نقابل فى حياتنا مؤسسة ثقافية وفكرية وفنية مختزلة فى جسد إنسان واحد, وهناك رجل واحد تقوم عليه مؤسسة كاملة. هذا باختصار ما يمكنك ادراكه عندما تتعرف على الشاعر والفيلسوف والأديب والمؤلف الغنائى والرسام والمحاضر والمعلم والصوفى الروحانى رابيندراناث طاغور (1861-1941) وهو أول من حصل على جائزة نوبل فى الأدب بالقارة الأسيوية عام 1913. وقد أشار اليه زعيم عظيم مثل المهاتما غاندى بالقول: "مثل آلاف من مواطنيه, أشعر اننى أدين بالكثير لهذا الإنسان الذى تمكن من خلال عبقريته الشعرية والنقاء الفريد الذى تميزت به حياته من رفع مكانة الهند فى تقدير العالم". وكتب طاغور قصيدة بعنوان.. "حيثما يكون العقل بلاخوف" وتقول أبيات القصيدة: "حيثما يكون العقل بلاخوف والرأس مرفوع لأعلى حيثما تكون المعرفة حرة حيثما يكون العالم غير متفتت الى شظايا بواسطة جدران محلية ضيقة حيثما تصدر الكلمات من عمق الحقيقة حيثما يمد الكفاح المتواصل ذراعيه نحو الكمال حيثما لايفقد النبع الصافى للعقلانية طريقه فى وحشة رمال صحراء العادة الميتة حيثما تقود انت العقل قدما الى الفكر والعمل الدائم التمدد الى جنة الحرية, أبى, لتستيقظ أمتي". وقد شرفت مؤخرا بتلقى دعوة لحضور احتفال بالذكرى المائة والخمسين لميلاد طاغور حيث افتتح وزير الثقافة المصرى د.عماد ابو غازى وآر.سواميناثان سفير الهند لدى القاهرة مع لفيف من السفراء والمثقفين فعاليات معرضين الأول بعنوان "طاغور والكانتا" والثانى "معرض طوابع عن طاغور". وبغض النظر عن اعجابى بكتابات طاغور وبأنه زار مصر مرتين فى حياته خلال عامى 1878 و1926 ولقائه التاريخى بأمير الشعراء أحمد شوقى وإحتفاء كبار الساسة والمبدعين المصريين به فى ذلك الوقت, فقد أعجبتنى طريقة الحفاظ على أعماله وتحويل الرجل الى مؤسسة منتجة على المستويين الإبداعى والإقتصادى بل والدعائى والدبلوماسى على مر العقود وحتى عقب مغادرته الجسدية لعالمنا ب70عام كاملة. فقد لاحظت ان المعرض الأول الذى تم افتتاحه بقاعة الباب الملحقة بمبنى متحف الفن المصرى الحديث بساحة دار أوبرا القاهرة يعتمد على جهود مجموعة من هواة جمع المواد البريدية والذين نجحوا فى تقديم مجموعة من الطوابع التذكارية النادرة من 20 دولة تتناول انجازات طاغور, اما المعرض الثانى فيعتمد على فكرة أكثر ذكاء. فقد تم عرض لوحات من اشغال التطريز اليدوية التقليدية, الشهيرة فى شرق الهند باسم أشغال "كانتا", تصور بعض القصص والأغانى والأشعار والأعمال الدرامية التى الفها طاغور فى حياته. وعند السؤال عرفت ان معرض اشغال "كانتا" هو فكرة السيدة شاملو دوديجا والتى اسهمت فى احياء هذا الفن من خلال تأسيس مجموعة من المنظمات غير الحكومية والتى قامت بدورها بتبنى النساء الريفيات اللاتى يقمن بانتاج أشغال "الكانتا" فى شرق الهند وبنجلاديش. وبذلك تحول شعر طاغور وكلمات اغانيه الى مشروع ابداعى منتج يسهم فى تنمية الأسر الريفية فى العديد من القرى كما يسهم فى توليد فن ابداعى جديد يلقى الإعجاب والتقدير فى أنحاء العالم. واليوم ونحن فى مصر الثورة ما احوجنا لوجود مثل هذا الفكر الثقافى الفكرى التنموى الذى يفيد الوطن أولا وأخيرا. فالقيام بعمل مشروعات تنموية فنية ثقافية لتصوير أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ وأشعار شوقى وحافظ إبراهيم والبارودى أو السيرة الهلالية او الف ليلة وليلة وغيرها يمكن ان يحقق الكثير من الإيراد للعديد من الأسر الريفية كما يؤسس فى ذات الوقت لفن جديد يتحدث باسم مصر وثقافتها فى انحاء العالم واخيرا فإن مثل تلك المشروعات ستكون أفضل ما يمكن ان يقدمه شعب لضمان خلود أعمال مبدعيه ورفعة اسم الوطن. المزيد من مقالات طارق الشيخ