاوي. فشبكة القطارات فائقة السرعة بين بكين وشنغهاي التي ستتكلف30 مليار دولار دشنت باعتبارها رمزا لصعود الصين إلي مرتبة الاقتصاد المتطور القادر علي هضم التكنولوجيا الغربية والإضافة إليه. وهي إلي جانب كونها جزءا محوريا من خطة إنعاش الاقتصاد الصيني, كان أيضا يتم تسويقها دوليا باعتبارها الأفضل والأقل تكلفة في الأسواق الصاعدة. وبالتالي فأي حديث عن تصميمات خاطئة, أو قصور في التنفيذ أو التشغيل يلحق ضررا بالغا بسمعة القيادة الشيوعية في الذكري التسعين لميلادها. لكن ما تتجاهله القيادة الصينية حتي الآن هو أن الاقتصاد الحديث يتطلب مؤسسات وآليات سياسية للمحاسبة, وضمان الشفافية لكشف بؤر الفساد وهي حلقة مفقودة في النظام البيروقراطي الذي لا يزال يعمل بعقلية احتكارية متغطرسة غير مكترثة بالرأي العام. صحيفة جلوبال تايمز الصينية شبهت العلاقة بين السلطة والرأي العام بتلك القائمة بين السفينة والماء. الماء يبقي السفينة طافية لكنه أيضا وحده يمكن أن يغرقها. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني