هل مصر لديها نخبة سياسية متميزة لديها ملكات وقدرات علي قيادة البلاد في المراحل الانتقالية والعبور بها نحو تجديد الدولة والأمة الحديثة علي أسس دستورية ديمقراطية تعتمد علي دولة المؤسسات والقانون الحديث هل هناك شرعية تمثيل حقيقية لغالب القوي السياسية الإسلامية علي اختلاف أطيافها, ومعها القوي الديمقراطية اليسارية والليبرالية والقومية والمستقلة؟ هل يمتلك هؤلاء رؤي وتصورات سياسية واجتماعية لمصر الجديدة الدولة واجهزتها والمجتمع وقواه الاجتماعية الفاعلة, وتعبر عن روح عصرنا, وتضاغطاته وسياقاته ومتغيراته السريعة والمعقدة؟ الإجابة جهيرة بلا حيث لدينا فقط قلة نخبوية محدودة, ذات صوت خافت وضائع فيما وراء صخب وضوضاء تيارالجهلاء الجدد, الذي كتبنا عنه مرارا وتكرارا منذ عديد العقود تعبيرا عن هيمنة كتلة كبري متعددة المكونات من الأصوات والكتابات والخطابات السياسية والصحفية والإعلامية علي حياتنا السياسية وإعلامنا حيث تعربد وتشوه الأفكار والمصطلحات والنظريات في المجال العام السياسي تحت رعاية السلطات السياسية والأمنية والإعلامية منذ عصري السادات ومبارك معا.نمط من الأشباه والمبتسرين في تكوينهم المهني والسياسي والثقافي, حيث سادت لديهم ولا تزال نزعة تشويه الأفكار والمصطلحات وتختلط لديهم الرؤي وتضطرب المعايير, وتسود الانطباعية, واللغة المرسلة والكلام المجاني الفارغ. حيث أشاعوا اللغو السياسي والثقافي والأخطر محاولتهم الاستيلاء علي السلطة وروح المصريين باسم الدين! لدينا أشباه نخبة سياسية جاءت من أصلاب النظام التسلطي وثقافته القمعية ولغته الخشبية التي لا تبين عن شئ سوي الخواء, والطبل الفارغ الذي يملأ سماء الوطن بالضوضاء ويصيب المصريين بالتشوش والصمم. ومع هؤلاء أشباه نخبة دينية تسلطية وقمعية بامتياز تعيد إنتاج أفكار وتأويلات ماضوية ووضعية حول الدين. من أين جاء غالب هؤلاء المبتسرين الذين يسيطرون علي الصحف والبرامج الحوارية, وآلاف ممن يطلق عليهم خبراء استراتيجيين بلا أية مؤهلات أو قدرات إلا وظائفهم السابقة أو الحالية؟ جاءوا من قلب اللاسياسة, والأحري موت السياسة طيلة نظام يوليو التسلطي منذ استيلاء العسكريتاريا المصرية علي السلطة, حيث ساد ولايزال حكم الإدارة, والرؤي الإدارية للبيروقراطية الإدارية والأمنية والعسكرية والتكنوقراطية التي شكلت مصادر تجنيد التشكيلات الوزارية, وقادة أجهزة الدولة, وتدرب غالب هؤلاء في الشعب المصري بلا رؤي فيما ندر من استثناءات-, وجرب هؤلاء جميعا أفكار ومشروعات فاشلة ورؤي ميتة من خلال التجربة والخطأ. كره السادات ومبارك ونظامهما وأركان حكمهما, المعرفة والخبرات بل والأخطر أنهم كانوا يكرهون السياسة والسياسيين, وخاصة مبارك حيث لم يكن لديه خبرات سياسية أو تكوين ثقافي ومعرفي رفيع يجعله قادرا علي إدارة شئون البلاد بنزاهة ورهافة حس ورؤي خلاقة وحزم وعزم سياسي لا يلين لتأسيس نموذج سياسي وديمقراطي وتنموي متطور علي كافة الصعد. نعم لدينا قلة قليلة يمكن أن نطلق عليها المصطلح الرفيع نخبة سياسية وفق ما تعرفه تقاليد الأمم والنظم الديمقراطية ونظريات العلوم السياسية, وتحديدا نخبة الحكم إلا أنها مستبعدة لبعدها عن دائرة الأمن والمخابرات والشلل الحاكمة وزبائنها. كانت الحركة الثورية الديمقراطية في25 يناير و11 فبراير2011 مفاجأة صادمة للنخبة الضد أو حزب الجهلاء الجدد ومعهم عناصر تنتمي إلي جماعات إسلامية سياسية, وليبراليين وقوميين ويساريين وآخرين, بل إن المفاجأة/ الصدمة أكبر من قدرة غالبهم علي استيعاب طبيعة الحدث, ونهاية شرعية23 يوليو كلها, وأجيالها وأفكارها ومواريثها, ووجوهها ومؤسساتها ومصادر تجنيدها للنخبة السياسية من الموظفين ورجال الأمن والقضاء والتكنوقراط والعسكريين! من هنا بدا هذا الاستعراض اللفظي للقوة في الخطاب السياسي المشوش والساذج في عديد الأحيان, الذي كشف عن عدم قدرة بعضهم علي استيعاب ما حدث ودلالاته ومن هنا تصور الجميع, وعلي رأسهم بعض الإخوان وغالب السلفيين, والجماعات الإسلامية السياسية, أنهم نواب السماء لفرض آرائهم السياسية والاجتماعية علي المصريين بينما مصر اكبر من هؤلاء جميعا, ومعهم أشباح من القوي الأخري من بعض الليبراليين والقوميين واليساريين الذين يرفعون الشعارات والأفكار القديمة المثقوبة التي فارقت عصرنا ومشاكله وتعقيداته. ثمة غياب للمسئولية السياسية والأخلاقية تجاه الحركة الثورية الشابة, ومحاولة للاستيلاء عليها وثوبا للسلطة ومغانمها بديلا عن السعي للوصول إلي الجامع المشترك حول القيم السياسية والأهداف الرئيسة التي يمكن أن تؤسس لوفاق أو تحالف وطني للعبور من مراحل الانتقال نحو ديمقراطية كاملة غير منقوصة وقواعد للعبة السياسية تكون موضوعا للتراضي العام, حتي ترحل السلطة الفعلية للبلاد إلي مواقعها ومسئولياتها تحت رقابة المؤسسات الدستورية المنتخبة للبلاد, صاحبة الشرعية السياسية المستندة للإرادة العامة للأمة. من هنا يبدو جليا غياب المسئولية السياسية والأخلاقية بل والإسلامية لدي غالب التيار الإسلامي السياسي الأخوان والسلفيين والجماعات..الخ-, الذي يحاول بعضهم داخله أن يحل محل نظام مبارك التسلطي الفاسد, وحزبه الوطني المنحل, ويبدو حليفا للسلطة العسكرية التي تدير المرحلة الانتقالية, بل ويحرض علي تحرير ميدان التحرير من الثائرين اللذين لولا دورهم البطولي الجسور- باستثناء بعض البلطجية لما كان للإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية هذا الحضور السياسي الفاعل علي الساحة ولا الاعتراف بهم. نحن إزاء أطراف للعبة سياسية بلا قواعد ولا رؤية ولا أسس تديرها السلطة الفعلية ومعهم القوي الإسلامية المؤيدة مع السلطة الحاكمة الآن! هكذا تحول المضطهدين اللذين دافعنا عنهم مرارا في محنهم المختلفة إلي طغاة للأسف ومؤيدين للسلطة العسكرية والبيروقراطية الحاكمة ورافعين لشعارات بسيطة ومضللة لن تؤدي إلا إلي المزيد من الفوضي السياسية ويؤيدون حكومة بلا رؤية ولا إرادة ولا مشروع لإدارة عقلانية لمرحلة بالغة الحرج. إن مليونية الغد هي حشد قتال من بعضهم لإنتاج فتنة وطنية نرجو ألا تحدث وأن يفئ أطرافها إلي الرشد السياسي, وإلي القيم الإسلامية الفضلي في الأخوة والحرية والعدالة والوطنية بحيث تنتقل مصر, وقواها الجديدة/ القديمة من اللاسياسة إلي السياسة, ومن عقلية الفوضي والتضاغط إلي عقلية الوفاق والتنافس السياسي المشروع, ومن لغة العنف المفتوح إلي لغة الحوار وبناء التفاهمات المشتركة حتي ترحل السلطة الفعلية من مجال السياسة الذي لا تعرفه إلي دورها الفعلي الذي حدد لها في إطار أجهزة الدولة المصرية, وحتي لا تفقد دورها الفعلي وصورتها وتاريخها المجيد في قلب الحركة الوطنية المصرية والدولة الأمة الحديثة, ومن ثم لا نسمع ولا نقرأ بعض تصريحات قادتها القديمة غير الموفقة والمثيرة للسجال والشقاق الوطني, ولا نري ما تم في موقعة العباسية بكل آثامها وآثارها السلبية الوبيلة التي زرعت في المخيلة والوجدان الجمعي للمصريين! وقي الله مصر من شرور بعض أبنائها! والله الموفق. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح