أسهم الانفلات الأمني الذي شهدته مصر أخيرا في ظهور أكثر صور التدمير للاقتصاد المصري من خلال الموجة التي عمت القري المصرية بالبناء علي الأراضي الزراعية والتي تمثل عصب الانتاج الغذائي في مصر في الوقت الذي نستورد فيه معظم احتياجاتنا الغذائية من الخارج. مع ضيق الإنتاج وصعوبة توفير المحاصيل الرئيسية حتي أن البناء كان يجري علي مساحات مزروعة بالقمح في قمة نموه, مهدرا عصب الحياة المصرية. بداية: كشف الدكتور أيمن فريد أبوحديد وزير الزراعة, عن أن مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية في هذه الأزمة تعدت23 ألف حالة في أسبوعين فقط, وهو ما يعد إهدار لمصدر غذاء الإنسان المصري تحت أي مزاعم, مما استوجب وضع خطة لمواجهة هذه الأزمة من خلال الوزارات والمحليات والمحافظات لإزالة هذه المخالفات وما يتبعها في المستقبل, فضلا عن التنسيق مع وزارتي الكهرباء والإسكان لحظر توصيل الخدمات إلي تلك المنشآت سواء بالكهرباء أو مياه الشرب, وإيجاد حلول لمنع التوسع بالأراضي الزراعية والسماح بزيادة الارتفاعات في البناء بالقري رأسيا, وضرورة تطبيق العقوبات التي تصل إلي الحبس5 سنوات أو الغرامة التي تصل إلي005 ألف جنيه. ويري الدكتور صلاح النجار أستاذ وقاية النبات بجامعة القاهرة, أن البناء في الأراضي الزراعية لن يتوقف تحت أي عقوبة لأن هناك زيادة سكانية طبيعية وضيقا شديدا في كردونات القري, حتي مع تطبيق العقوبات العسكرية التي وضعت من قبل, لذلك فإن هناك حلا ضروريا لمواجهة هذه المشكلة وهو التوسع في الصحراء تحت مسميات محافظات المدن بالدلتا والوادي فتكون لكل محافظة مساحة مناسبة في الصحراء تتناسب مع زيادتها السكانية وطبيعتها وطموح سكانها فتكون هذه فرصة للتوسع واستصلاح الصحراء, وذلك لأن الناس يرتبطون معنويا بالأسماء سواء للمحافظة أو المدينة, فتشجعهم علي الاقامة بالمناطق الجديدة بنفس الأسماء علي أن يواكب ذلك توفير البنية الأساسية للحياة بالمناطق الجديدة فإذا أمكن للفلاح تغطية مصاريفه يكون ذلك نجاحا حقيقيا, في الوقت الذي يجب فيه رعايته من حيث توفير التقاوي والسماد دون تعريضه للاستغلال. ذلك لأن المشكلة الأساسية في القري المصرية القديمة ترجع إلي أن الدولة لم تعد تحترم الفلاح أو تقيم له وزنا فاتجه لأعمال أخري وأقام المباني علي الأراضي الزراعية فإذا أعطينا اهتماما للفلاح علي أساس أنه مصدر الغذاء والأمان القومي سيعمل وينتج ولا يفرط في أرضه الخصبة وكذلك الأرض الجديدة, وعدم تعريضه للمستغلين الذين يشترون الأرض بغرض التسقيع ثم بيعها أراضي للبناء. دعم الفلاح وقال: إن الفلاح يحتاج دعما بكل الوسائل حتي لا يستهين بمهنته وعمله وهذا الدعم موجود في كل الدول المتقدمة والنامية علي السواء, وهذا يؤكد ضرورة عودة التعاونيات والمساعدات من الدولة حتي لو أدي ذلك إلي منح الفلاح أرضا للزراعة مجانا بشرط جدية الزراعة والاستصلاح, لأن ذلك تأمين لمستقبل الوطن وهناك مساحات كبيرة يمكن زراعتها وتوزيعها للزراعة, فالحافز سيجعل الفلاح يعمل من الفجر حتي الغروب مثلما فعل الفلاحون الأجداد.. وأن تكون الثقة أساسية في التعامل مع الدولة حتي يستقر الفلاح في أرضه وأن يكون ذلك ضمن مفهوم قومي أو مشروع قومي. وأضاف د.صلاح النجار أنه علي الحكومة الجديدة أن تضع خططا واضحة في إطار توفير الغذاء والاعتماد علي جهد الفلاح المصري للتوسع الأفقي, وأن تأخذ مشروع ممر التنمية الذي وضعه د.فاروق الباز بعين الاهتمام الشديد لأنه المخرج لتأمين الأجيال القادمة, إضافة لوضع أسس علمية للتعامل مع الانتاج الفعلي من المحاصيل ومنها الفاكهة والخضر الذي يصل الفاقد فيها ما بين03 و04% حسب كل محصول مما يعني أنه يمكن سد كثير من الاحتياجات الغذائية من هذا الفاقد, وذلك بإدخال الميكنة والتدريب علي السلوكيات السليمة في التعامل مع تلك المحاصيل, وأن تضع في الاعتبار أن جهد الفلاح وحده لن يحقق شيئا وسيدفعه ذلك للتوسع بالبناء في المناطق الزراعية التي لم تعد توفر حاجته الأساسية مع صعوبة الحياة وتعرضه لاستغلال التجار. البناء لن يتوقف ويختلف الدكتور عادل الجنايني أستاذ المحاصيل بجامعة القاهرة عن الآراء التقليدية, قائلا: إن البناء علي الأرض الزراعية لن ينتهي مهما حدث, ذلك لأن هناك زيادة سكانية مستمرة ولا توجد أرض أو مساحة للبناء لذلك فإن الرؤي الأفضل أن نسمح بالبناء علي الأرض الزراعية بشرط أن يدفع صاحب البناء مبلغا مناسبا عن كل متر لصندوق تنمية وزراعة الصحراء وهذا يسهم في التوسع الزراعي وجذب الاستثمارات والمواطنين إليها سواء كان للزراعة أو الصناعة حسب البنية الأساسية وأن الحل الأفضل أن تحصل الدولة علي طبقة طينية من الأرض التي ستبني حسب عمقها في القرية وهي تتراوح ما بين03 سنتيمتر ومترين في الوادي القديم, وهذه الطبقة الضخمة من الطين يمكن الإفادة منها باستصلاح أراض صحراوية ليتكون ما يسمي بالأرض الصفراء بعد خلط الطين الخصب بالرمال بنسبة05%, مما يجعلها أرضا متميزة في الانتاج ويمكن من هذه التجربة استصلاح عشرة أفدنة من طين فدان واحد بالأراضي القديمة أي أنها فرصة لانتاج كامل دون مجهود زراعي, حيث يمكن زراعة كل أنواع المحاصيل فكل فدان يضيع في البناء يقابله استصلاح عشرة فدادين زراعة متميزة وسهلة وهي فرصة للخروج من الوادي والاعتراف بمشكلة قائمة ومستمرة مهما كانت القوانين الرادعة, ويضمن هذا المشروع النجاح إذا ما طبقنا الطرق الحديثة في الزراعة والتي توفر المياه اقتصاديا وتقلل الفاقد في التعامل مع المنتج, وفي الوقت نفسه فإن الطينة الخصبة لا تضيع علي الدولة لأنها تربة رسوبية تكونت من آلاف السنين لأن اهدارها إهدار لثروة قومية, وحتي لا نتيح فرصة للتلاعب حيث ينتشر البناء في أيام الإجازات والأعياد والانتخابات علي سبيل الرشوة والتلاعبات في الثروة القومية الموجودة في هذه التربة الزراعية. نقل الرمال وقال: إن استصلاح الأراضي الصحراوية بالتربة المجرفة من الأرض الزراعية يقابلها نقل الرمال من المنطقة الجديدة الرملية إلي منطقة التوسع العمراني بالأرض الزراعية بحيث تعوض الفلاح مبدئيا في أساسات البناء وتسمح بخلط الطبقة الجديدة مع الرمال في الأرض المستصلحة حتي ولو بارتفاع01 سنتيمترات لتختلط بالتربة الأهلية وتكون طبقة خصبة سمكها02 سنتيمترا علي الأقل وهي تنتج مختلف المحاصيل. وهي فرصة أيضا لتوزيع تلك الأراضي علي الجادين, حيث يمكن لتربة الفدان من الأرض القديمة أن تعمل لاستصلاح نحو02 فدانا صحراويا مع الرعاية وضرورة تطبيق نظم الري الحديثة والميكنة الزراعية المتطورة وبيع الفدان بسعر منخفض جدا لجذب الفلاحين الحقيقيين وليس المستغلين والنصابين الذين لا يهمهم انتاجا أو زراعة وإنما يتاجرون في كل شيء حتي الإنسان.