مثل بيت العنكبوت, الذي نعته الذكر الحكيم بأنه أوهن البيوت, إنهارت مؤسسة الشرطة المصرية بفعل فاعل, بعد نجاح ثورة52 يناير الشعبية المبهرة, تبخرت في غمضة عين جحافل الأمن المركزي التي تربو علي المليون جندي. , وتمزقت شبكات أمن الدولة المرعبة الباطشة, اختفي الزي الشرطي تماما من كل مدن مصر, وامتدت الأيدي الآثمة إلي أسوار كل السجون الحصينة لتدمرها, وإلي أخطر المساجين لتطلق سراحهم, بهدف ترويع الشعب الثائر, وإشاعة الفوضي والفزع, أملا في إفشال ثورة الحرية والعزة والكرامة. ومع ميلاد لجان مصر الشعبية التي حلت محل أجهزة الأمن, ومع عودة الشرطة تدريجيا إلي الشارع المصري, برز علي سطح الحوار الوطني الذي التهبت به الساحة الفكرية, ولأول مرة دور المجتمع المعاون والمكمل للعمل الشرطي, برز ما يعرف عالميا باسم الشرطة المجتمعية, حيث الأمن مسئولية الجميع, بديلا عن شعار الشرطة في خدمة الشعب الذي برغم إعجابنا به, يتغافل عن دور الشعب في مساندة الشرطة بوسائله المجتمعية الوقائية التي تفتقدها أجهزة الأمن! ومع كامل التقدير لهذه اللجان الشعبية فواقع الأمر أنها فقدت صلاحيتها الأمنية بعد انتشار الجيش وعودة كل أجهزة الشرطة, وبعد أن ضاق الناس بها ذرعا, بسبب سلوكيات بعض المراهقين, واندساس بعض المشبوهين بين صفوف شبابها الطاهر, الثائر, وكان أن ألحت الحاجة لآليات فاعلة ومستمرة لشرطة مجتمعية منشودة.. وتبلورت المناقشات الفضائية مؤخرا عن اختيارعشرة أقسام شرطة لإجراء تجربة تشكيل كيانات شعبية تضم نخبا من المواطنين الإيجابيين المتطوعين, حسني السمعة, ومن العناصر الفاعلة في مؤسسات المجتمع المدني, تنضم إلي كيانات شرطية تضم مأمور القسم ونائبه وضابط العلاقات العامة, لمعاونة القسم في كل المجالات الاجتماعية الشرطية التي تحقق الأمن, بأساليب الوقاية من الجريمة مثل التوعية بأخطار المخدرات ومكافحة الحرائق, ومراقبة الأسواق, والإبلاغ عن الخارجين علي القانون.. .. وفي مصر, ليست المشاركة الشعبية في عملية الأمن بدعة لأن لها إرهاصاتها وتجاربها التي تعود إلي مصر العثمانية وإلي ما قبل منتصف القرن الماضي, كما سنوضح.. ولكن ثمة مطلب عاجل وملح بإنشاء كيان جديد باسم الإدارة العامة للشرطة المجتمعية, إدارة مستقلة تتبعها فروع إقليمية بجميع المديريات وتنبثق منها مكاتب بجميع المراكز والأقسام, والمهمة الأساسية, تسهيل الإجراءات التي تقدمها الدولة للمجتمع وخصوصا في مجال الرعاية اللاحقة في المراكز والأقسام التي بها سجون مركزية.. والقيام بحصر شامل لجميع مؤسسات المجتمع المدني مركزيا من خلال مراكز وأقسام الشرطة, وعقد لقاءات يتم من خلالها التعارف بين قيادات الشرطة ومسئولي المجتمع المدني كأداة لمنع الجريمة كأحد الأدوار الوقائية للشرطة المجتمعية وحماية الشباب والأطفال من شرور المخدرات, وحماية الأحداث الجانحين وأطفال الشوارع من التشرد, واستغلالهم في الأعمال الإجرامية فضلا عن العمل التطوعي لتطوير العشوائيات والسيطرة علي الجرائم التموينية, والإبلاغ عن مستغلي قوت الشعب. المزيد من مقالات خميس البكرى