دائما ما ننظر إلي العشوائيات علي أنها تشويه للجمال فقط لكن ما خفي كان أعظم, فهي كارثة اجتماعية واقتصادية ودائرة خبيثة لإهدار الأموال والإمكانيات والأرض والمجهودات,وعرقلة عمليات الإنقاذ والمطافي والمرور وزيادة الأحمال علي المرافق والشبكات العامة. وكل هذه تكاليف يجب أن نحسبها قبل أن نلجأ للبناء العشوائي أو نقرر هدمه أو تركه.. وكان للخبراء رأي في هذا الجانب الخطير. فيقول الدكتور حسين عباس أستاذ الهندسة المدنية وعميد هندسة الأزهر سابقا, إن المدن في حولها جمعينا تقريبا عشوائيات وبداخلها.. ويتساءل إذا لم تكن موجودة فماذا يكون الوضع؟! فهو يري أن العشوئيات في مصر رغم خطورتها وكوارثها إلا أنها سترت بناتنا وأبناءنا من الشوارع,وينادي بعدم مهاجمة كل العشوائيات لأننا في مصر لم نقدم الحلول البديلة الفعالة حتي الآن,واليوم بدأت العشوائيات تستقطب الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة بعد أن كانت من نصيب الطبقة الفقيرة فقط.. هذا هو الوضع السائد الحالي,ولايمكن أن نقول إن جميع المباني العشوائية إهدار للأموال أو تشويه لجمال المدن قبل ايجاد الحل البديل. ويشير إلي أن كوارث المباني المرتفعة أنها كثيفة ومتعددة الطوابق في شوارع ضيقة جدا وغير مستقيمة ولايمكن الوصول إليها سواء بسيارات الإسعاف أو الإطفاء والدفاع المدني والإنقاذ وسيارات الأمن والنجدة لحماية المواطنين المقيمين بها,كما تعاني معظم الأبراج سوء البناء, والخامات الداخلة فيها متدنية, وكل ذلك في غياب الجهات الرقابية وبعيدا عنها,وللعلم عمليات البناء تتم في أجازات الأعياد وفي رمضان وأثناء الليل دون إشراف هندسي, ويجري رفع المبني وزيادة الأدوار بكل جشع ويؤكد أنه لايمكن تطبيق الأساليب الهندسية مع هذا الفكر العشوائي وعدم توفير الحلول الحقيقية. والسؤال هل نهدم كل المباني العشوائية.. الإجابة علي لسان الدكتور حسين عباس لا ليس جميعها يجب هدمه بل يمكن الحفاظ علي الصالح منها بعد تطويره حتي لاتكون الخسائر كبيرة,ويضرب مثلا ناجحا بما حققته محافظة دمياط التي قامت بتطوير العشوائيات والاستفادة منها بدلا من إهدار الجهد والمال بالكامل, وعرض الدكتور فتحي البرادعي أمام جمعية المهندسين عمليات تطوير هذه العشوائيات, وقد حقق نجاحا في هذا الاتجاه,لأنه لايوجد حلول بديلة في جميع الحالات وهذا استثمار للإمكانيات الموجودة وعدم إهدار للأموال. وبالحديث مع الدكتور فتحي البرادعي للتعرف علي هذه التجربة وكيفية الحفاظ علي ثروتنا العقارية ليس فقط كمحافظ بل أستاذ هندسة معمارية وتخطيط عمراني يؤكد لانستطيع الحكم علي العشوائيات ككل بل يجب تصنيفها,فالذي لايهدد منها الأرواح وقابل للسكنة ولايتعارض مع مخططات الدولة وقوانينها وغير مهدد بالانهيار نحتفظ به للأن العشوائيات ثروة عقارية, وهي تختلف في تعريفها, ومنها أنها مباني غير مرخصة, وهذه تمثل أكثر من75% من المباني في مصر, ولايمكن ازالة هذا الكم الهائل, ويجب التعامل معها جزئيا وتقسيمها لشرائح مختلفة, والحرص علي أكبر نسبة منها والتعامل معها وإحياؤها, وفي مدينة دمياط قمنا بتجربة مهمة حيث يوجد بها13 منطقة عشوائية مسجلة من بداية تسعينات القرن الماضي, وتم لهذه المناطق التخطيط بحيث لايتم إزالة أي مبني منها,ويربط هذه المناطق كابل هوائي ضغط عالي,فتم تحويله لكابل أرضي وفتح طريق مهم في هذا المكان وفقا للمواصفات القياسية,وتجهيز جميع المرافق به لعدم الحفر به مرة ثانية,وزراعة الأشجار به وتنسيقه,وكانت المفاجأة غير المتوقعة أنه تم إنشاء العديد من المباني المرخصة به في الأراضي الفضاء وتحويله لورش منتجة للنجارة ويتم تصدير أساس بنحو90 مليون جنيه منه سنويا,و كان تطوير العشوئيات سببا في إيجاد فرص عمل بجانب النظافة وتحسن السلوكيات والحد من المهملات وطفح المجاري وبالتالي الحد من الأمراض المعدية,وتحسنت جودة الحياة بعد أن تم إضافة جميع الخدمات بها وأصبحت وجهة حضارية في قلب دمياط بعد أن كانت بؤرة خطيرة,وتحول الممر لمحور مرور رئيسي حقق انسيابا في المنطقة وربط بين الطرق وأصبح متنفس للشوارع الداخلية التي كان يصعب الوصول لها. وللواء أحمد عبدالفتاح رئيس حي السيدة زينب رأي آخر وهو أن المباني والأبراج العشوائية ما هي إلا إهدار للمال من ناحية المواطن والدولة, حيث يتم البناء دون دفع رسوم للدولة ويجري في الظلمة ودون اشتراطات وبالتالي يخرج غير مطابق للمواصفات,ولايمكن محاسبة المخالف مباشرة حيث يتم عمل محاضر وغرامات,ولايجب محاسبة الأحياء إلا بما فرضه القانون عليها,فعند ضبطنا لمخالفة يجري عمل محضر بالايقاف ومحضر بناء بدون رخص, ويتم إرسالهما للقسم ولا يستطيع الحي التدخل المباشر,ويتم عمل مذكرة بالمخالفة للعرض علي السلطة المختصة أي المحافظ لاستصدار قرار بالإزالة يتم إرساله للجهة المختصة في الشرطة للدراسة الأمنية لتحديد الموعد المناسب للإزالة, وعند تحديد الموعد تخرج القوة للإزالة لكن المفاجأة أنه في كثير من الحالات يكون المكان مشغولا بالسكان فيتعذر الإزالة,ويحتاج عمل المحضر والتنفيذ حكم محكمة والذي يستغرق شهور, ومع بطء التقاضي يتصرف المالك والسكان لأنه رأسمالهم,فالأحكام السريعة تكون رادعة,وللمتضرر حق الاستئناف إلي أن يصدر حكم محكمة إلي أن يصدر حكم نهائي شاملا للعقوبة الجنائية وما يتبعها من إجراءات الإزالة وهذه العملية طويلة وتستغرق فترات طويلة تصل لسنوات,وكل العملية ما هي إلا إهدار للوقت والمجهود والحقوق إلي جانب العديد من عمليات التلاعب المختلفة. أما القانون الجديد أوجب في حالة ضبط مكان أقيم بدون ترخيص,يتم استخراج قرار بإيقاف أعمال البناء ويتم إعلام المخالف وإعطاؤه مهلة لمدة15 يوما لتنفيذ الإزالة للمخالفة فإذا لم يستجب,يتم استصدار قرار من الجهة الإدارية المختصة وفقا لنص المادة60 من قانون البناء رقم119 عام2008 ومعني ذلك كما يؤكد لنا اللواء أحمد عبدالفتاح أن الجهات الادارية هي التي تتصدي للإجراءات القانونية بما أتاحه القانون من إجراءات إدارية. والسؤال هل من الخسارة تنفيذ الإزالة وهي جائزة قانونا أم الإبقاء علي العقار المخالف؟.. يري أنه من الأفضل والأفيد للصالح العام والقومي تنفيذ قرارات الإزالة مهما يكون,لأنها أقيمت علي باطل دون تخطيط عمراني سليم بما يؤثر سلبا علي شبكة المرافق العامة بالمنطقة وهذا الخطأ ينعكس بالضرر علي جموع المواطنين في مختلف المناطق سواء شبكة الكهرباء أو المياه أو الصرف الصحي,كما أن المباني والعمارات التي تقام دون ترخيص تخرج عن الإطار المعماري والتخطيط لكل منطقة مما يشوه المنظر الجمالي,بالإضافة لتأثيره علي حركة السير والمرور بالطرق لأن بعض المباني غير المرخصة تسرق جزءا من الطرق,فتتكدس القمامة وجميع أصناف التلوث وإعاقة الطريق بجميع الأشكال,كما تتعارض بعض الأماكن مع شروط الطيران المدني أو الاشتراطات المطلوبة للمناطق الأثرية,ولذلك يفضل اللواء أحمد عبدالفتاح تنفيذ قرارات الإزالة للمخالفة مهما كانت الظروف والخسائر المالية لأنها ستحقق الردع المطلوب لكل من تسول له نفسه مخالفة اشتراطات البناء حفاظا علي الثروات الخاصة والعامة مستقبلا بدلا من اهدارها.