من مفارقات الزمن.. أن يبتعد من له حق الاقتراب, وأن يسكت من له حق الكلام.. بهذه العبارة للكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين بدأت الكاتبة الأردنية سلوي اللوباني رحلتها في كتابها أنت تفكر.. إذن أنت كافر. الي المفكرين والمبدعين العرب وبينهم تطرح التساؤل حول دورهم في المجتمع العربي.. لماذا ابتعدوا.. ولماذا صمتوا أو علي الأكثر تكلموا من دون أن يكون لكلامهم تأثير. تعددت الأسباب في المجتمعات العربية كل حسب ظروفه لكن المشترك بينها جميعا هو تنامي ظاهرة الإسلام السياسي وجماعات الفهم والتفسير الخاطيء للقرآن ومطاردة التفكير والمفكرين بسيف الاتهام بالكفر في بلدان يدين أغلب سكانها بالإسلام الذي حول هذه المجتمعات من الكفر للإيمان باستخدام العقل وملكة التفكير!؟ ويستعرض الكتاب الصادر في بيروت عن دار العربية للعلوم في جانب منه, أحوال بعض المثقفين العرب الذين اتهموا بالكفر والإلحاد, فمنهم من أجبر علي النفي خارج الحدود أو تم اغتياله أو الشروع في قتله, ومنهم من وصل به الحال الي الانتحار أو السجن أو الاعتقال, ومنهم من التزم الصمت وكف عن التفكير والإبداع وانتهي به الحال الي تسول تكاليف علاجه. لكن الكاتبة تشير في نفس الوقت الي أن هذا الاتهام لم يقتصر مصدره علي هذه الجماعات, وانما شاركتها أيضا الأنظمة العربية الحاكمة التي طاردت المثقفين الذين عارضوها أو انتقدوها بنفس السلاح أو بأسلحة أخري, وفي الحالتين عرضت بالتفصيل لنماذج مثل الشاعر نجيب سرور والكاتب أحمد بهاء الدين والجيلاني محمد طربيشان وكاتب ياسين( المرض النفسي أو العضوي), وخليل حاوي وتيسير السبول وقاسم جبارة( الانتحار), وغسان كنفاني وفرج فودة وناجي العلي( الاغتيال), ونجيب محفوظ( محاولة اغتيال) وسيد قطب( محاكمة انتهت بالحكم بإعدامه).. وذلك الي جانب مطاردة طابور طويل من المثقفين والمفكرين العرب بتهمة الكفر والإلحاد ومنهم الدكتور نصر حامد أبوزيد وليلي العثمان وعبدالله العتيبي وعبدالله خليفة, ورجاء بن سلامة والعفيف الأخضر وعبدالعزيز المقالح وإسلام سمحان.. وكذلك تناول الكتاب حالات من المثقفين طاردت السلطة والاسلام السياسي إبداعهم وضيقت عليهم حتي انتهي بهم الحال الي عدم القدرة علي توفير تكاليف العلاج أو تولي السلطة(؟!!!) علاجهم في واحدة من المساخر مثل حالات جارالله الحميد وابراهيم أصلان وخليل كلفت ومحمد أبودومة وعلي الدوعاجي ومحمد ديب ومحمد الثبيتي. ويستعرض الكتاب في أحد فصوله تجربة السجن والمعاناة الإنسانية لعدد من المثقفين والمفكرين دفعوا من حرياتهم ثمن قول كلمتهم ومنها تجربة كل من مفدي زكريا ومحمد الماغوط ومحمود أمين العالم وعبدالقادر الشاوي. وتقول الكاتبة سلوي اللبواني إنه زاد علي ذلك وطأة الحالة الثقافية في العالم العربي خلال الفترة الأخيرة علي أوضاع المثقفين العرب, واستعرضت المناخ الثقافي الذي بات يشيع فيه النفاق والتزلف للحصول علي جوائز الأمير والسلطان وتقدم أنصاف ومعدومي الابداع, والترويج المنظم لأمثالهم من خلال القنوات الفضائية, حتي بات الفنان العربي أهم من المثقف العربي الذي مورست عليه عمليات تعتيم. ومن المفارقات التي تقف عندها الكاتبة, هي أن ذلك يتم دون انزعاج نفس هؤلاء الذين يحاولون أن يروجوا لأن الدين والابداع لا يلتقيان!؟.. لكنهم لا يجدون تناقضا بين الدين والتزويج للمتعة... لأن الأصل عندهم هو أن التفكير ممنوع. وتفرد الكاتبة فصلا خاصا لدور مصر الثقافي, وتري أن عودة الإشعاع الثقافي والإبداعي والفكري في العالم العربي كان وسيظل برغم كل الظروف التي مرت عليها مصدر الالهام وله الريادة لأسباب باتت معروفة.. وتقول: وغدا أيضا.. فمصر ولادة.