نستكمل في هذا المقال ما بدأنا الحديث عنه في الجزء السابق من المقال حول كيفية تطبيق نظام العقوبات في الإسلام, حيث اوضحنا انه لايجوز تطبيق تلك العقوبات الا في مجتمع الكفاية والعدل. ونقول من العجب ان الدول التي أعلنت أنها تحكم باسم الاسلام لا تطبق الاسلام تطبيقا صحيحا وخالصا لوجه الله تعالي, والسبب في ذلك هو هذه المفاهيم الخاطئة بين الجميع في تطبيق الاسلام. فما إن يصل زعيم مسلم الي الحكم في أي بلد من هذه البلاد حتي يعلن في الحال وبدون تمهيد أو أي عمل إصلاحي تطبيق نظام العقوبات. وكأن الإسلام ليس فيه شيء مهم إلا العقوبات. وسرعان ما تصدر الأوامر, بقطع الايدي وقطع الارجل والرجم بالحجارة والحد في الميادين العامة لأهون الاسباب. وكل ماتركوه هو كم كبير من العجز والمعاقين. والأيدي المقطوعة. والأرجل المبتورة ومن قتلوا رجما بالحجارة. ومن جلدوا في الميادين العامة لأتفه الأسباب, وسلبت كرامتهم وآدميتهم. وقد وجهت منظمة العفو الدولية وجماعة حقوق الانسان العالمية, نداء الي هذه الدول التي تطبق هذه العقوبات علي شعوبها, تطالبها بإيقافها, كما طالبت اطباء هذه البلاد بالامتناع عن المشاركة في عمليات قطع الأيدي والأرجل باعتبار ان ذلك مخالف للقسم الطبي قسم أبو قراط الذي يقسمه كل طبيب قبل ممارسة مهنته. وقد غضب جميع الحكام في تلك الدول من هذا النداء الذي صدر إليهم من جميع دول العالم ممثلين في هيئة الأممالمتحدة. واعتبروه تدخلا في دين الاسلام وإهانة لهم ولعقيدتهم ورفضوه بكل شدة ولو كانوا يعتزون بدينهم وعقيدتهم حقا لما وصلوا بالاسلام والمسلمين الي هذا الموقف الحرج, ولنشروا العدل والإصلاح والمساواة حسب تعاليم الاسلام قبل ان ينشروا السيف والبتر والرجم والجلد ولاهتموا بالاقتصاد ورفعوا مستوي الدخل ونشروا العمار والعدالة والاصلاح!! قبل نشر الخوف والخضوع والطاعة بين الناس. وقد الف أحد القضاة المسئولين عن تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان كتابا بعنوان تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان بين الحقيقة والإثارة وفيه يذكر المؤلف الدكتور المكاشي طه الكباشي كيف كانت العقوبات التي تطبق باسم الاسلام من قطع الايدي والأرجل بالجملة من نصيب الفقراء والمعدمين وحدهم وفي أصغر المبالغ بينما كان هناك الاغنياء الذين يرتشون وينهبون اموال الشعب بالملايين ويهربون بها الي الخارج ولا يستطيع أحد أن يحاسبهم لان شركاءهم الذين في الحكم يحمونهم. وعندما اراد ان يطبق عقوبة السرقة وقطع اليد علي أحد كبار المرتشين وصل الأمر ان يفصل القاضي من عمله في الحال. ومن اغرب العقوبات التي استخدمها الاسلاميون في السودان ما أطلقوا عليه حد الشروع في الزناوهو تعبير غريب ومبتكر لم يرد في نظام الحدود في الاسلام ولا في كتب الفقه. ويمقتضاه يمكن توجيه تهمة الشروع في الزنا, لاي رجل أو أمرأة دون الحاجة الي الأدلة الشرعية المعروفة وذلك تسهيلا للاتهام. وبموجب هذا التشريع غير السماوي إذا كان الرجل يسير في طريق ومعه زوجته ينقضون عليه ويطلبون قسيمة الزواج. فإذا لم تكن معه فالويل له إذ يؤخذ الي السجن حتي يثبت براءته وإلا عوقب ثلاثين جلدة. اما ان كان الرجل يسير بمفرده في الطريق فالويل له اذا ظهرت امرأة غريبة بجواره أو امامه. لانه لو نظر إليها او سألته سؤالا ورد عليها فتهمته( شروع في الزنا) وعقوبته عشرون جلدة. وهذا هو كشف العقوبات كما اورده القاضي الدكتور الكباشي في كتابه وينص علي الاتي اذا وجدوهما في الطريق وهو يكلمها وتكلمه ضربوهما عشرين سوطا.وإن وجدوه يشير إليها وتشير اليه بغير كلام ضربوهما عشرة اسواط. وإن وجدوهما غير متباشرين ضربوهما اربعين سوطا. وإن وجدوهما جالسين في بيت واحد وعليهما ثيابهما ضربوهما اربعين سوطا واما اذا ضبط وهو يقبلها فقط فالحد خمسة وسبعون سوطا... ومعني ذلك ان اي إنسان يسير في الطريق بكل براءة وسلامة نية يمكن ان يعتبر زانيا أو شروع في الزنافما أبخس كرامة الانسان والمواطن المسلم في ظل هذا التحريف للإسلام.