1- علي المستوي الأمني: أوقعت آلة القمع- من الجيش وأجهزة الأمن و'الشبيحة' من الموالين للحكومة- خسائر ضخمة في المتظاهرين.فقد تضاعف عدد الشهداء بالمقارنة بمن سقطوا في الثورة المصرية مثلا لكن الخسائر لم تصل إلي الحد الذي وصلت إليه مجازر مدينة حماة بوسط سوريا أيام الرئيس حافظ والد الرئيس الحالي بشار. ويبدو هذا استفادة بدروس الماضي بعد أن باتت محاكمة الرؤساء أمام المحكمة الجنائية الدولية شبحا لم يكن قائما في الثمانينيات. كما أدت آلة القمع إلي لجوء آلاف من السوريين إلي تركيا ولبنان وربما إلي دول أخري بأعداد أقل. وهذا اللجوء علامة علي فشل آلة القمع في تحقيق الأمان للمواطن السوري فضلا عن تزايد التعاطف الدولي مع الشعب السوري وفرض عقوبات علي رموز نظام حكمه. وهذا دليل علي فشل الحل الأمني للنزاع. 2-علي المستوي الاقتصادي: أدي فشل الخيار الأمني إلي اتساع نطاق المظاهرات أوتكرارها في المناطق المهمشة اقتصاديا علي الحدود مع تركيا والعراق والأردن فضلا عن هوامش المدن. فبالرغم من تحقيق سوريا اكتفاء ذاتيا في القمح إلاإنها لم تهتم بالتصنيع الذي يستوعب عمالة- في مناطق الريف.وأدي دخول المظاهرات شهرها الرابع تزامنا مع الموسم السياحي الصيفي إلي اتساع نطاق التذمر. فالكثير من العائلات- في العاصمة وريفها وحلب واللاذقية وريفها- تعتمد علي السياحة الصيفية عبر تأجير المساكن وتقديم الخدمات فضلا عن الرواج التجاري الداخلي. وإذا كانت السياحة تمثل نحو10% من الدخل السوري وما يمثله ذلك من موارد بالعملة الصعبة فإن هذا يهدد بالمزيد من انخفاض الليرة السورية وارتفاع الأسعار. وهذا يقلل من النتائج الإيجابية المحدودة التي لجأ إليها النظام لتخفيف تأثير العامل الاقتصادي علي اتساع وتصعيد المظاهرات. وقد يتسع تأثير الخسائر الاقتصادية ليشمل مجموعة التجار والصناعيين في دمشق وحلب. فانخفاض الدخول والكساد التجاري قد يدفع التجار إلي الوقوف إلي جانب المتظاهرين للتخلص من نظام كانوا يتبادلون معه مصالح مرتبطة بتحقيقه الاستقرار وحذر وخوف من الاستمرار( أي استمرار النظام). لهذا فإن العامل الاقتصادي لن يحل المشكلة السورية أيضا. 3- علي المستوي السياسي:أدي فشل الخيار الأمني واستبعاد الحل الاقتصادي إلي أن باتت الكراهية شديدة للرئيس بشار. لهذا أصبح شعار' الشعب يريد إسقاط النظام' السمة المشتركة للمظاهرات المعارضة. ولا تلقي المظاهرات المؤيدة لبشار سوي التشكيك في أنها مدفوعة بالضغط علي الموظفين والطلاب للانضمام إليها. كما أن ما عرضه الرئيس السوري في خطابه الثالث- من الاتجاه نحو تعديل الدستور أوإجراء انتخابات لا يتمتع بمصداقية. وسبب ضعف المصداقية أن بشار نفسه لم يف بما كان قد وعد به- وفق تسريبات عن لقاءا ته الأولي مع النخب السورية- عن المزيد من الحريات الإعلامية والسياسية. وما حدث كان عكس ذلك حيث سجن نشطاء بمن فيهم أعضاء في مجلس الشعب يفترض أنهم يتمتعون بحصانة برلمانية. كما أن مواقفه في الأزمة الحالية تشير إلي عدم تطابق الأقوال مع الأفعال.فعندما يقول إنه طلب وقف إطلاق النار علي المتظاهرين ويجد الناس أنفسهم معرضين للضرب بالرصاص فلن يصدقوا وعوده. وقد يفسرون ذلك بأنه ليس الحاكم الفعلي وإنما قادة الأجهزة العسكرية والأمنية التي يسيطر عليها حسب العديد من المراقبين- أقاربه عائليا أو جيرانه جغرافيا في منطقة الشمال الغربي أو المنتمين لطبقة المنتفعين من نظامه بغض النظر عن مساقط رؤوسهم أو خوفهم من حكم الإخوان المسلمين واحتمال التكفير دينيا. وينعكس ذلك علي الشك في الحوار الوطني الذي يدعو إليه الرئيس السوري خشية أن يأتي النظام بعملائه كممثلين لمعارضة غير حقيقية. كما ينعكس علي الشك في نتائج حوار يجريه أو يشارك فيه مستقلون لأن النظام يمكن أن ينقلب علي نتائجه. ولهذا فإن البديل السياسي الذي يقدمه النظام ليس مجديا وإنما يتم تفسيره علي إنه مماطلة علي الطريقة اليمنية. أما البديل المعارض فإنه مرفوض من النظام في الوقت الذي يلقي فيه قبولا كبيرا من الشارع الذي يريد تداولا للسلطة عبر إسقاط النظام وتولي نظام جديد. ونظرا لأن مواقف الطرفين تعني أن النزاع السياسي سيطول فإن البديل الاحتكام للجوانب الإيجابية في التجربة المصرية باعتبار أنها دافع رئيسي للثورة في سوريا ومثلا كان يحتذي به النظام السوري عبر محاكاة إيجابياتها والبعد عن سلبياتها. ويعني ذلك أن يبادر الرئيس السوري إلي التخلي عن الحكم لنائبه والإقامة في بلدة' القرداحة' شمال غربي سوريا مسقط رأس عائلته. وللرئيس بشار في ذلك مثلا بوالده الذي جري نقل جثمانه من دمشق إلي القرداحة حيث يتمتع بتقدير خاص هناك. وسيوفر هذا الكثير علي الرئيس الشاب الذي يمكن أن يتعرض للملاحقة القضائية الدولية مثل القذافي الليبي أوالعلاج من جروح مثل علي عبد الله اليمني في حين أن الإقامة وسط أهله في القرداحة ستجنبه أيضا مظاهرات الكراهية في شرم الشيخ للمصري حسني مبارك أو العزلة لبن علي التونسي خارج بلده في السعودية. ويضاف إلي ذلك أن تكون مكفولة التعددية الحزبية وحرية الرأي واستقلال القضاء ونزاهة الانتخابات البرلمانيةوالتزام الأجهزة الأمنية بخدمة الشعب وحياد الجيش والتزامه بمهامه الأساسية(مع مراعاة الخصوصية السورية بإعادة النظر في قيادات الجيش ليتم اختيارها علي أسس عسكرية وليس من أبناء منطقة الأسد وحلفائه خصوصا أن القاعدة العريضة من الجيش السوري تنتمي لكافة نواحي سوريا ومكونات مجتمعها).