بعد دوره في الحشد والتعبئة لثورة25 يناير بدأ موقع الشبكات الاجتماعية الفيس بوك يلعب دورا في شن الحملات الالكترونية المؤيدة أو المعارضة لسياسات الحكومة أو المجلس العسكري, . أو تناول الموقف من قضايا التحول في المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد. و ذلك في محاولة لممارسة دور الرقابة الشعبية علي أداء السلطة التنفيذية خاصة في ظل غياب احد أركان الرقابة المتمثل في مجلسي الشعب والشوري. وقد جاء ذلك بعد أن فتحت إمكانيات موقع الفيس بوك الباب أمام العديد من الأفراد لممارسة هذا الدور عبر إنتاج المعلومات في صور متعددة كنص أو فيديو أو صور, والقدرة علي التشبيك بين الأفراد, وتأسيس الصفحات الداعية لقضية ما والتي سرعان ما يتم إنشاء صفحات أخري معارضة لها, ويبقي الاختلاف بينها في عدد أعضاء كل منها باعتبار ذلك يعكس حجم التفاعل معها. ويبقي الانتقالمن موقع الفيس بوك إلي الشارع متوقفا علي طبيعة القضية ومدي أولوياتها للرأي العام ودور وسائل الإعلام الأخري في الترويج لها, وما تثيره من وجهات نظر مختلفة وردود أفعال متباينة وما قد ينطوي عليه من تبادل لكم هائل من المعلومات والأفكار مع تعدد مجالات الاهتمام من قضايا فئوية إلي أخري ذات طبيعة عامة. وهو الأمر الذي حدا ببعض مؤسسات الدولة لتأسيس صفحة لها علي الفيس بوك في محاولة للتواصل مباشرة مع المواطنين كصفحة المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو صفحة مجلس الوزراء وذلك في محاولة لمواكبة السرعة في نشر الأخبار والتفاعل معها. ونقل الفيس بوك المطالب مباشرة للحكومة وهو ما كانت تقوم به في السابق الأحزاب السياسية أو النواب في البرلمان, وتم ذلك بتوفير الرابط السياسي بين المواطن والحكومة وبما يسمح لصانعي القرار بالتصرف بما يتواكب مع الحاجات والمطالب والرغبات الخاصة بالمواطنين, كما أتاح الفيس بوك كشبكة اجتماعية وكأداة سهلة ورخيصة للتعبير عن المصالح الفرصة أمام المواطن للمشاركة مع الغير في تكوين التحالفات للمساهمة في صنع السياسات. وساهم في توفير المعلومات التي تمكن المواطن من تشكيل رأيه وإدارة دوره السياسي وبما يسهل من عملية تحريك التفاعل داخل المجتمع, وبرز دور المواطن الناقد الذي يحصل علي المعلومات وببني رأيه ويتحرك للتعبير عنه بصورة ايجابية, وهو ما يتكامل مع بروز المواطن الإعلامي القادر علي صياغة الرسالة الإعلامية الخاصة به. وبرز أيضا المواطن المشارك الذي يريد أن يشارك في صناعه الحدث سواء بتعليقاته أو ما يقوم به من حشد وتعبئة لما يقتنع به من آراء وأفكار تجاه إحدي القضايا وذلك في مقابل المواطن المستهلك الذي يتعامل مع ما يطرح علية ويتقبله لعدم قدرته علي إنتاج بديل او رأي آخر, وهو ما يشكل بيئة خصبة لبروز المواطن المتحالف التي يتضامن مع القضية ويكون مهيئا للتعبئة من اجلها. وجاء ذلك تعبيرا عن حالة الحرية التي تعيشها البلاد والتي لم تعد مقتصرة علي حرية الأدوات والوسائل بقدر ما تعبر عن رغبة متزايدة في التعبير لدي العديد من الأفراد والقوي السياسية الجديدة في المجتمع, التي جمع بينها الرغبة في التعبير عن الذات وعن موقفها تجاه قضايا التحول وفي أن يكون لها موضع قدم في المستقبل وفق المصلحة العامة تارة ووفق مصلحتها الخاصة تارة أخري. وعلي قدر ما مثل ذلك الاستخدام من مزايا عده في دعم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير إلا أن استخدام الفيس بوك كشف عن وجود محددات لتفعيل دوره منها ما يتعلق بطابعه الفردي القابل لأن يصبح فعلا جماعيا, وبطبيعته كأداة ومدي تعبيرها عن غالبية المجتمع, ودرجات الوعي بمخاطر الاستخدام السيئ من المواطنين, والتحول من نمط تشكيل الاتجاهات وفق الإعلام الموجه من الدولة إلي إعلام بديل قد يوجه من أفراد أو جماعات لها مصالح خاصة. وبرزت تحيزات لمن يقوم بتأسيس الصفحات من حيث انتقاء المعلومات التي تؤيد وجهة نظره فقط وهو ما يستقيم علية باقي الأعضاء, وهو الأمر الذي يقوم به أيضا من يقوم بإنشاء صفحات معارضة بما ينعكس في النهاية في الإضرار بالقضية محل الاهتمام وتضليل الرأي العام. وهو ما يكون له تأثير بالغ في مجتمع يعاني من ضعف الثقافة العامة ويكون بيئة خصبة لنشر العنف الطائفي والكراهية الدينية وتحوله لساحة لتصفية الصراعات الشخصية. ويتم التضخيم من قضايا فئوية لتبدو وكأنها تحظي بقبول شعبي جارف مستندين لمؤشرات عدد الأعضاء وحجم التعليقات, وهو ما ينقلنا إلي القول أن حجم الأعضاء وتزايدهم لا يعني بالضرورة عن حجم تأييد فعلي, وذلك يرجع إلي أن من يشارك في المجموعة قد يشارك في نفس الوقت في مجموعة أخري معارضة, وان من يشارك في المجموعة قد لا يحمل اهتمام قوي بالقضية محل الاهتمام, وقد يشارك فيها من هم خارج البلاد ولا يحملون الجنسية المصرية. ومن يشارك في المجموعة قد يقل عمره عن18 عاما. وعلي قدر ما ساهم الفيس بوك في حرية تداول المعلومات إلا أن الممارسة كشفت عن افتقاد المواطن للوعي بأمنها, فعرض ملفات الفساد قد تضر سير التحقيقات وتمثل تدخلا في عمل القضاء, بل إن نشر تلك المعلومات قد يؤدي إلي قيام من له مصلحة خاصة بإنشاء صفحات معارضة لها مستخدما معلومات مغلوطة ومزيفة بما يعمل في مجمله علي التشويش علي الرأي العام, وقد تستغل تلك المعلومات من جهات خارجية تضر بالأمن القومي. وتجدر الإشارة هنا إلي أن عدد مستخدمي الفيس بوك أو الانترنت بشكل عام لا يمثلون أغلبية جموع الشعب المصري, كما أن بعض القضايا التي قد يتم تناولها لها طابعا نخبويا ولا تعبر بالضرورة عن أولويات المواطن الذي يبحث أولا عن الأمن ولقمة الخبز بعد الحرية. ودفع سهولة تشكيل كيانات عبر مجموعات الفيس بوك لتحولها لأدوات لتفتيت قوي الثورة, فمصلا وصل عدد ائتلافات الثورة إلي ما يزيد علي180 ائتلافا, فضلا عن أن الرغبة في إعلان أحزاب قاربت من المائة. نعم ازداد عدد من يمارسون أو يتكلمون في السياسة ولكن قل من يستطيع أن يرتفع لمرتبة صانع القرار, وان يوقف مدفع الإعلام لصالح العمل ويلتزم الهدوء اللازم لمرحلة البناء. وان كانت أعمال الرقابة الشعبية التي يقوم بها الأفراد عبر الفيس بوك تتميز بوجود آليات جديدة لتفعيل سلطة الشعب, إلا أن ما يجري لا يعبر بالضرورة عن الإرادة العامة بل قد يعبر عن ظهور قوي جديدة تستخدم أدوات جديدة للتعبير عن مصالحها. وتساهم في الرقابة علي أداء الحكومة و تتجاوز أداء البيروقراطية التي فشلت في السابق في نقل مطالب الجماهير, وذلك من خلال أناس لديهم الموهبة والقدرة علي صياغة مطالب الناس والالتحام بالشارع وهو ما يعزز من دور الرأي العام في الرقابة علي أداء المؤسسات ليس فقط المملوكة للدولة بل أيضا المملوكة للقطاع الخاص. ويتطلب ذلك العمل علي ترشيد استخدام أدوات الإعلام الجديد وخاصة الفيس بوك للقيام بوظيفتها في دعم الاستقرار والارتباط بالمؤسسات القائمة كالأحزاب السياسية أو المعنية بالقضايا محل الاهتمام ودعمها بالمعلومات من جانب الأفراد, واستخدامها كأداة لدعم الحوار الوطني. ومن المتوقع أن يستمر دور الفيس بوك علي هذا النحو علي الأقل حتي استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية, وحتي قيام إعلام للدولة يعبر عن المصلحة الوطنية وهو الأمر الذي يبدو أن المجتمع في أشد الحاجة إليه.