عند بدء عملي في مجال نزع السلاح في نهاية السبعينيات كانت الدعوة الي إخلاء العالم من السلاح النووي تستقبل باستهجان من الدول النووية, رغم أنها منصوص عليها في أول قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1948, وكذلك ضمن مواد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ في1971, فالدول النووية كانت تتبني منظومة أمنية تدفعها للاحتفاظ بقدرتها في إطار توازن القوة ومفهوم الردع النووي, والدول غير النووية لم يكن لديها قوة التأثير علي القرار السياسي الدولي. ولقد سعدت خلال الأعوام الماضية, أن أجد شخصيات سياسية أمريكية مرموقة ومن صقور الحرب الباردة, مثل وزيري الخارجية السابقين هنري كيسنجر وجورج شولتز وزير الدفاع السابق وليلم بيري وسام نان عضو مجلس الشيوخ السابق يدعون الي إخلاء العالم من السلاح النووي, باعتبار أن المخاطر الأمنية علي المصالح الأمريكية قد تغيرت, فأصبحت متعددة الجوانب والمصادر. وقد شاركت أخيرا في جهدين دوليين, كعضو في المجلس الاستشاري للجنة الدولية لمنع الانتشار النووي برئاسة وزيري خارجية استراليا واليابان السابقين ايفانز وكاوابوتشي, ومنذ أيام قليلة بالعاصمة الفرنسية باريس كموقع أصلي لوثيقة تتبناها مجموعة من الخبراء والسياسيين الدوليين لإخلاء العالم من السلاح النووي تحت عنوانGLOBALZERO. ويعكس كل هذا النشاط والجهد تطور في تفكير العالم عن المخاطر الأمنية المستحدثة, ووضع الأسلحة النووية في هذا الإطار, وهو تطورا إيجابي رغم تباين التفاصيل بين مبادرة وأخري, وصعوبة الوصول الي مستوي الصفر العالمي في المجال النووي سريعا. لدي تحفظات علي بعض جوانب الجهد الاسترالي الياباني لمحدودية طموحاته, وإنما تهمني الإشارة للعناصر الرئيسية من برنامج العمل لأهميته وهي: المرحلة الأولي(2010 2013): ويتم في المرحلة توصل روسياوالولاياتالمتحدة الي اتفاق جديد لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية, تنخفض فيها الرؤوس النووية للبلدين إلي أقل من1000, مقابل التزام الدول النووية الأخري بعدم زيادة الرؤوس النووية التي لديها, والموافقة علي بدء مفاوضات متعددة الأطراف لإجراء تخفيضات إضافية للترسانات النووية. المرحلة الثانية:(2014 2018): تشهد تخفيض الولاياتالمتحدةوروسيا لعدد الرؤوس النووية لديهما الي500, مع البدء في وضع نظام تحقيق, وتفتيش ملزم, مع تدعيم نظام الضمانات والتفتيش علي المرافق النووية السلمية بما في ذلك دائرة الوقود النووي. المرحلة الثالثة:(2019 2023): يتم التفاوض والتوصل خلالها الي اتفاقية دولية لإخلاء العالم من السلاح النووي, توقع عليها كافة الدول الحاصلة علي التكنولوجيا النووية العسكرية والسلمية المؤثرة( وهذا يعني الدول النووية العسكرية أو الدول غير النووية التي لديها طاقة أو ابحاث أو تكنولوجيا دائرة الوقود النووي). المرحلة الرابعة:(2024 2030): يستكمل فيها تخفيض وتدمير كافة الرؤوس النووية, وتطبيق نظام كامل للتفتيش, والضمانات, والمراقبة, وينطبق ذلك علي كافة الدول التي لديها تكنولوجيا نووية عسكرية أو سلمية. أي أن الهدف هو إخلاء العالم من السلاح النووي كلية اعتبارا من عام2030. وقد سعدت بمبادرةGlobalZero رغم انزعاجي من عدم وجود مشاركين من العالم العربي في المؤتمر بباريس غيري, وبصفة شخصية, وأمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسي وقد تمسكت خلال المؤتمر بإثارة الوضع الإقليمي وكذلك حق كافة دول العالم الاستفادة من الطاقة النووية السلمية. وأنظر إلي الأشهر القليلة المقبلة بقلق شديد, فسنشهد قمة حول الأمان النووي في واشنطن يستضيفها الرئيس اوباما في واشنطن في ابريل, ثم في الشهر التالي مباشرة مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في نيويورك, وهناك توجه متنام للتركيز علي قضيتي الأمان وعدم الانتشار النووي علي حساب نزع السلاح النووي بوضع قيود إضافية علي استخدامها ستنتهي حتما الي تقييد حق الدول غير النووية في التكنولوجيا السلمية, ومن ضمن ذلك وضع حدود علي تكنولوجيا دائرة الوقود النووي, وهناك دعاوي أخري لتشريع التزامات إضافية تمنع الدول الاطراف بالمعاهدات من الإنسحاب منها تحت اي ظرف, ولا اعتراض أدني علي الكثير من هذه الاقتراحات اذا كنا نعيش في عالم مثال, وتطبق المعايير والقواعد فيه علي الكل, وتدار التكنولوجيا النووية علي أسس علمية غير مسيسة, في إطار من المساواة والتعاون الدولي, إلا أننا لسنا في هذا الوضع الأن, لذا ستنتهي هذه الإجراءات إلي توسيع الفجوة بين من لديه قوة نووية ومن ليس لديه هذه الإمكانات, مما يخلق خللا متزايدا في التوازن الأمني, ويزعجني أيضا أن الولاياتالمتحدة والعديد من الدول الغربية وبعض الدول المتقدمة الأخري تدفع بتأجيل تناول البرنامج النووي الإسرائيلي, وهو الأخطر في الشرق الأوسط, الي ما بعد تحقيق السلام الشامل في المنطقة, وهو مفهوم قديم لم يكن ولم يعد منطقيا باعتبار ان اتفاق السلام المصري الإسرائيلي فرض توجها سلميا في المنطقة, ومعادلة سياسية وامنية لا تجعل الحرب العربية الإسرائيلية الشاملة احتمالا حقيقيا. ومن ناحية أخري نجد ان التعامل الدولي مع القضية النووية الإيرانية يتم من منظور إدارة الأزمات بين إيران والعالم الغربي, دون مراعاة الاعتبارات أو المصالح الإقليمية, وخاصة العربية, وهو طرح قاصر شكلا وموضوعا, فضلا عن أن محاولة تقييد إيران في التكنولوجيا ستنتهي حتما بالفشل, والخلاصة ستكون استمرار التوتر السياسي بما يزيد من احتمالات إستخدام العنف بكل ما يحمله من مخاطر, واستمرار البرنامج النووي الايراني دون الشفافية الدولية اللازمة, في حين أن الأجدي هو النظر إلي الموضوع النووي من منظور أمني إقليمي والوصول إلي ترتيبات والتزامات متساوية وعادلة, تفرض علي جميع البرامج النووية بالمنطقة نظام تفتيش وشفافية. وفي إطار كل هذا التحرك الدولي من الملفت غياب أي اقتراحات عربية في الساحة السياسية العلنية, فضلا عن أن الجهد الرسمي العربي لا يرتفع الي مستوي التحدي او الظروف التي سنواجهها, وهناك محاولات من قبل بعد الدول للاتصال بالدول العربية للتفرقة فيما بينها وتجنب تكتلها, ومن الخطأ ان تكتفي الدول العربية بالتمسك وتكرار المواقف العامة او ما يسمي بالثوابت, لان المجتمع الدولي في هذا المجال علي الأقل يشعر بأنه يستطيع تجاهل المواقف العربية, او إرضاءه ببعض الوعود العامة والخطوات الشكلية المحدودة. وأقترح وضع خريطة طريق نووية شرق اوسطية لتأكيد ضرورة قبول جميع دول المنطقة بنفس الالتزامات في المجال النووي في إطار الانضمام إلي معاهدة عدم الانتشار النووي أو لمنطقة خالية من السلاح النووي, واتخاذ خطوات محددة ومتدرجة نحو هذا الهدف, مع وضع آلية متابعة لتنفيذ هذه الخطوات والوصول بها إلي الهدف النهائي, علي النحو التالي: أولا: مطالبة كافة دول الشرق الأوسط, وكذلك الدول النووية الخمس بإيداع إعلانات صريحة وغير مشروطة بمجلس الأمن الدولي, يقرون فيها بتأييدهم لإخلاء الشرق الأوسط من كافة الأسلحة النووية دون قيد أو شرط أو استثناء, إما من خلال انضمام دولها إلي معاهدة عدم الانتشار أو بإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. ثانيا: قبول إسرائيل وقف إنتاج المواد الانشطارية, او الوقود النووي مرتفع التخصيب, الذي يمكن استخدامه للأغراض العسكرية, مع إخضاع ما لديها من مخزون للتفتيش الدولي. موافقة إيران علي عدم تخصيب الوقود النووي الذي يمكن استخدامه للأغراض العسكرية لمدة خمس سنوات مقابل حصولها علي ضمانات وقود دولية. ثالثا: قيام سكرتير عام الأممالمتحدة بتعيين مبعوث خاص للاتصال بالدول الإقليمة في الشرق الأوسط لاستجلاء مواقفها من الحدود الجغرافية للمنطقة منزوعة السلاح النووي المقترح إنشاؤها, ونظام التحقيق الدولي والإقليمي المطلوب, وشروط دخول إتفاقية إنشاء تلك المنطقة حيز النفاذ, بغية التمهيد لمؤتمر تفاوض إقليمي تحت مظلة الأممالمتحدة. قيام سكرتير عام الأممالمتحدة بالدعوة إلي إنعقاد مؤتمر تفاوضي تحت مظلة المنظمة الدولية للتفاوض حول مواد اتفاقية لإخلاء المنطقة من السلاح النووي علي أن يجمع المؤتمر كافة دول المنطقة في ربيع عام2011.