لعل كارثة السيول الأخيرة التي تعرضت لها محافظات أسوان وشمال وجنوب سيناء في يناير الماضي برهنت علي أمور عديدة, تأتي الحاجة إلي آلية وطنية لتنسيق وتنظيم جهود الإغاثة ودور منظمات المجتمع المدني علي قائمة الدروس المستفادة من تلك الكارثة. لقد رافقت الأزمات والكوارث الإنسان منذ أن وجد علي هذه الأرض وتعامل معها وفق امكاناته المتاحة للحد من آثارها أو مارس فقط دور المتفرج إن تجاوزت الكارثة قدراته وإمكاناته المحدودة. ورغم قدم هذه الكوارث عبر الحضارات المتعاقبة, فإن الاهتمام بعلم إدارة الأزمات والكوارث لم يبرز إلا حديثا نتيجة تعدد الكوارث المدمرة من ناحية, وارتفاع الأصوات التي ما انفكت تنادي بأن شيئا ما يجب أن يتخذ تجاه الأحداث الكبيرة والمفاجئة وذلك لمنعها أو الحد من آثارها. إن معظم المجتمعات إن لم يكن جميعها قاطبة دون استثناء تؤسس خططها وسياساتها علي المتغيرات والمؤشرات المستقرة, والقليل منها فقط هو ما يسمح في خططه وسياساته بقدر من التعامل مع المتغيرات العارضة شبه المجهولة, وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المجتمعات التي تفسح في تعاملها مكانا للمجهول وهي مجتمعات قليلة في عددها هي التي تكتسب السيادة والتفوق علي معظم المجتمعات التي ليس في سياساتها مكان إلا للمعلوم والواضح, وللتصدي الفعال لهذه الكوارث والتعامل معها بمنهجية علمية, فإن التنسيق يبرز كأهم وظيفة إدارية يبني عليها نجاح خطط المواجهة. وحقيقة الأمر أن التنسيق لمواجهة الأزمات والكوارث لا يقتصر علي الأجهزة الأمنية فيما بينها وإنما يتعداها علي القطاع الأهلي بجميع تخصصاته وإلي المواطنين كأفراد وجماعات بل وإلي الجمعيات الخيرية وجميع مؤسسات المجتمع المدني, هذا فضلا عن التنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية أو دول بعينها تبعا لطبيعة الكارثة, كل ذلك إنما يضيف أهمية مفصلية لوظيفة التنسيق لمواجهة الكوارث, وهذا بدوره يتطلب اتباع منهجية علمية سليمة لإتمام عملية التنسيق بعيدا عن الارتجال. والتنسيق بالمفهوم العام يعني إجراء ترتيبات في التنظيم بهدف ربط الأنظمة الفرعية للتنظيم مع بعضها بعضا للوصول إلي أهداف محددة دون تكرار وازدواجية وبدون فجوات أو صراعات تنظيمية. ولابد من ملاحظة الفرق بين مفهوم التعاون ومفهوم التنسيق, فالأول يعني تعامل المجموعة مع بعضهم البعض بهدف الوصول إلي أهدافهم طواعية. أي بمحض الإرادة بينما التنسيق هو وظيفة يتم فيها توجيه العاملين في التنظيم بشكل مقصود وبموجب سلطة بهدف الوصول إلي أهداف محددة. فالتنسيق يؤدي إلي احداث نوع من التناغم في أداء المهام بحيث تحقق الأهداف بعيدا عن الازدواجية والتداخل في الاختصاصات. تبرز وظيفة التنسيق كأهم وظيفة إدارية خصوصا أوقات الطوارئ وفي خضم الأزمات والكوارث بحيث يشار بالبنان إلي التنسيق كمسئول عن الإخفاق فيما لو حدث. في حين يشار إليه أيضا في حالات النجاح وبأن ما حدث من تناغم بين الإدارات وتنسيق متقن كان الفيصل فيما تحقق من انجاز. وفي النهاية.. فإن الحقيقة المؤكدة أن طريقة تفكير وأداء الانسان تنعكس علي نتائج أعمال مؤسسات المجتمع الذي ينتمي إليه, ففي حالة المجتمعات العربية, من الواضح أن سوء فهم أو عدم وعي الانسان العربي للكثير من الضوابط وإجراءات الوقاية التي تتعلق بثقافة وتربية السلامة العامة ستؤدي وبشكل مؤكد إلي تصرف سلبي( في حالة الكوارث الطبيعية والبشرية), فمشكلة الدول النامية مع موضوع الكوارث في تعاملها برد الفعل وليس الفعل, فمثلا إذا حصل حريق في مصنع أو حصلت حادثة في مصعد أو انهار مبني, تقوم بعد الحادث بتشكيل لجنة لمتابعة الحدث, وغالبا ما يكون أعضاء اللجنة غير منسجمين, وأحيانا يكون معظم أعضاء اللجنة غير مختصين بالموضوع الموكل إليهم. فالخطط الفعالة هي التي تستند إلي اجراءات وقوانين وآليات للتعامل مع الحدث أو الكارثة المحتملة, لذلك يجب أن يستند التخطيط للتعامل مع الكوارث إلي ثلاث مراحل( ما قبل الحدث: الاستعداد أثناء الحدث: المواجهة ما بعد الحدث: المتابعة والتقييم واستخلاص النتائج). ويمكن تعريف إدارة الكوارث بأنها عبارة عن مجموعة من الإجراءات والخطوات الضرورية واللازمة للتعامل مع وضع غير طبيعي أو غير عادي, وذلك بهدف تقليل الأضرار والخسائر في الأرواح والممتلكات لأقصي حد ممكن, وهي عملية طويلة تحتوي علي العديد من عمليات التخطيط والأنشطة وأخذ القرارات والتجربة والممارسة, وهي تغطي المسافة الكبيرة بين الإجراءات الوقائية وصولا إلي الإجراءات العلاجية المتأخرة, لذلك فإن أية خطة مدروسة وناجحة علي المستوي الوطني لإدارة الكوارث والأزمات يجب أن يتدخل معها دور العديد من الجهات ذات العلاقة ومنها وعلي قدر كبير من الأهمية منظمات المجتمع المدني.