هل ستظل سوريا بمنأي عن التغيير وتنجح في تجاوز ما تشهده من احداث, وثورات اجتاحت انظمة الحكم في مصر وتونس واليمن والبحرين؟ هذا السؤال تتباين اجابات سياسيين ومفكرين لبنانيين عليه, فمن ناحية يري وزير الداخلية السابق بشارة مرهج ان الوضع في سوريا مختلف عما عليه في اقطار عربية اخري, ويقول: انه اذا كانت مطالب الاصلاح والحرية متشابهة في كل مكان فإن وضع سوريا مختلف لأن المسار الذي اختارته( الممانعة ودعم المقاومة) علي مدي العقود الماضية كان كاشفا لنهج انظمة مستبدة وفاسدة وخاضعة للإملاءات الخارجية. وذهب مرهج الي اعتبار هذا المسار العنصر المؤسس لما يشهده معسكر الاعتدال من تحولات, لكنه يعترف في نفس الوقت بأن هناك جموعا من المحتجين في سوريا خرجوا يطالبون بالحرية وبالاصلاح كحق مشروع وواجب في آن واحد, إلا أنه يري ان هناك مخططين لفتنة هم قلة غير هذه الجموع يستهدفون وحدة الوطن وأمنه. وفيما يعد تحذيرا لقوي لبنانية من استغلال الاحداث في سوريا يذكر مرهج اللبنانيين بأن سوريا هي التي اطفأت نار الحرب الاهلية, وساهمت مع مقاومتهم في تحرير الجنوب وفي إبعاد شبح التقسيم, مشددا علي أن استقرار لبنان يرتبط باستقرار سوريا. لكن هل سيضرب زلزال الثورة محور الممانعة والمقاومة بعدما اجتاح معسكر الاعتدال؟.. هنا يري المنسق العام للمؤتمر القومي الاسلامي منير شفيق أن العالم العربي اليوم علي وقع الثورات لم يعد منقسما بين دول ممانعة ودول اعتدال بل ان من كان في معسكر الاعتدال عليه اليوم ان يختار بين الانضمام الي جبهة الشعب والثورة أو التحول الي الثورة المضادة.. وبالنسبة لمستقبل الوضع في دول الممانعة( سوريا) يري شفيق ان عليها في ضوء هذه التحولات ان توسع جبهتها لتستقبل الاصلاح حيث أصبح مطلوبا منها أن تصحح أوضاعها لتخرج من حالة المفاجأة لتنسجم مع نتائج هذه الثورات, فهناك علي حد قوله من تأخر في التقاط ما جري في تونس ثم في مصر, وهناك من توقف عن تأييد ثورة الشعب في ليبيا واليمن, وهناك ايضا من لم يحسن التعاطي مع الحركة الشعبية في بلاده, ومن خاف من الاصلاح في جبهة المقاومة والممانعة. ويشدد في هذا الصدد علي عدم وجود تناقض بين المقاومة ورفض سياسة التبعية للولايات المتحدة وبين دعم مطالب الحرية والكرامة وحقوق الانسان والمساواة بين المواطنين والتعددية وتداول السلطة, او بين التيار القومي والتيار الاسلامي قائلا: ان ميدان التحرير في مصر تجسدت فيه وحدة التيارين الكبيرين في الامة العربية, وذلك في مواجهة آراء اخري تري ان الانظمة الاستبدادية ايا كان تصنيفها صادرت الحريات بدعوي تحرير فلسطين, وان فلسطين لايحررها سوي الاحرار. ويعبر رئيس المركز العربي للتواصل والمنسق العام للجان للروابط الشعبية في لبنان معن بشور عن اعتقاده في ان هناك تكاملا بين حركات المقاومة والثورات العربية باعتبار الأولي ثورة ضد الاحتلال, والثانية مقاومة للظلم والفساد. مشددا في نفس الوقت علي أهمية الاطمئنان الي ما اسماه السقف الوطني والقومي لهذه التحركات حتي لاتنزلق الامة العربية الي الفوضي والفتن باسم التغيير والاصلاح والحرية بقدر اهمية عدم التذرع بالفوضي لإغلاق الابواب امام الحريات. ويشير في هذا الصدد الي عدد من الاشكاليات تظل من خلف هذه الثورات أو تحاك لها في الخفاء, منها محاولات الالتفاف عليها وتغذية نزعات الغرور والتسلط لدي بعض الاطراف الداخلية لجهة تهميش وإقصاء قوي وتيارات سياسية اخري, وإستخدام التنوع الديني كمصدر للشقاق والتمزق, فضلا عن محاولات قوي خارجية الدخول علي خط الثورات الشعبية, لافتا الي استحالة فصل حرية الوطن عن حريات المواطن, وكرامة الانسان عن كرامة بلده والأمن القومي للبلد عن أمن المواطن. وتجلي عدم الفصل هناك في رسالة بعث بها بشور الي وزير الخارجية نبيل العربي تؤكد الارتباط واعتبر فيها كما يقول ان مواقف مصر من القضية الفلسطينية بعد ثورة52 يناير تجسد التكامل بين توجهات مصر نحو الاصلاح والديمقراطية ومواقفها علي المستوي القومي. أما علي الصعيد الداخلي في سوريا فيقول المحلل السياسي سليمان تقي الدين إن النظام الحاكم بقيادة بشار الاسد فتح باب الاصلاح وأقر حزمة من الإجراءات في اتجاه الحريات والمشاركة والتعددية الحزبية والسياسية ومكافحة الفساد, وهذا التحول بحد ذاته بداية لمسار طويل ومعقد لأنه يتوقف علي مدي حيوية المجتمع وقدرته علي الانسجام مع طموحات المجتمع ومدي مقاومة قوي التقليد في المجتمع والدولة وحول تأثير ما يجري في سوريا علي لبنان يؤكد تقي الدين أن تاريخ لبنان محكوم بالعلاقة التاريخية بين البلدين وبالعقود الأربعة الماضية والتي جعلت لبنان تحت سقف السياسة السورية سلبا وإيجابا, وأن المستجد هو أن سوريا قد طوت مرحلة التدخل وانتقلت الي مرحلة التفاعل والتأثير عن بعد, وهذا هو مغزي أن تشكو سوريا من وسائل وأشكال مختلفة للتدخل الذي يشتد ويضعف تبعا لأهداف الخارج البعيد, حيث هناك مشروع سياسي انقلابي واسع عربيا وغربيا علي لبنان وسوريا معا, وهذا المشروع ليس ديمقراطيا لا في سوريا ولا في لبنان. ويري المحلل السياسي ساطع نور الدين أن الموازنة يدركون أكثر من سواهم من الطوائف اللبنانية أنه إذا حصل تغيير جذري في سوريا, وافتتح السوريون سيرتهم الديمقراطية, فإن النظام اللبناني الطائفي الذي يطالب الشباب اللبناني الآن باسقاطه وكان من صنيعة الموازنة ومصدر أمنهم وإتهامهم بولادة هذا النظام المسخ سيتهاوي بسرعة فائقة مثل هيكل ورقي من دون الحاجة الي تظاهرات تطالب بإسقاطه, ولن يبقي للموازنة في حينه سوي الأسف علي ذلك الحليف السوري الذي أمدهم بأسباب الحياة والبقاء وساهم في تثبيت دعائم ذلك النظام وفي منعه من الانهيار ومن ثم فإن تفكيك النظام السوري حسب اعتقاده سيكون صدمة كبري للموازنة في غالبيتهم الساحقة بأكثر ما سيكون صدمة للشيعة اللبنانيين الذين يتوقع أن تعود أوضاعهم في لبنان أربعين عاما للوراء, أي إلي بدايات مساعيهم الحثيثة للاندماج في النظام اللبناني من بداية المعارضة. وبالنسبة لرؤية حزب الله لما يجري في سوريا واحتمالاته فإن الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب يعرب عن ثقته في أن سوريا ستتمكن من البقاء والمتابعة في موقع الممانعة في العالم العربي لأن المقاومة حسب رؤيته هي التي أوجدت تنافي عصر التغيير بسبب نجاحها في إيجاد أطر للتعاون في مساندة بعضها البعض. أما المشترك لدي جميع الأطراف فهو المخاوف من تداعيات اقتصادية سلبية علي لبنان واللبنانيين من احتمالات غلق الحدود البرية بين البلدين التي تمثل شريان الحياة الاقتصادية بوصف سوريا نافذة لبنان البرية الوحيدة. تتباين وجهات النظر ودرجة الاحساس بالمخاطر بين الطوائف والقوي السياسة اللبنانية, والشاهد هو أن هذا التباين يعود في أحد جوانبه إلي التناقض بين موازين القوي الدولية والاقليمية وبين موازين القوي الداخلية في لبنان, فالأخيرة لاتعكس صورة دقيقة للأولي وكل منهما لاتقيم اعتبارا للأخري, مما يجعل التباين مستمرا.