يبدى أى مجتمع ينشد التقدم اهتماما كبيرا بتطوير الاقتصاد بما يؤدى الى تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب، وكلما تمكن الاقتصاد من توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والاسكان والمواصلات والرعاية الصحية، كان ذلك دليلا على نجاح الأفكار الاقتصادية، أو إن شئت النظرية. الاقتصادية السائدة، والعكس صحيح. ومما لا جدال فيه أن الاقتصاد يشكل الأساس الصلب لامكان الارتقاء بأى مجتمع، وليس أدل على ذلك من التجربة الألمانية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد دمرت الهزيمة العسكرية الساحقة ألمانيا النازية، وصارت معظم مدنها أطلالا، وبرغم ذلك تمكن الأباء المؤسسون لألمانياالغربية فى خلال سنوات قلائل من تحقيق معجزة اقتصادية. وكانت نقطة البداية الواضحة لإنجاز هذه المعجزة، عندما أصر المستشار الألمانى كونراد أديناور على رفض انتهاج الرأسمالية الأمريكية باعتبارها لا تراعى البعد الاجتماعي، ولا تحفل به، ومن ثم انتهجت ألمانياالغربية ما أطلقت عليه «السوق الحرة الاجتماعية». وفى اطار نظرية «السوق الحرة الاجتماعية» الذى يهتم اهتماما كبيرا بتكافؤ الفرص وصولا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، تمكن الاقتصادى البارع ايرهارد من النهوض بالاقتصاد، صحيح أن ألمانياالغربية قد حصلت على مساعدات مالية من مشروع مارشال لاعادة بناء اقتصادها، لكن ما يتعين التأكيد عليه أنها أحسنت توظيف هذه المساعدات، فى سياق نظرية اقتصادية تستهدف مراعاة البعد الاجتماعي. وثمة تجربة مهمة أخري، هى تجربة البرازيل، فقد تمكنت فى خلال ثمانى سنوات لا أكثر هى فترتا رئاسة لولا دى سيلفادى من النهوض بالمجتمع، وانتشال الفقراء من هوة الفقر المدقع، الى عتبات الطبقة المتوسطة، وتم ذلك فى ظل نظام ديمقراطى وحكم رشيد. والمعنى واضح، أن الاقتصاد ينبغى أن يحتل الأولوية فى مصر مابعد ثورة 52 يناير، والأهم أن يتوافق المجتمع على نظرية اقتصادية من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية.