بينما رصد المؤتمر الصحفي لمنظمة الشفافية العالمية حجم الفساد الناتج عن ثغرات في التشريعات جاء معظمها عن سوء القصد من جانب النظام السابق. وطالب المشاركون في المؤتمر بضرورة الاسراع بإصدار التشريعات الملائمة التي تسد الذرائع امام الفساد, خاصة بعد الثورة التي وضعت الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية اهدافها الاساسية, فقد شهد المؤتمر جدلا وحوارا ساخنا حول قضايا مهمة تمثل ركائز اساسية لبناء نظام ديمقراطي سليم, يتسم بالشفافية والقضاء المستقل الناجز, وتفعيل لدور الاجهزة الرقابية, وقد حظيت قضية محاكمة رموز النظام السابق المتهمين في قضايا الفساد واستعادة الاموال المنهوبة بقسط وافر من الجدل, وذلك في المؤتمر الصحفي الذي اداره ايمن الصياد رئيس تحرير تقرير المنظمة العالمية, فعلي حين دعا الدكتور سليمان عبد المنعم استاذ القانون بجامعة الاسكندرية ان استعادة الاموال المنهوبة والتي قدرها بنحو50 مليار دولار التي هربها هؤلاء تستدعي اتباع كافة الاجراءات القانونية السليمة لقطع الطريق امام لجوء بعض الدول في التلكؤ او ايجاد الحجج في رفض استعادة هذه الاموال, مشيرا الي الاستفادة في هذا الصدد من تجارب بعض الدول التي فشلت في استعادة كامل الاموال المنهوبة منها ولم تتمكن من استعادة الا النزر الضئيل, مثل نيجيريا والفلبين, واضاف ان نبل الفكرة لايغني عن ذكاء الحركة, وان اكبر خطر يواجه استعادة الأموال المنهوبة خطأ الثغرات. وفي المقابل طالب الدكتور جمال زهران رئيس فرع منظمة برلمانيين عرب ضد الفساد بالقاهرة, بضرورة ان تكون هناك لجان قضائية خاصة للاسراع في الانتهاء من هذه المحاكمات مع توفير كل الضمانات العادلة لهذه المحاكمات, مؤكدا ان هذا هو ما انتهجته الدول بعض الثورات حتي تنتهي بسرعة من مرحلة الترقب والدخول الي مرحلة البناء, واعلن ان منظمة البرلمانيين العرب ضد الفساد تعارض ما اعلن عنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف عن تشكيل لجنة وزارية للمصالحة مع رجال الاعمال الذين يواجهون قضايا فساد في العهد السابق, لا هذا الامر ضد مبدأ دولة القانون التي يجب ان يخضع فيها الجميع للقانون, وان تكون له الكلمة الفصل في كافة الجرائم, الي جانب ان هذا الأمر قد يكرس الفساد, ولا يسهم في اجتثاث جذوره, لبناء نظام جديد يرتكز علي القانون, وهو اكبر ضمان للاستثمار السليم الذي يسعي الي الربح المشروع ويفيد الاقتصاد, والمجتمع. القضية الثانية التي حازت علي الاهتمام تتمثل في ضرورة رفع الرقابة عن الاجهزة الرقابية, حيث وضع النظام السابق القيود والكوابح التي تحد بشكل كبير من فعالية دور الاجهزة الرقابية جميعها من خلال قصر دورها علي عرض تقارير الفساد علي السلطة التنفيذية, الي جانب ان القانون نفسه يضع اصحاب الوظائف العليا العامة بدءا من مدير عام بما فيها الاجهزة الرقابية تحت رحمته حيث يشترط موافقة رئيس الوزراء, وهو ما دعا المستشار اشرف البارودي رئيس محكمة الاستئناف العليا والمشرف علي تقرير منظمة الشفافية العالمية عن تطابق القوانين الخاصة بكافحة الفساد مع اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد, الي القول بان ثمة فسادا شرعيا تحت تواطؤ القانون نفسه الذي استطاع النظام السابق في ان يوفر غطاء تشريعي لبعض ممارسات الفساد, مؤكدا اهمية الاسراع باصدار قوانين لسد هذه الثغرات وتضع حدودا واضحة تجرم الفساد وتفعل دور الاجهزة الرقابية لتمارس اختصاصاتها في مكافحة الفساد بكافة مظاهره واشكاله من المنبع, مشيرا الي ان الدور الاساسي في هذا الصدد يجب ان يكون للسلطة التشريعية, ووجود برلمان قوي يمارس دوره الرقابي وان يضمن ليس فقط وضع التشريعات الملائمة ولكن يراقب تفعيلها وتطبيقها, وبما يضمن استقلالية الاجهزة الرقابية بدءا من النيابة العامة وحتي هيئة الرقابة الادارية مرورا بجهاز الكسب غير المشروع, مشيرا الي انه حتي يتم ذلك يجب الغاء نسبة ال50% عمالا وفلاحين. وثمة قضايا اخري حظيت بقدر كبير من الاهتمام وفي مقدمتها ما ذكرته الدكتورة غادة موسي مدير مركز الحوكمة والامين العام للجنة الشفافية والنزاهة بمصر, ومنها ظاهرة توريث الوظائف العامة التي امتدت الي مجالات عديدة بما فيها السيادية وهو مايمثل خطورة لعدم تكافؤ الفرص, وحرمان المجتمع من الكفاءات, وثانيا ظاهرة تعارض المصالح التي انتشرت وطالت المناصب الحكومية بما فيها الوزارية, ومخالفة النظام السابق للدستور في السماح لدخول الوزراء البرلمان, حيث كان ينص بوضوح علي السماح بذلك مالم يكن هناك تعارض مصالح مع مهام وظيفته. علي ان القضية التي قد تثير الانتباه ان مصر في ظل العهد السابق كانت توقع علي الاتفاقيات الدولية, كما كان البرلمان يسرع بالتصديق عليها بعد توقيع الحكومة, دون اهتمامه بتنقية القوانين التي تتعارض معها لضمان تنفيذه, واتفاقية الاممالمتحدة مثال واضح علي ذلك, ووفقا لما ذكره مسئول بوزارة الخارجية فان مصر وقعت علي الاتفاقية كما صدق عليها في فبراير2005 رغم تعارض العديد من التشريعات معها, في حين ان كلا من المانيا واليابان وقعت كل منهما علي هذذه الاتفاقية, ولكن البرلمان لدي كل منهما لم يصدق للان, والسبب تنقية القوانين لديهما للتطابق مع نصوص الاتفاقية!