لازلنا نهوى العمل في الوقت الضائع وعلى أقصى تقدير في الوقت الضيق.. ننتظر وننتظر الى الدقيقة قبل الأخيرة حتى نبدأ عملاً شاقاً وكبيراً كان يمكننا القيام به منذ أيام وأسابيع وربما شهوراً ليخرج متناسقاً متقناً يتجاوز سلبيات ضيق الوقت وقلة الجهد وانشغال العقل بأفكار خواء لاتسمن ولأتغنى من جوع !! تذكرت هذا عندما رأيت وسمعت توالى التصريحات من مختلف القوى السياسية – عدا الأخوان – التي بدأت في الحديث عن ضرورة الوصول الآن الى "التوافق" و"المواءمة" بين مختلف القوى السياسية لتتضمن قائمة وطنية واحدة وأن هذه الصيغة هي الأنسب الآن للعمل الوطني. لقد اكتشف الآن مرشح للرئاسة مثل د.البرادعى مثلاً أن "حالة الانقسام" بين النخبة السياسية ليست في صالح المجتمع وان الوقت قد حان لحدوث توافق وطني حقيقي والتوقف عن حالة الاستغراق في حالة الجدل والتوقف عنها الى القضايا الحقيقية التي تهم المواطن مثل الأمن والاقتصاد والتعليم. الأمر لم يختلف كثيراً مع مرشح آخر مثل أيمن نور الذي طالب- الآن- بطرح قائمة وطنية تجمع كافة القوى والأحزاب للوصول الى برلمان وبعدها حكومة ائتلافية قوية قادرة على مواجهة الأزمات. أما الوفد و11 حزباً سياسياً أخرى والجمعية الوطنية للتغيير فقد اجتمعوا أيضاً لطرح مشروع قائمة وطنية واحدة تجمع كافة القوى والأحزاب, بينما طرحت بعض قوى الشباب هي الأخرى فكرة ائتلاف الأحزاب – وليس اندماجها - لتعمل فى اطار واحد بديلاً عن الائتلافات والاتحادات والمسميات التي لا يعرف عنها أغلب الشعب المصرى شيئاً سوى كثرة عددها وتعدد مسمياتها ! والسؤال ماذا لو أدرك هؤلاء جميعاً وخلصت "نواياهم السياسية" منذ البداية عقب نجاح الثورة وسقوط النظام ورموزه أن هذه الصيغة "التوافقية" والروح "التعاونية" بين هذه القوى السياسية هى الأفضل لصالح الوطن ولهم.. ماذا كان سيجرى لو جاء كل طرف منهم على نفسه وعلى طموحاته السياسية ومصلحته الحزبية بدرجة مقبولة لاتبخس حقه فى التواجد بقدر ثقله من ناحية وتأخير تنفيذ كل هذه الطموحات دفعة واحدة حتى تقف البلد على قدميها سريعاً من ناحية أخرى. ماذا لو أدركوا انك لا تستطيع في السياسة أن تحصل على كل شئ مرة واحدة حتى فى ظل متغيرات ثورية ؟! أتصور أن هذه القوى كانت ستكسب أكثر لو أدركت هذا سريعاً من البداية وهى محملة بروح التحرير وزمنه.. ومن أولى هذه المكاسب استمرار روح الميدان نفسه الذى وصفه البعض بأنه كان أقرب الى المدينة الفاضلة! أما ما حدث للأسف فكان شيئاً مختلفاً بين هذه القوى السياسية عندما تحول التلاحم السابق بينها فى التحرير الى حالة جدلية عبثية ولدت حرباً كلامية بينها جعلتها تخون بعضها البعض وجعلت البعض الآخر منها يحاول اللعب داخل مناطق خطرة تؤدى بالبلد الى هوة سحيقة مثل محاولتها الوقيعة بين المجلس العسكرى والجيش الذى حمى الثورة وبين الشعب لتحقيق أهدافاً سياسية قصيرة المدى. ان هذه القوى لوسارت من البداية فى اتجاه التوافق والتصالح والتعاون والعمل على قاعدة أن مصلحة الوطن فوق الجميع لكان قد أدى هذا الى خلق مناخ سياسى رصين أتاح حالاً أفضل للأوضاع الاقتصادية والأمنية.. أن في بلد مثل بلادنا وفى ظروف مثل ظروفها لايصبح عامل الزمن في صالحها أذا ما استمرت كثيراً فى حالة السيولة التى تتسم بها الآن بل ان الاستقرار السريع بتحقيق "معظم" ما نتمناه أفضل فى تصورى من الانتظار الطويل والممتد لتحقيق "كل" ما نتمناه وهو أمر يجب ألانخشى منه لأن تجربة الميدان والثقة بالنفس وبقدراتنا ستبقى دائماً كفيلة بضمان تحقيق "الكل".. لكننا يجب أن نكون واعين بأن هذا الكل فى الظرف الراهن لن يتحقق الا مع استمرار دوران حركة الدولة واقتصادها ومؤسساتها وهياكلها التى ان توقفت أكثر من ذلك وقتها فقط ستكون الطامة الكبرى ولن نستطيع الحصول على "أى شئ" وربما وقتها نندم على كل الوقت الذى ضاع.. من هنا فان الصيغة التوافقية الجديدة التى وصلت ودعت اليها القوى السياسية المختلفة أصبحت وستبقى هى البديل الأفضل للعبور من المأزق الحالي سواء عن قضايا مثل الانتخابات والدستور وغيرها من القضايا الشائكة الأخرى التي تحتاج في التعامل معها التخلص من الروح الانقسامية الى روح يغلب عليها صوت العقل ومصلحة الوطن العليا فى ظروف استثنائية.. فهل نفعل ذلك بالفعل قبل أن نندم على الوقت الذى ضاع؟!