شهدت مصر لأكثر من عقدين من الزمان تراجعا واضحا انعكس سلبا علي دور المثقف, تسببت في انهاء دور النخبة من المثقفين وأهل الفكر والرأي, وتهمشت قضايا الحرية. ودور مصر الثقافي علي المستوي المحلي والعربي وفي محاولة لاستعادة دور مصر الرائد استطلعت الاهرام رأي عدد من المثقفين المصريين. في البداية يقول د. عبد اللطيف عبد الحليم أبو همام: وزارة فاروق حسني التي امتدت زمنا طويلا خربت شتي مجالات وهيئات الحياة الثقافية, سلم من هذا أفراد يعدون علي اليد الواحدة, كانوا هم الشمعة المضيئة وسط هذا الظلام الذي تسبب فيه حسني الذي انحصر نشاطه في الاهتمام بمعارض الفنون التشكيلية وأهمل الثقافة الحقيقية... ساعده في ذلك أقزام كانوا يحيطون به. ويري أبو همام أن نجاح ثورة25 يناير خلصتنا من وزارة الإعلام وكنت أري أنه لا ضرورة من بقاء وزارة الثقافة, ولكن عندما تولي أمرها د. عماد الدين أبو غازي, وهو شخص متغلغل في الحياة الثقافية ويعلم خفاياها ودروبها فالمنتظر منه الكثير للنهوض بالمستوي الثقافي وتغيير السياسة القديمة وألا يقتصر اهتمامه بالأسماء البارزة فقط- وبعضها لا قيمة لها وميزتهم الوحيدة انتشارهم إعلاميا. وعلي د. أبو غازي أن يولي اهتماما كبيرا بالكتاب, وان يعمل علي توحيد المؤسسات التي تقوم بعملية طباعة ونشر وتوزيع الكتب, لأن هناك تضاربا كبيرا بين هيئة الكتاب ودار الكتب والثقافة الجماهيرية ومركز الترجمة والمجلس الأعلي للثقافة, فجميعها تقوم بعملية النشر دون أن يكون هناك تنسيق بينها. خلال الأشهر القليلة القادمة- هكذا يؤكد أبو همام يستطيع د. أبو غازي أن يعيد الوجه الحقيقي للثقافة المصرية خصوصا بعد أن انفصلت هيئة الآثار عن الوزارة فهو شخص مشهود له بالنزاهة بالإضافه لكونه إداري جيد قادر علي أن يهب الوزارة جل جهده وخبرته الثقافية. أما د. خلف عبدالعظيم الميري فيقول: لا يمكن فهم ما حدث من تراجع دور وزارة الثقافة والمثقف المصري بمعزل عما حدث لمصر علي مدي العقود الماضية, وبعد أن يسهب طويلا في أسباب التراجع أضاف قائلا: أتمني إعادة هيكلة مؤسسات وزارة الثقافة بصفة عامة; إذ يوجد تداخل في المهام والمسئوليات بين غالبية مؤسساتها وبعضها البعض, فأنت تجد كلا منها تطبع المؤلفات وتصدر المجلات وتعرض الكتاب وتنظم الندوات والمسابقات وتقيم المهرجانات..وغيرها من الأنشطة, وهذا يعبر عن تفتيت كان مقصودا في عهود سابقة لن أخوض في أسبابه الآن; وعامة فإن مصر بعد ثورة25 يناير بحاجة إلي إستعادة دورها في الصناعة الثقافية الثقيلة علي صعيد مؤسساتها; ولدي تصور أعتقد أنه يفيد في هذا الصدد سأطرحه في حينه. وأثق في وطنية وكفاءة وإخلاص الدكتور أبوغازي وقدرته علي الإنجاز; وأعرف أنه مثقف متمرد يشجع الفكر والإبداع وفي الوقت نفسه لديه الوازع القومي والديني,ومن القلائل الذين حافظوا علي استقلاليتهم قدر استطاعته طيلة العقود الماضية, ولكن هذا التطوير يلزمه بعض الوقت; لما يحتاجه من تعديل في فلسفة غالبية مؤسسات الوزارة وقطاعاتها وهياكلها الإدارية والوظيفية وميزانياتها; واستحداث قطاع خاص بالتنمية الثقافية الحقيقية وتسويقها وتشجيع الإبداع والكتابة والإنتاج الثقافي غير التقليدي, الذي قد يتم استحداثه مع هذه الأجيال الواعدة التي صنعت الثورة, وهذا لا يمكن تحقيقه حاليا في ظل ظروف وضخامة مسئوليات حكومة تسيير الأعمال; وإنما مع حكومة الاستقرار والاستمرار. مستوي مصر الثقافي قبل الثورة كان متأثرا إلي حد بعيد بالاستراتيجية السياسية هذا ما يؤكده الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة وقال: تراجع دور مصر الثقافي داخليا وخارجيا جاء نتيجة الارتباطات الدولية والمصالح أيضا كان نتيجة للفساد الاقتصادي. ومن ابرز سلبيات وزارة فاروق حسني عدم التدقيق في اختيار المسئولين في المؤسسات الثقافية, وشيوع نزعة تفضيل أصحاب الولاء علي أصحاب الخبرة, وكانت أخطر وأهم القرارات تتخذ في إطار العلاقات الشخصية وكانت سببا مباشرا في ظهور الكثير من قضايا الفساد داخل الوزارة تمثل ذلك في محرقة بني سويف والمسافر خانة. ويؤكد أبو سنة أهمية أن تستعيد مصر دورها الثقافي الرائد في المنطقة العربية من خلال إصدار مجلة تعكس حيوية هذا الدور وروح ومواهب المصريين في شتي المجالات سواء كان في مجال الأدب أو الفن أو المسرح أو السينما. وإعادة هيكلة المؤسسات الثقافية علي أسس موضعية, ولا بد من تنظيم العلاقات الثقافية مع العالم العربي واستعادة سياسة التبادل الثقافي وألا ينحصر في نشاط الفنون الشعبية, وأن تقوم دور النشر العربية وجامعاتها المختلفة بالمساهمة في التواصل الثقافي فضلا عن المشاريع العربية للترجمة من خلال الاتفاقيات العربية, وتبادل الزيارات وعقد الاتفاقيات, وحسن اختيار الممثلين للثقافة المصرية والعربية في المهرجانات والمؤتمرات الدولية. ويطالب أبو سنة بالاهتمام بتوزيع الكتاب وأن تنشيء الوزارة مراكز للتوزيع في كل ربوع مصر وإقامة معارض الكتب في التجمعات الشبابية في الجامعات والمدارس والنوادي وإنشاء مكتبات عامة ونوعية في المؤسسات الإقتصادية مثل المصانع والبنوك والتجمعات الإقتصادية الكبري, وإقتحام التجمعات العمرانية البكر التي تقع علي حدود مصر مثل الوادي الجديد والواحات ولابد من من حملة ضخمة لنقل النشاط الثقافي الي سيناء فالنشاط الثقافي الابداعي لابد من ربطه بالتنمية الشاملة.