الأستاذ و الأهرام! كانت لحظة دخول الأستاذ هيكل للأهرام ولقائه مع محرريها كبارا وصغارا وجيل وسط, لحظة مفعمة بالمشاعر العاطفية مختلطة باحترام بلا حدود لرجل اعتدنا معه استخدام العقل للوصول الي تحليل وتفسير منطقي للأحداث. جاء هيكل الي بيته الذي أسسه وسكانه ليسوا هم الذين عرفهم وعاش معهم سنوات مجده ومعاركه من أجل الكلمة واحترام الصحفي وصون عزته وكرامته.. حتي الذين تواجدوا من عصر هيكل كانوا من الذين قضوا معه سنوات قليلة تشبعوا خلالها بروحه الجسور, ومهنيته العالية. أجيال وراء أجيال توافدت علي أهرام هيكل وجرت في النهر مياه كثيرة الي أن وصل الشباب الذين التحقوا ببلاط الأهرام في العام نفسه الذي غادر فيه الأستاذ عام1974 الي سن المعاش أو اقتربوا كثيرا من هذه المرحلة.. وطوال هذه الرحلة الطويلة وازعم انني واحد منهم كان هؤلاء يغبطون أساتذتهم وزملاءهم الأكبر سنا ليس لشئ سوي لكونهم قد أسعدهم الحظ أن يعاصروا هذا الرجل ذا القيمة الكبيرة وان يعملوا تحت رايته وأن يتعلموا منه.. وازعم أنني كنت واحدا من هؤلاء الشباب عام74 الذين راودهم شعور مختلط بالفرحة العارمة لالتحاقهم بصرح هيكل, مع الأسي بأن الحظ لم يسعفهم باللحاق بالأستاذ ورؤيته داخل محراب الصحافة العربية.. لم نكن نطمع في أن يجالسنا الأستاذ وجها لوجه, كنا فقط نطمح الي رؤية هذا الرجل الذي أزعم أنه لولاه ما كنت أنا وكثير من أبناء جيلي قد وقعنا صرعي في عشق هذه المهنة التي كانت رسالة حب للتراب المصري.. كنا نطمح الي مجرد رؤية هذا الرجل الذي كنا صغارا نجلس تحت أرجل آبائنا وأمهاتنا نستمع الي صراحته بعد نشرة الخامسة مساء, والذي كنا نتصارع مع إخوتنا الكبار للفوز بقراءتها علي صفحات أهرام الجمعة.. عندما جلسنا أمام الأستاذ في قاعة هيكل التي يحسب للدكتور عبد المنعم سعيد أنه أطلق اسم الأب الروحي للأهرام عليها, كنا جميعا في حال انبهار.. أما هو الأستاذ فقد كان في بريق عينيه وهو يستعرض بابتسامته الصافية وجوه أبناء الأهرام, علامة رضا وصفح عن كل من أساء إليه. المزيد من أعمدة محمد السعدنى