حتي وقت قريب كنا نقول ان حرب أكتوبر لم تصور دراميا ولم تظهر علي شاشات التليفزيون ماحدث فيها من بطولات.. الشيء نفسه لانريده يحدث مع ثورة25 يناير لأنها غيرت كل شيء أو هكذا ينبغي ان يكون لان الحجة التي كانت تقال بشأنها حرب أكتوبر كانت حجة غير صحيحة لأن من قال بها أولا وروجها الآخرون ولاءة كان يقولها( بذكاء أو بخبث) المهم كان يقولها اتقاء لشرور كانت تأتيه من القصر الرئاسي الذي كما يعلم الجميع كان يروج لحرب أكتوبر الذي كان يستمد منها شرعيته! أقول كنا نسمع عن ثورة19 كما كنا نسمع عن ثورة1952 لكننا ممن انتصف العمر نصف قرن أو كاد عشنا فعلا لاقولا للثورة التي بدأت بالشباب في25 يناير وانتهت بأن أصبحت ثورة الشعب كل الشعب هذه الثورة قد غيرت وجه الحياة في مصر لم تنتظر ان يكتب عنها مثقفو الحزب الوطني الحاكم وإنما فجرت كل شيء وانجبت بين ما انجبت مثقفين في الشعر والقصة والرواية, لذلك يتعين علينا ان نفسح المجال لهؤلاء كي يعبروا عما يجول بفكر الثوار! شيء محزن ان اجد بعضا ممن تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما مازالو يكتبون!! ويتكلمون في الإذاعة والتليفزيون وكأن مصر هي ذاتها لم تتغير, كأنها لم تعرف ثورة وكأن حاكمها الأوحد مازال قائما! هؤلاء يجب ان يعرفوا ان مصر النهاردة ليست هي مصر التي ولدوا ونشأوا فيها وعبروا أو كادوا حكامها السابقين, إن هؤلاء بات عليهم أن يتركوا أماكنهم لكي يكتب أو يتحدث فيها أدباء الثورة, لاشك أننا سعداء بهذه الثورة لكن السعادة بهذه الثورة لاتكفي! لقد قال واعترف أحد علماء مصر وهو فاروق الباز إنه ينتمي لجيل جبان كان يري الحق باطلا دون أن يتكلم,.. وظل علي هذه الحال, حتي جاء جيل يضع قلبه وحياته علي كفه, وقام دون تردد بتنوير الحياة من حوله, لكنه كان يقود المسيرة ويتقدم الصفوف.. حتي انتصر باذن الله! هذا الجيل الشجاع افرز مثقفيه.. لذلك ليس علي جيلنا ومن سبقه من أجيال ان تعترف بأحقية هذا الجيل في أن يحكم ويتسيد في كل شيء.. لكن أن يظل رجل في عمر الجد أو الأب يهذي بكلمات لايعرف عنها شيئا فهذا مالم اعيه أو أفهمه لأن هؤلاء الذين ينحدرون من أجيال سابقة كانوا بألسنتهم وأقلامهم يمجدون في رأس النظام السابق ويشيدون بأشياء كانوا يعرفون جيدا أنها غير صحيحة وغير منطقية.. هذا الجيل الثمانيني لابد ان يترك المجال رحبا للشباب, فأدباء المرحلة السابقة لابد أن يرحلوا وكذلك الشعراء الذين كانوا يتبعهم الغاوون. لقد ملأوا الدنيا فسادا باسم الاصلاح.. وكثير منهم كان يضع الأوبريتات خصيصا لحاكم البلاد ومريديه.. أما مصر اليوم فيجب ان يكون لها شعراؤها وروائيوها, مثلما حدث مع ثورة1952 التي أفرزت ضمن ما أفرزت كتابا جددا فشعر كتاب ثورة19 مثل أحمد لطفي السيد وآخرين ان الزمن لم يعد لهم, فالملك واعوانه قد رحلوا والاحتلال قد انقشع, وتبين لهم أن ماكانوا ينادون به في كتاباتهم قد انتقل لجيل ثان.. هذا الذي دعوا اليه ليس بدعا وإنما قد حدث في مصر قبلا وليس هناك مايمنع من تكراره ثانية مع ثورة25 يناير.. أقول ذلك الآن بهدوء بعد أن وقر في الأذهان أن جيلا واحدا قد صادر لحسابه أجيالا أخري جاءت بعده., ولنا في الأستاذ هيكل أسوة حسنة عندما ترك ساحة الكتابة للأجيال التي جاءت بعده وان لم يبخل عليها بالرأي والمشورة.. أما ان يمتلك عمودا في جريدة أو مجلة ويدعي انه يقف إلي جانب الثوار لا لشيء إلا لأنه يريد أن يبقي ويحتفظ بامتيازاته كما هي.. فهذا مالا يصدقه عقل الثورة.. لأن مثله قد خط بقلمه ممجدا في النظام السابق.. علي هؤلاء ان يتركوا أماكنهم وأنفسهم قبل أن يطالب جيل الثورة باقتلاعهم أو أن يوظفوا أقلامهم لشيء آخر مثلما فعل عباس العقاد قديما فقد طلب أن تخصص الجريدة التي كان يكتب فيها صفحتها الأخيرة لكي يرد علي قرائه في يومياته.. أقول ذلك بعد ان كان الجيل الثاني يعايره بالقصيدة التي كان يمدح فيها الملك. لم يعد امام هؤلاء سوي أن يبتعدوا عن اعمدتهم ومساحات مقالاتهم المفروضة علي القراء أو أن يختاروا تغيير شكل ولون خطابهم السياسي كما فعل العقاد قديما. الساكت عن الحق المطالب الفئوية.. ما أكثرها.. علينا جميعا أن نتضافر من أجل انقاذ اقتصاد مصر الذي كاد ينهار في أيام الثورة ومابعدها وأن نكف عن مساندة هذه المطالب الفئوية.. وأن نعمل.. فالعمل هو الطريق الوحيد للترقي. ثورة مصر في25 يناير بدأها الشباب, هذا صحيح لكنها أصبحت ملكا لكل الشعب.. لابد من الحفاظ عليها والاصرار علي بث شباب الأمة في مواقع تنفيذها.. واعتقد ان زمن الشعارات قد انتهي.. فالعمل يجب ان ينتظر الجميع. محاكمة النظام السابق برموزه المختلفة.. هو حق لكل مواطن الدعوة له لأن هذا النظام اجرم في حق دافعي الضرائب في مصر ولابد من القصاص من كل من سرق قوت الشعب. شباب شربين دقهلية ينادون بعمل ساقية الصاوي, فرع شربين قبل فوات الأوان, ولقد ساعدهم في تحقيق هذا الحلم المحافظ السابق سمير سلام لكن علي محسن حفظي المحافظ الحالي في الدقهلية المهمة الصعبة. أسألوا وزير الثقافة الاسبق فاروق حسني من كان يدفع الملايين التي دفعها لحسابه لنفسه في انتخابات اليونسكو ومن أعطاه إلاذن لكي يردم نهر النيل لكي يقيم قصره في منيل شيحة! لقد ضرب الثوار في مصر المثل الأعلي في المسالمة والنظافة بعد ان كنسوا أماكنهم في ميدان التحرير هذا الكلام سمعته في المملكة العربية السعودية التي زرتها اخيرا.. مهنئين الجميع بعودة مصر بعد طول غياب لريادتها فهي القاطرة العربية التي تجر الأمة. التثوير فعل مصري بامتياز فالكل في العالم العربي ينظر بفخر للثورة المصرية النهاردة! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي