بات جليا لكل مراقب لما يجري في رقعتنا من العالم أن هناك حركة مؤثرة ورائعة ومتفاوتة من الحراك السياسي والفوران الشعبي فالمنطقة بأثرها باتت تحطم أغلال الاستبداد القديمة وتسعي بكل ما أوتيت من قوة للحصول علي نصبيها مما يتمتع به العالم الحديث من حكم رشيد واقتصاد الوفرة, فلنحاول أن نضبط البؤرة لنري بوضوح ما يحدث في أهم بلد في منطقة الحراك هذه والذي سوف يكون له بالطبع الأثر الأكبر علي المنطقة كلها فقد مضي بالكاد ما يقرب من ستة اشهر علي اندلاع الثورة المصرية فما هي الحصيلة؟ وما هي الرؤية المستقبلية؟!السؤال حول مصير الثورة بات يتكرر والميل للقول إن الثورة قد سرقت بات سهلا أو حتي الميل إلي اعتبار كل ما جري مؤامرة من أجل التنفيس عن الشعب المتأزم! فهل انتصرت الثورة بالفعل لكي تسرق ؟! لا يخفي علي أحد أن الطليعة الثورية تمثلت في نفر من شباب مصر قاموا بما يشبه المعجزة في تفجير الثورة وحشد الجماهير خلفها غير أن حسم المعركة الثورية لصالحهم احتاج إلي تدخل القوات المسلحة لدعمهم فأصبحت بذلك حامية للثورة وإن لم تكن مفجرتها وتولت بالطبع إدارة مسئولية شئون البلاد في المرحلة الانتقالية ومن هنا جاء الموقف الملتبس لدي من فجروا الثورة فهم ليسوا اصحاب سلطة وإنما يقومون بما يعرف في السياسة بدور جماعة الضغط فإن كانت الثورات تفضي إلي إسقاط النظام وبالتالي فرض سلطة بديلة فإن ما جري في مصر لم يصل إلي هذا الحد. لقد هزت الثورة النظام وتم بالفعل إبعاد الرئيس السابق وبالتالي معظم رموزه وهذا ما أشاع أن الثورة قد انتصرت ولكنها توقفت عند هذا الحد أما ما أعطي الانطباع بأن الثورة قد سرقت فهو لم يفرض سلطتها وأن المطلب الرئيسي الذي طرح خلال الثورة والذي يتعلق بتشكيل مجلس رئاسي جري إهماله لبعض الوقت.. وهذا الوقت كان ثمينا إلي حد سقوط المطلب وفرض مرحلة انتقالية بقيادة المجلس العسكري, ثم توالت الأحداث وفوجئ من فجروا الثورة والشعب الذي ساندهم بأن هناك قرارات وإجراءات لا تتماشي مع روح الثورة فقد تم الإفصاح عن إعلان دستوري بينما كان تصويت الشعب علي تعديل بعض البنود أو صياغة دستور جديد يتفق مع روح الثورة, كما أفصح المجلس عن أنه لا نية لتغيير نسبة ال50% للعمال والفلاحين من أعضاء مجلسي الشعب والشوري والتي كانت معظم الأحزاب قبل الثورة تنادي بإلغائها, كما تم الإصرار علي وجود بعض الشخصيات المرفوضة من جانب الرأي العام في الحكومة وأيضا لم يتم حسم موضوع إعادة الأمن بصورة كاملة إلي الآن بالإضافة إلي رفض الرقابة الدولية علي الانتخابات وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه النظام السابق الأمر الذي أصاب الكثيرين بالدهشة, إذ لم الخوف من الرقابة الدولية اذا كانت النية معقودة علي أن تكون الانتخابات شفافة ونزيهة؟! وهل كان من الضروري أن تفرض الثورة سلطتها من أجل قيادة المرحلة الانتقالية لكي نستطيع إعادة بناء النظام (وليس إعادة إنتاجه) بما يجعله قابلا لأن يكون ديمقراطيا وتعدديا وحياديا تجاه القوي السياسية المختلفة خاصة أن المرحلة الانتقالية ليست كافية لاعادة ترتيب البيئة السياسية لكي تؤسس قوي جديدة تعبر عن القوي الاجتماعية التي قامت الثورة علي أكتافها. هناك عوامل عدة حالت دون ذلك منها أن الاعتصام في ميدان التحرير وحده لم يكن كافيا كوسيلة ضغط كما أن غياب الأحزاب التي تعي ماذا تريد من الثورة كان العنصر الأضعف هنا فليس من الممكن أن يحقق أهداف الثورة غير الشعب ذاته المعبر عنه بأحزاب ونقابات, وبالتالي كانت النتيجة الراهنة طبيعية لكنها لا تعني فشل الثورة أو سرقتها بل تعني أن ميزانا اقوي فرض هذه النتيجة في الوقت الحالي ولكن في كل الأحوال لا يفكر أحد في أنه يمكن إعادة إنتاج النظام السابق لأن الأساس الذي حركة كل هؤلاء الذين نزلوا إلي الشارع هو الوضع المجتمعي الذي لم يعد قادرا علي تحمل البنية التي اسسها نظام ناهب. د.عماد إسماعيل