رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    حنان الشبيني تقدم بحثًا متميزًا عن فاعلية التدريب في تطوير التعامل مع المحتوى الرقمي    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    أسواق الأسهم الأوروبية تغلق منخفضة مع التركيز على نتائج أعمال الشركات    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يبحثان التطورات الإقليمية والدولية    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    تسيميكاس يقترب من الرحيل عن ليفربول    حمدي فتحي ينهي موسمه مع الوكرة بالخروج من كأس أمير قطر    تجديد حبس موظف متهم ب«تهكير» حسابات بعض الأشخاص وتهديدهم في الفيوم 15 يوما    غدًا.. إذاعة القرآن الكريم تبدأ بث تلبية الحجاج    انطلاق ملتقى "الثقافة والهوية الوطنية" في العريش    نائب وزير الصحة يترأس اجتماع الأمانة الفنية للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    ميرتس يبدي تحفظا حيال إسهام بلاده في تأمين هدنة محتملة في أوكرانيا    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    ختام فاعليات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته التاسعة - صور    «منهم الحمل والأسد».. 4 أبراج تتحدث قبل أن تفكر وتندم    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    تحت تأثير المخدر.. المشدد 5 سنوات لمتهم قتل وأصاب 3 أشخاص في القليوبية    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    جوندوجان يحلم بأن يكون مساعدًا ل "الفيلسوف"    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    قرار هام من الحكومة بشأن الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    بدء التشغيل الفعلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في أسوان أول يوليو المقبل    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    عاجل- الحكومة: توريد 1.4 مليون طن قمح حتى الآن.. وصرف 3 مليارات بمحصول القطن    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجديد الأخلاق‏..‏ راسبوتين يعظ

لو حكينا‏..‏ نبتدي منين الحكاية؟ مطلع أغنية لطيفة أتذكره عندما أتطرق لمسألة ثقيلة‏,‏ لعلها تهون وطأة الفكر بعد أن أعيتني الحيل‏.‏ فليس هناك أعقد من التعرض لهموم الوطن في مرحلة بالغة الحرج‏,‏ يعاد فيها البناء الوطني في مناخ معقد محليا وإقليميا ودوليا, مما يجعل كل الطرق محفوفة بكثير من المخاطر, فإن نجينا من خطر اقتصادي, غرسنا في خطر سياسي, وإذا حالفنا الحظ وتجاوزناهما وجدنا المطب الثقافي القادر علي إعاقة بل إفشال أقوي مشروع للنهضة, مادام لايتماشي مع النمط السائد للتفكير والوعي العام!
ولعل التطرق إلي النمط السائد للتفكير عامة يكون البداية الصحيحة عند الحديث عن النهضة العربية الحديثة, التي بدأت بإرادة الرأي العام, المحبط من التخلف السياسي والتعليمي والاقتصادي, بكل الأوجه التي يحملها كل فرع وتداعياته علي المجتمع والتي تكرس التخلف, وتخلق له راعين وأتباع مستعدين لبذل أقصي مالديهم من جهد لإعاقة إستئناف النهضة, مادامت تطالب بالتجديد الديني, والإصلاح التعليمي, وتفكيك بنية الاستبداد, واستقلال القرار الوطني في التنمية بعيدا عن التبعية السلبية للقوي الاستعمارية.
ولأني أعتقد أننا جميعا مرهقون من حصار المشاكل والاحتياجات المادية, وأيضا من الإثارة والبلبلة والتشكيك والثرثرة الفضائية المملة ولا أجد شيئا أشد إزعاجا من الملل الذي يفضي حتما للجنون لهذا أخشي أن يتفشي نمط التفكير الأسطوري في تناولنا للأمور والشخصيات, فتستمر في اللاشعور الجمعي عملية الأحكام الخاطئة القائمة علي الوهم لا العقل والدراسة بتأن وروية, فالتفكير الأسطوري القائم علي التمني والخيال, رغم معاناتنا من جرائره, لاتوجد مناعة ثقافية لدينا منه, وربما ننجرف جميعا في أوهامه الجميلة, فيزيدنا عندما نفيق منها رهقا.
الخرافة هي الحديث المستملح المكذوب, وفي الفترة الراهنة كثر الحديث الذي أقله مستملح وأكثره مكذوب, ولكنه فيما غلب خرافه, لأنه قائم علي ادعاءات لا دليل عليها لشخصيات تدعي أدوارا بطولية مكذوبة, وهم في الغالب يعلمون ذلك, لأنهم ليسوا مجانين تماما حتي يصدقوا مايدعون, وهناك آخرون يعرضون حلولا إجمالية يقفزون بها دون تفصيل إلي الحل الشافي المعافي, ويقوم الادعاء في جميع الأحوال علي البلاغة, لا الأسانيد المنطقية أو العلمية, مما يعرض المجتمع إلي إحباطات جديدة نحن في غني عنها, ولكن حالة الإرهاق العام تسمح بالوقوع في حبائل التفكير الأسطوري, الذي يستسهل الاقتناع بالأكاذيب لجلب الرخاء وحل المشاكل, عن الجهد العلمي والعقلاني المدقق, الذي يستلزم تربية فلسفية مدربة علي استخدام العقل والمنطق, وهي من الأمور الأساسية في عملية الإصلاح التعليمي التي ننشدها في إعادة بناء الكيان الوطني, فكما يقولون: من كان ذا مال ولم يك عاقلا.. فذاك حمار حملوه من التبر!
وعادة في مرحلة الانتقال والتوتر الاجتماعي, تنتشر ظاهرة الدجل, وهي ليست مقصورة علي الشعوذة الدينية, لكن مع تطور الزمن كثرت الشعوذات, فما الذي أربك العالم في الأزمة المالية الأخيرة إلا الشعوذة الاقتصادية, ومن قاد العالم العربي إلي الجملوكيات أو الجمهوريات الوراثية إلا الشعوذة السياسية, وأعتقد أن الانفجارات التي يشهدها العالم العربي ماهي إلا رفض عام للشعوذة السياسية والاقتصادية التي إستخفت بعقول الناس, ولنصل إلي بر الأمان لايجب أن نقع في الشعوذة الأسطورية للأفراد, أو النظريات الافتراضية الغامضة, التي تعد بالحل السريع دون أسانيد وبراهين.
فالإنسان البدائي خلق الأسطورة ليفسر بها للعالم, وحل تناقضات الخير والشر من حوله, وتطور العقل أدي لتطور الحضارة لتصل إلي المنهج العلمي التجريبي, ولاتتخلي عن المنطق في تقدير الأمور, أما الأساطير في الزمن الحديث فانتهت وحل محلها العلم البارد غير المستملح, وبقيت الأسطورة في علم النفس فقط الذي اعتمد عليها لرسم الصراعات الداخلية للمرضي النفسيين, لتماثل حالتهم النفسية مع الحياة البدائية في الميول والرغبات والحكم علي الأمور!
خطورة التفكير الأسطوري القائم علي الوهم والخيال والتمني, أنه يسمح بظهور شياطين علي شاكلة( راسبوتين) الراهب الروسي المعروف, وراسبوتين ليس اسمه الحقيقي, بل هو( جريجوري يافيموفيتش), ولكن اكتسب اسم راسبوتين بمعني( الفاجر) بالروسيه, بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة, وهو أيضا لم يكتسب صفة الراهب لرهبنته الفعلية, ولكن بصدفة لجوئه إلي أحد الأديرة هربا من مطارديه من أهالي قريته لسرقته حصانا, ولكن هذا اللص الداعر اتخذ من الرهبنة ستارا لجرائمه, واستطاع بحديثه المكذوب, وشخصيته الطاغية إخضاع البلهاء لسلطته, وذاعت شهرته في قدرته علي شفاء الأمراض, ولأن التفكير الأسطوري كان سائدا في المجتمع الروسي, وزاد منه مع الإحباط العام بعد دخول روسيا الحرب العالمية الأولي, وفقدت فيها4 ملايين روسي, وانتشر الفقر والفساد, فشاع الاعتماد علي الدجالين والقوي الخارقة للخلاص من العذاب الدنيوي, وكان أشهرهم( راسبوتين) الذي سيطر علي الملكة( الكسندرا) بعد تمكنه من تخفيف حدة مرض ابنها المصاب بسيولة الدم, فآمنت بقدراته, وكان له لقاء أسبوعي معها في القصر, لتأخذ منه النصيحة, وزاد أعداؤه مثلما زادت ضحاياه, وسميت مدينة( بطرسبرج) مدينة إبليس!
معجزات الفاجر راسبوتين كشفها العلم الحديث بسهولة فأعراض المرض لابن الملكة خفضها بسبب قدرته علي التنويم المغناطيسي, التي تقلل النبض فتبطئ حركة الدورة الدموية فتقل الأغراض, أما قدرته علي تحمل السم الذي وضعه له أقارب القيصر( نيقولا2) لإنه كان يتناول جرعات يومية من السم فقد كان يتوقع اغتياله بعد أن ذاع أنه تجسيد للشيطان, ولكن الشيطان لايتجسد إلا في النفوس الضعيفة, والمجتمع المتهالك الذي سمح لراسبوتين أن يعظ.
لايطمئنني الآن علي المستقبل إلا أصوات العقل التي تطاردني في كل مكان أذهب إليه, ترفض دعوات الفتنة الطائفية الحقيرة, وتستنكر ادعاءات البطولة المزيفة, وتحتقر دعوة شيخ طاعن في السن بالقتل, وتكشف القنوات الفضائية المأجورة, وتفرق بين الإرهاب والمقاومة, وبين الدين والسياسة وبين الثورة والفوضي, مما خلق شكا واعيا يتنامي في حقيقة الأصوات الزاعقة الهدامة.
سقطت الأقنعة عن وجوه كثيرة ما كان لها أن تكشف إلا بثورة نحو حكم القانون لا الإستبداد, وحكم الحرية لا الاضطهاد, والتمثيل الشعبي لا الديكتاتورية وذلك يحتاج إلي قيادة نخب وطنية قوية بناءة, لا مدعية لا تجيد إلا الشماتة وترويج الإشاعات والحديث المكذوب المستملح! وصح فيهم قول الإمام الشافعي وليس الذئب يأكل لحم ذئب.. ونأكل بعضنا بعضا عيانا.
نجاح الثورة مرتبط بنجاح أهدافها التي لن تتحقق إلا بالقضاء علي أشباه راسبوتين ليس بالقتل, الحل السهل عند السفهاء, ولكن بالوعي الرشيد في مجتمع رشيد وبالتالي حكم رشيد, وكل كتابه في يمينه يا أولي الألباب!
المزيد من مقالات وفاء محمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.