يبدو أن كثيرين ممن انتقدوا عمليات تقييم الشركات التي طرحت للبيع ضمن برنامج الخصخصة, كانوا يؤذنون في مالطا!.. فكم من تقارير دولية ومحلية شككت في مصداقية تقييم الشركات؟ وكم من خبراء هاجموا عمليات التقييم بشدة, مؤكدين أنه تم بيع بعض الشركات بأقل من قيمتها... ولم يستمع إليهم أحد؟ وفي المقابل, كنا نتابع تقارير حكومية, تتباهي بنجاح برنامج الخصخصة, وعدالة الأسعار التي بيعت بها الشركات! لا شك, أن الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة أخيرا ببطلان صفقة بيع عمر أفندي, يفتح باب الشكوك في عمليات البيع التي تمت للشركات المصرية, التي طرحت للبيع ضمن برنامج الخصخصة, خاصة أن التقييم كان واحدا من الأسباب الجوهرية التي استند إليها الحكم ببطلان صفقة عمر أفندي, فتقييم الشركة كما جاء في حيثيات الحكم لم يكن متناسبا مطلقا, خاصة أن بيع عدد محدود من فروع الشركة بسعر السوق, قد يدر علي المشتري ثمنا يفوق ثمن شراء الشركة بكامل فروعها, وأصولها العقارية, كما أن التقييم لم يكن صحيحا قائما علي أي سند من القانون, والواقع, بل كان تقييما هو والعدم سواء, وأنه تضمن إهدارا صارخا للمال العام مما يشكل جريمة جنائية يتعين ملاحقة المتسبب فيها وعقابه, وقد ثبت للقضاء وجود عديد من المخالفات متعلقة بعملية التقييم منها التناقض الشاذ والساقط بين تخير طريقة التقييم علي أساس القيمة الحالية للتدفقات النقدية, والإدعاء بأنها تتناسب مع تقييم شركة عمر أفندي ككيان اقتصادي مستمر يساهم في إيجاد قيمة مضافة للاقتصاد القومي. والسؤال الآن: هل كان تقييم الشركات التي طرحت للبيع ضمن برنامج الخصخصة عادلا, ويحقق مصلحة الوطن؟.. أم أن هناك عوارا شاب عمليات البيع؟ لأننا لا نملك إجابة سألنا الدكتور فؤاد أبوستيت الخبير الاقتصادي, وأستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية الذي يبدأ حديثه بالعودة إلي عام1991, حينما انطلق برنامج الخصخصة في إطار القانون رقم 203 لسنة1991, والذي كان مصاحبا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي في مصر, من أجل تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد يعتمد علي التخطيط المركزي إلي الاقتصاد الحر, وقبل تنفيذ البرنامج كانت هناك 319 شركة تابعة للقطاع العام, تمثل نحو 37% من الناتج المحلي الإجمالي, و55% من الانتاج الصناعي, وتستحوذ علي نحو 80% من الصادرات والواردات, و 90% من البنوك, وقد بلغت القيمة السوقية لهذه الشركات بنحو 163 مليار جنيه في عام1991, ومنذ بداية البرنامج وحتي عام 2004, تم بيع 194 شركة, منها 38 شركة تم بيعها بشكل جزئي, بينما تم بيع 29 شركة لمستثمر رئيسي, و 34 شركة لاتحاد العاملين المساهمين, في حين تم بيع33 شركة بالكامل للقطاع الخاص, بينما ظلت 149 شركة في حوزة القطاع العام, وهي علي قائمة برنامج الخصخصة, ويبلغ عدد الشركات التي تم بيع شرائح من رأسمالها اقل من 50% نحو 16 شركة, كما تم بيع وتأجير أصول44 شركة, وبذلك تنوعت الطرق التي اعتمدت عليها الحكومة في بيع الشركات, بين البيع لمستثمر رئيسي, أو بيع الشركات بالكامل لاتحاد العاملين المساهمين, أو بيع الشركات العامة كوحدات إنتاجية أو أصول, أو عقود التأجير, أو الخصخصة بزيادة رأس المال. واعتبارا من عام 2005 وبالتحديد في عهد حكومة الدكتور أحمد نظيف, قامت الدولة كما يقول أبوستيت بخصخصة نحو 30% من أسهم شركة السويس للأسمنت لشركة فرنسية, وللمساهمين بالبورصة, و 20% لشركة سيدي كرير للبتروكيماويات, و 20% من أسهم تليكوم مصر, كما قامت الدولة ببيع حصتها في4 بنوك عامة, وقد أدت خصخصة شركات الاسمنت للأجانب إلي ارتفاع سعر الطن من 120 جنيها إلي 550 جنيها للطن, فضلا عن احتكار الأجانب لهذه الصناعة الاستراتيجية. الخصخصة بالتقسيط المريح! الخصخصة ليست بدعة مصرية, لكنها معروفة عالميا, وفي العادة, يكون الهدف منها توسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص في التنمية, وجذب الاستثمارات الأجنبية, وما يصاحب ذلك من توفير فرص العمل, وزيادة الصادرات, وتوطين التكنولوجيا, وإنعاش سوق الأوراق المالية, ويكون التقييم وفق سعر عادل, يتفق مع قيمة الأصول, لكن برنامج الخصخصة المصري شابه العوار في التنفيذ, إلي جانب ما صاحب ذلك من عدم وجود مكاتب استشارية قادرة علي تقييم أصول هذه الشركات بما يتناسب مع قيمة الأصول, حيث كان التقييم يتم بعيدا عن القيمة السوقية للشركات, كما حدث في الصفقات التي أبرمت لبيع العديد من شركات القطاع العام, مثل صفقة عمر أفندي, وغيرها. حقيقة عمليات التقييم لكي نقف علي حقيقة عمليات التقييم التي تمت للشركات التي خضعت لبرنامج الخصخصة فان واحدا ممن عاصروا انطلاق برنامج الخصخصة في عام1991 وهو الدكتور فخر الدين الفقي الاستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فقد كان يعمل مساعد مدير تنفيذي في صندوق النقد الدولي خلال الفترة من عام 1987 وحتي عام 1992, حيث يري ان التقييمات التي كانت تتم قد شابها اهداف شخصية ودخل فيها عنصر الفساد بسبب تزاوج رأس المال مع السلطة مشيدا ببرنامج الخصخصة عند بدايته في عام1991 وحتي 2005, حيث كان الدكتور عاطف صدقي رئيسا للوزراء في ذلك الوقت, وكان تقييم الشركات في ذلك الوقت موضوعيا للغاية, ثم تباطأت عمليات الخصخصة خلال فترة رئاسة الدكتور كمال الجنزوري للحكومة بسبب عمليات الكساد التي اجتاحت العالم في اعقاب الازمة المالية التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا لكي لاتباع الشركات المصرية بثمن بخس, ومن بعده تولي الدكتور عاطف عبيد( مهندس الخصخصة) رئاسة الحكومة وكان مسئولا عن ملف الخصخصة من قبل بحكم انه كان وزيرا لقطاع الاعمال العام وكان يري ان التباطؤ في تنفيذ برنامج الخصخصة لامبرر له علي الاطلاق واستجاب لضغوط البنك الدولي, ومضي قدما في تنفيذ البرنامج وفي عهده كانت عمليات التقييم يشوبها عدم الدقة, وبالتالي لم تكن مصلحة مصر تأتي في المقام الاول, وانما كان هدف عبيد هو ارضاء البنك الدولي الذي كانت تربطه به علاقات وطيدة, كما ان عبيد شجع البرنامج لان الدولة كانت بحاجة في ذلك الوقت لاستثمارات اجنبية لتوفير موارد للخزانة العامة الدولة لانعاشها بعد الكساد الذي ألم بدول العام المختلفة من بينها مصر, وكانت الخصخصة وسيلة مباشرة لجذب هذه الاستثمارات. وبشكل عام فان بعض الشركات التي تمت خصخصتها وتم تقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية والكلام للدكتور فخر الدين الفقي ليس لان هناك شبهة فساد وانما لان الاقتصاد المصري كان يمر بحالة كساد شديدة في ذلك الوقت.. وحينما تولي محمود محيي الدين وزارة الاستثمار كان هدفه جذب الاستثمارات الاجنبية وكان يتباهي بانه قفز بالاستثمار الاجنبي من نحو3 مليارات دولار سنويا الي نحو 13 مليارا في عام 2008, وكان يغري المستثمرين الاجانب بالشركات المعروضة للبيع, وكان محيي الدين تلميذا مطيعا للبنك الدولي لكن الفساد بدأ يطل برأسه بسبب تزاوج المال والسلطة كما ذكرت وشهدت عمليات الخصخصة تقييمات غير عادلة مثل عملية بيع شركة شبين الكوم للغزل والنسيج وعمر افندي وغيرهما.. مع ان الاقتصاد المصري قد بدأ في التعافي وكان يجب ان تباع هذه الشركات بأكثر من القيمة التي بيعت بها غير ان محيي الدين اوقف برنامج الخصخصة بصورة غير رسمية حتي لايدخل في مواجهة مع البنك الدولي وكان سبب وقف البرنامج هو الانتقادات الشديدة التي وجهت الي الخصخصة في البرلمان في عام 2008 ولجأ محيي الدين الي طرح بديلين هما الصكوك الشعبية ثم برنامج ادارة الاصول لادارة نحو 154 شركة من خلال التفكير في انشاء شركة لادارة الاصول العامة وقبل سفره للعمل كمدير للبنك الدولي اجري محاولات لتأسيس هيكل لهذه الشركة, ثم حدثت ثورة 25 يناير, وتم ايقاف الكثير من البرامج التي بدأها محمود محيي الدين وزير الاستثمار السابق.