تراث مصر الديمقراطي! بعض الذين يتصدرون المشهد السياسي والإعلامي هذه الأيام يتحدثون عن مصر غير التي نعرفها لأن مصر ليست طفلا يحبو علي طريق الديمقراطية وإنما هي بلد عريق. حيث عرفت الحياة النيابية قبل أكثر من قرن ونصف قرن من الزمان وصكت أول دستور عام1882 بعد قيام الثورة العرابية مباشرة أي قبل129 عاما. مصر أثبتت أكثر من مرة- علي فترات متقطعة- قدرتها علي إقامة حياة ديمقراطية سليمة تستند إلي تقاليد راسخة تنتصر لحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان تحت رايات السماحة والوحدة الوطنية التي ترفض كل أشكال التعصب والتمييز والانتقائية. مصر- مع كل الاحترام- للأشقاء العرب والجيران من المسلمين والمسيحيين لها تركيبه متميزة جعلتها في مأمن من العصبيات القبلية أو النزعات الطائفية ولهذا بقيت علي طول تاريخها نموذجا للدولة المركزية المحصنة ضد كل محاولات نشر الفوضي والتفكيك الداخلي. ولعل أعظم ما في التراث المصري المتراكم عبر آلاف السنين ذلك الاحترام المطلق لمبدأ السيادة الذي يجئ من تفويض الأمة للحاكم في ممارسة سلطاته وليس من أي تفويض غيبي أو أجنبي فالشرعية مصدرها الشعب بأكمله وليست لأي جماعة أو فصيل أو فئة بعينها. وبصرف النظر عن تجاوزات وانتهاكات صارخة للتراث المصري والدساتير والقوانين عبر العصور الأخيرة أدت إلي اهتزاز مصداقية الشرعية إلا أن الوعي الذاتي المسكون داخل الشخصية المصرية هو الذي استوعب تداعيات هذه التجاوزات بفضيلة الصبر كبديل للوقاية من الاضطرابات والفوضي غير المحسوبة وليس بخطيئة الخنوع للظلم التي يراد إلصاقها بالأجيال السابقة صاحبة السجل المشرف في معارك الحرية والاستقلال الوطني. الديمقراطية ليست نصوصا مكتوبة ولا هي انتخابات وأحزاب فقط وإنما الديمقراطية هي القدرة علي العمل وسرعة إعادة البناء بعد احتواء المشاكل وتجاوز العقبات من خلال الوعي بأهمية القبول الطوعي للدستور والقانون وتقوية مؤسسات الدولة وليس إضعافها! خير الكلام: ليست المتعة في طول العمر وإنما في عمر المتعة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله