رحل عن عالمنا توفيق الحكيم أحد شموس الأدب والفكر والمسرح منذ أربعة وعشرين عاما, لكن إبداعه لم ينته بل امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين, فهو أبو المسرح الذي تمرد علي الشكل السائد لفن الكتابة المسرحية القديم فكتب أهل الكهف لتكون أول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث, وهذا ما أكده الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني عندما تحدث عن أعمال توفيق الحكيم المسرحية قائلا: وجود توفيق الحكيم في مرحلة العشرينيات والثلاثينيات كان هاما لبداية المسرح الجاد الذي يعتمد علي أدب المسرح, هناك فرق كبير بين المسرح قبل توفيق الحكيم وبعده, فالمسرح العربي منذ القباني والنقاش كان يعتمد علي العروض الموسيقية والغناء حتي جاء توفيق الحكيم واهتم في كتاباته بالأدب والنص المسرحي مثلما فعل شكسبير عندما وضع أسس الدراما بنوعيها الأدبي والفني. بدأ توفيق الحكيم مشواره المسرحي بمسرحية أهل الكهف التي شكلت صدمة علي المستوي الشخصي والعملي بعد سقوط العرض لعدم استيعاب الجمهور لهذا النوع الجديد من المسرح الذي يعتمد الدراما الفكرية والأفكار الفلسفية والقضايا الانسانية والدرامية, الأمر الذي دفع الحكيم لرفع شعار انه يكتب مسرحا ذهنيا, وهذه مقولة مراوغة وغير صحيحة, فلا وجود لمثل هذا المسرح, لكن الحكيم استخدم شعار المسرح الذهني محاولة منه لحماية نصوصه المسرحية التي بدأ يشرع في كتابتها من الاعتراض, كشهر زاد وايزيس وسليمان الحكيم والعديد من المسرحيات الأخري التي لم يعهدها المسرح المصري من قبل: كتب توفيق الحكيم ما يقرب من مائة مسرحية ومع ذلك لم يعرض له علي خشبة المسرح سوي عشر مسرحيات تقريبا نظرا لأن مسرحياته كانت تحتاج لرؤية إخراجية مختلفة عن السائد في الساحة المسرحية التي كانت تعتمد في ذلك الوقت علي فنون العرض أكثر من أدبيات النص المسرحي, ولأن الواقع المسرحي كان غير قادر علي تقديم مثل هذه الأعمال ذات الأبعاد الفكرية والفلسفية رفع توفيق الحكيم شعار أنه يكتب المسرح للقراءة وليس للعرض, والحقيقة أنها ليست أزمة الكاتب المسرحي الكبير توفيق الحكيم ولكنها أزمة الواقع المسرحي السائد الذي لايريد أن يتغير أو يغير من أدواته لتقديم هذه الأعمال ذات القيمة الأدبية والفكرية. توفيق الحكيم هو الذي نبه الأذهان لأهمية هذا النوع من الكتابة المسرحية ذات الأبعاد الفكرية والفلسفية والتي أصبحت فيما بعد منهجا ينتهجه الكتاب من بعده, أمثال ألفريد فرج وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وغيرهم من كتاب مسرح الستينيات, هذا المنهج الجديد الذي وضعه توفيق الحكيم يعد إضافة هامة في تاريخ المسرح المصري والعربي لأنه وضع أسس الأدب المسرحي الحديث الذي يمكن أن تتناوله الجامعات والمعاهد الفنية بالبحث والدراسة, وعلي المستوي الشخصي لقد دفعني هذا النوع من الأدب المسرحي لدراسته وحب الكتابة للمسرح فكتبت بعض المسرحيات ذات القيمة الفكرية والفلسفية مثل: الصقر ورحلة العذاب عن الشاعر الجاهلي امرؤ ألقيس ومسرحية فرسان الله في الأرض عن سيف الله خالد بن الوليد ومسرحية رجل في القلعة عن محمد علي باشا. أما عن توفيق الحكيم الروائي صاحب رواية ثورة19 اعودة الروح التي أطلقت العنان لمفهوم الرواية الحديثة أمام المبدعين تحدث معنا الروائي محمود الورداني من قلب ميدان التحرير قائلا: بلا شك توفيق الحكيم هو أحد رواد الرواية المصرية والعربية الحديثة, علي الرغم من أن أول رواية مصرية في الأدب الحديث وأول نماذج الرواية في عالمنا العربي كانت رواية زينب للكاتب محمد حسين هيكل, إلا أن رواية توفيق الحكيم الأولي عودة الروح هي أفضل رواية عربية قدمت في ذلك الوقت لكونها قريبة من الناس وأحلامهم ومشاكلهم, وهي أول رواية تتحدث عن الشعب والثورة, أن تكون الثورة هي المحور الأساسي للرواية فهذه هي فكرة توفيق الحكيم بلا منازع. لتوفيق الحكيم بصمة وأثر واضح في الرواية العربية الحديثة, كعودة الروح ويوميات نائب في الأرياف وغيرها من الأعمال الروائية القيمة التي تأثرت بها شخصيا, فبالنسبة لي توفيق الحكيم كاتب روائي أكثر من كونه كاتبا مسرحيا فمسرحياته تستمتع بقراءتها أكثر من مشاهدتها, فكما كان يقول توفيق الحكيم أنه يكتب للقراءة وليس للعرض, وهذا ما أطلق عليه المسرح الذهني الذي تناول من خلاله أفكارا جديدة علي المسرح كتناوله مشكلة الحكم والبيروقراطية وغيرها من المشاكل التي تحاكي الواقع.