دعا اتحاد شباب الثورة خلال اجتماعهم مع الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة إلي ضرورة نشر التوعية الثقافية والسياسية لدي قطاعات الشعب المصري. خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد والتي تتطلب إدراكا كبيرا من الجميع بمفردات المرحلة.. وحتي لا يتكرر مرة ثانية مشهد الاستفتاء بطريقة حادي بادي, وحتي لا نشهد سيطرة قوي معينة علي الشارع تحاول فرض أفكارها نظرا لأنها تجيد لغة الشارع إجادة تامة, أصبح من بين الأولويات التي تفرضها علينا الظروف الراهنة هو توعية الشعب وتأهيله فكريا وسياسيا, وهو الدور المنوط لوزارة الثقافة القيام به. كذلك آن الآوان للمثقفين أن ينزلوا من أبراجهم العالية ليتحدثوا بالمفردات التي يفهمها ويتكلمها المواطن البسيط. ونشر الوعي بالثقافة السياسية له العديد من الطرق, من بينها: فن الرسوم الكارتونية. وهو ليس بفن جديد علي مصر, كان أهم رموزه صاروخان ورخا وعبد السميع وبيكار وحجازي واللباد.. لكنه تواري وخفت مع سنوات الاستبداد والقهر. بشكل عام, عندما نتناول الحديث عن التعبير بالصورة كوسيلة إعلامية في حياة الشرق, ربما نصدم ببعض آراء المسلمين المتشددين الذين يحرمون أنواعا معينة من الفنون مثل الرسم والتصوير. هذا لا يعني أن الحضارة الإسلامية لم تجد سبيلها إلي التعبير عن أيديولوجيات معينة في الحياة. قد يكون التعبير بالرسم لم يلق رواجا كبيرا في هذا العهد, إلا أن المسلمين الأوائل عرفوا مسرح الظل والعرائس المتحركة.. وكان القراقوز- أو كما يطلق عليه بالعامية الأراجوز- غالبا ما يجسد شخصية عامة في المجتمع, إما يقوم بالسخرية منها أو بمدحها, وبمرور السنين, تطور الأمر في العصور الوسطي, وشرع المسلمون في كتابة المقامات.. ثم ظهرت للوجود رائعة كليلة ودمنة التي تم من خلالها رصد ونقد جميع سلبيات المجتمع علي لسان حيوانات الغابة. وبين مؤيد ومعارض للتعبير بالرسم, جاءت شخصيات والت ديزني إلي مصر. في البداية كانت باللغة الإنجليزية, ثم لاقت نجاحا كبيرا من قبل الجماهير بعد أن قامت دار الهلال بترجمتها إلي اللغة العربية. إلا أن البعض آنذاك اعتبر مغامرات ميكي وبطوط ما هي سوي غزو ثقافي يحمل في طياته أفكارا إمبريالية ورأسمالية تخدم عملية استغلال ثروات العالم الثالث. وعلي أثر هذا المعتقد بدأت عملية تمصير شخصية ميكي ماوس علي أكثر من مستوي. أولا تبدأ القصص المصورة بالشخصيات الكارتونية المصرية الوطنية ثم يليها سرد مغامرات ميكي المترجمة. وكان هذا الميكي يظهر لنا في زي فرعوني أو جلباب عربي بجوار ألعاب التسلية والكلمات المتقاطعة. وفي رمضان نجده يحمل فانوسا مكتوبا عليه عبارة رمضان كريم, أو نراه يجوب الشوارع في زي المسحراتي حاملا في يده طبله صغيرة, وفي أحيان أخري يطلق بنفسه مدفع الإفطار.. في هذا السياق, يقول أحمد قاعود فنان الكاريكاتير: ما هو راسخ لدينا أن قصص الأطفال هي مجرد قصص للتسلية والفكاهة!! إلا أنها تأخذ شكلا وبعدا مختلفا في الثقافه الغربيه حيث تجسد نوعا من الفن الأدبي. ويقوم بهذه الصناعة الضخمة كبار الرسامين والكتاب وفناني الجرفك للتكوين والتحبير وورش ضخمه للكتاب.. علما بأن جمهوره العريض من القراء لايقتصر علي الأطفال أو الشباب فحسب كما هو الحال في بلدنا. ووفقا له, يمثل تمصير الكتب المصوره الأجنبية إثراء للذوق المصري. إلا أنه لابد أن يخضع للرقابة في محتواها بحيث لا يتضمن ما يسئ للوطن وتاريخه وشخصياته, وأن لا يكون مضمونها يوحي ويحرض علي الجريمة, أو يكون من شأنها المساس بالعقائد, ولا يجب أيضا أن تتضمن الفاظا أو عبارات خارجة عن الأداب العامه. ويضيف: بالتأكيد شخصيات والت ديزني قدمت العنصرية والإمبريالية والجشع والعجرفه في هزلياتها, وهذا ما يؤكده كثيرآ من الباحثين, في مقدمتهم الأمريكان أنفسهم. إن70% من هذه القصص تستهدف البحث عن المال وهو ما تبرزه تحديدا حكايات بطوط وعم دهب. مؤكدا علي عقدة الخواجة التي يعاني منها المصري يقول فنان الكاريكاتير تامر يوسف: عادة ما نري أن ما يأتي من الغرب هو النموذج الأكثر نضجا وتطورا. نحن دائما في سباق.. كذلك, نحن دائما متأخرون عنه ونحاول اللحاق بركبه. هذه العقدة تولدت لدينا وتراكمت بحكم فكر الاحتلال الذي رسخ بداخلنا هذا الأحساس. وقد رصد الفنان محيي الدين اللباد عبر مجموعته نظر بعضا من هذه النماذج التي قدمت العالم الثالث علي أنه عالم متخلف يقبع في دنيا بدائية يمشي فيها حافي القدمين وما إلي أخره من هذه الصور العنصرية.. علما بأن القصص المصورة لها عظيم الأثر علي الأطفال والكبار معا. فهي بباسطة تساهم في تربية وتكوين شخصية وثقافة وخيال وإبداع الطفل وهو ما يستمر معه حتي الكبر. وكثيرا ما نجد تلك الشخصيات المتعارف عليها كأبطال للقصص المصورة تقدم للكبار عبر الصحف اليومية في أوربا وأمريكا وبها اسقاطات سياسية واجتماعية وهزلية. وتجتهد بعض الصحف المصرية في طرح هذا النوع من الفكر مؤخرا لكنها لم تنجح في طرحها بشكل يلفت انتباه القارئ المصري الذي لم يألف هذا الفن بعد. ويعتبر الفنان شارلز شولز رائد هذا الفن علي الإطلاق ويسترسل: في رأيي أن تمصير القصص الغربية مطلوب بغرض التعرف علي الثقافات الأخري شأنه شأن دبلجة أفلام الرسوم المتحركة. لكن عملية التمصير هذه تأتي في المرتبة الثانية بعد أن نغطي احتياجتنا من القصص ذات الصبغة والنكهة المصرية الخالصة.. معتمدين علي الحبكة الروائية النابعة من قلب هذا المجتمع وتاريخه وأساطيره وحكايته المتوارثة. حيث تحمل الكادرات المرسومة في خلفيتها الشارع والحارة المصرية بما فيها من عمارة وموروثات شعبية غنية تعبر عن التراث الحقيقي لهذا البلد البحث عن هوية مع بداية السبعينيات, بدأ كثيرون يكتبون القصص والمغامرات المصرية الصميمة, تماما كما فعل مجدي نجيب في ميكي والقط الأحمر-مغامرات في المريخ والتي جسد شخصياتها بالرسم الفنان محمد التهامي. ثم توالت كتابات بعض المؤلفين لقصص الأطفال المصرية دون ظهور شخصيات كارتونية أجنبية. تجلي ذلك بوضوح في قصة أحمس والرمال الخضراء من تأليف الشاعر الكبير سيد حجاب ورسوم الفنان أيمن, ومغامرات رمسيس في باريس التي كتبها مجدي نجيب. وأغلب هذه القصص كانت تنقل لنا ملامح وصفات المصري الحقيقية, وترسخ في طياتها مفهوم التضحية من أجل الوطن, وتؤكد عظمة الشخصية المصرية, إلي جانب معان وقيم أخلاقية عديدة. مشيدا بالتجربة المصرية في هذا الصدد, يقول قاعود: يعد الفنان بيكار أول من أدخل اسلوب التحقيق الصحفي المرسوم الي المجلات والصحف المصرية. وتجربته في رسوم الأطفال كان لها عظيم الأثر في توعية جيل كامل تربت مشاعره علي مجلة سندباد. كانت رسومه البسيطة هي تابلوه رائع ومحكم الأداء, يطل علي الأطفال والكبار أسبوعيآ ليغذي عيونهم ويحثهم علي تذوق الجمال. ولم تختلف كثير تجربة حجازي فقد كان الانسان المصري البسيط هو بطله الحقيقي في كل أعماله ورسومه. بينما يعرب تامر عن أسفه الشديد لعدم الاكتراث بهذا الفن العظيم, قائلا: نحن نفتقد هذا النوع من القصص برغم وجود فنانين مبدعين وكتاب متميزين. ربما يقف العائق المادي أمام إنجاز تجارب عديدة من شأنها تطوير فكر الطفل المصري وتنميته سواء كان في المدينة أو القرية. ويسترسل: أذكر أنني تشرفت برسم قصة من تأليف الكاتبة والسيناريست كاتيا ثابت منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما أوما يزيد.. وكانت تحمل اسم رامي ورينجو وكنز حور حتب. ونشرت هذه القصة بالفرنسية عبر ملحق جريدة لو بروجريه إيجيبسيان في حلقات أسبوعية مطولة. تناولت القصة اكتشاف تمثال رمسيس ب ميت رهينة. وكيف أن الطفل رامي وكلبه رينجو كانوا أبطالا لمغامرة شيقة قاموا فيها بمقاومة سرقة كنوز حور حتب الفرعونية. وكان هذا النص نموذجا لما ينبغي أن تكون عليه القصص المصورة من حيث الكتابة.. حيث تم عرض زخم من المعلومات عن الحضارة الفرعونية وتاريخ عدة أسر وكيفية اكتشافها.. كذلك بناء المتحف المصري وحال المجتمع في هذا العصر. وقد قمت بالاستعانة بمجموعة رائعة من الصور الفوتوغرافية التي حصلت عليها من المركز الثقافي الإيطالي وقتها لتساعدني علي رسم واقع حقيقي كان موجودا في يوم من الأيام. لكن في النهاية وللأسف لم تترجم هذه المجموعة القصصية أو تقدم في صورة كتاب. ناصر وديجول إلي جانب البعد الثقافي والاجتماعي للقصص المصورة, نجد أيضا بعدا سياسيا ملحوظا في كثير من الأحيان. وبفضل الدور الذي لعباه في القرن العشرين, كان ناصر وديجول من أشهر الشخصيات السياسية التي تناولت تاريخها القصص المرسومة. في دراسة قام بها مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية( سيداج) بالقاهرة, أوضح من خلالها الدور الذي لعبه تجمع الصحفيين الأفارقة وفي مقدمتهم ج. روفيه ومحمد نعمان الدخيري لعمل سيرة ذاتية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر علي هيئة قصص مصورة مكتوبة نصوصها باللغة العربية. وتطرقت الدراسة إلي تفاصيل عديدة من خلال مقارنة شخصية ناصر بشخصية الرئيس ديجول. علي سبيل المثال: لم يتم تصوير السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس ناصر في أي من القصص الكارتونية علي غرار زوجة الرئيس الفرنسي ديجول, ربما يرجع ذلك لأنها لم تكن تظهر كثيرا في الحياة العامة وكانت تفضل القيام بدورها كزوجة وأم فاضلة. وبشكل عام, كانت المرأة في المجتمع الفرنسي لها دور ملحوظ وكبير, لذلك كانت تطل علينا في القصص الكرتونية. علي عكس المرأة المصرية التي لم نر صورتها سوي في المناسبات والأحداث الجسام. فنري الفلاحة التي تقف مع الجموع في أسوان لحظة بدء تشغيل السد العالي, أو في المظاهرات التي انطلقت بعد قرار ناصر التنحي عن دوره السياسي في أعقاب نكسة.1967 وهنا تبرز أيديولوجية العقل العربي الذي يحجم دور المرأة في المجتمع ويقصره علي مواقف محددة وجلل. وحسب مركز سيداج أيضا فإن القصص المصورة التي تجسد حياة ناصر أو ديجول لم تغفل الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها كلا الزعيمين. ففي صفحاتها الأخيرة, أوضحت قصة حياة الزعيم ناصر مدي الرباط المقدس الذي ربط بين الحاكم والشعب. فرغم رحيله بجسده, إلا أن أفكاره باقية في وجدان الشعب. وصور الرسام بريشته السادات وهو يعلن في الإذاعة خبر الوفاة, وبنفس الصورة يحمل الشعب صور ناصر, وقد كتب علي إحدي الصور: قالوا إن عبد الناصر قد مات.. وعبد الناصر هو ثورة شعبه.. والثورة قائمة والأمل لا يموت. هذه الصورة التي تنقسم إلي شطرين متناقضين تنقل لنا أيديولوجية هامة وهي أن الرؤية القومية والأفكار الوطنية تبقي حتي بعد رحيل صاحبها. يشير هنا تامر يوسف إلي أن الرسامين في الوطن العربي يواجهون مشكلة حقيقية في الاقتراب من شخصيات حكامهم بالرسم. رافعين لافتة كبيرة مكتوب عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير, دائما ما نجد أسلاكا شائكة وحدودا بعيدة جدا أمام رسم الرؤساء أو الملوك في بلادنا. وهذه اللافته أحيانا ما يضعها الحاكم بنفسه خشية أن يكون مثار سخرية وتهكم من الشعب, لكن غالبا ما يضعها رؤساء التحرير والقائمون علي المؤسسات الصحفية والناشرون خشية أن يفقد أحدهم منصبه أو تغلق جريدته جراء رسم ساخر. فعلي سبيل المثال في تونس كان الرئيس السابق بن علي يكره الكاريكاتير بشكل عام سواء السياسي منه أو البورتريه أو... إلي آخره, وهو ما نهي علي الفنون الصحفية ككل طيلة فترة حكمه! أما في مصر فلم يجرؤ أي رسام علي رسم الرئيس السابق مبارك إلا في حالة من المديح والشكر والرياء في مناسبات محددة جدا وهي عيد ميلاده واحتفالات أكتوبر عكس ما يحدث في فرنسا أو ألمانيا أو إسبانيا أو أمريكا, فالرؤساء هناك تتناولهم الصحافة بالنقد اللاذع عبر الرسوم الكاريكاتورية بشكل يومي تقريبا. علما بأن الفنان رخا كان قد أهدي الرئيس الراحل محمد نجيب رسما كاريكاتيريا غاية في الجمال وقد صوره وهو يحمل مقشة بدلا من السلاح لينظف بها أثار الفساد. وقد أعجب بها نجيب جدا. وفي النهاية أجد أن رسم الرؤساء يمكن أن يكون مادة ثرية عبر القصص المصورة لتأريخ فترات محددة لنضال أمم. وأذكر أن هناك كتبا رائعة طرحت قصة كفاح غاندي وديجول ونيلسون منديلا وغيرهم من الزعماء التاريخيين. وفيما يتعلق بأيديولوجيات ثورة25 يناير التي يمكن تجسيدها من خلال فن الرسوم الكارتونية, يقول تامر: هذه الثورة ألهبت حماس الشعب المصري بأكمله سواء من شاركوا فيها وصمدوا في ميدان التحرير.. أو من لم يحالفه الحظ. وهذا الحماس قد أصاب الفنانين أيضا. وأنا أجد أن هناك العديد من القصص التي يمكن نقلها عن هذه الثورة والتي تقوم بعملية التوثيق لها وتداولها جيلا بعد جيلا. فإرادة الشعب والوقوف عبر ميدان النضال ضرب مثالا نادرا للعالم أجمع وقدم صورة رائعة في الصمود. وأنا أدعو جميع الفنانين والكتاب للعمل مجتمعين علي هذا المشروع القومي خاصة وأننا نحظي بوجود وزير رائع للثقافة وهو الدكتور عماد أبو غازي الذي أثق أنه لن يتأخر في دعم هذا المشروع الهام. وأجد أنه لابد من تقديم هذه القصص باللغة العربية ومترجمة إلي عدة لغات مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والتركية والبرتغالية. وأنا كلي ثقة أن مبيعات هذه المجموعة القصصية ستتعدي أكثر من مليون نسخة حول العالم علي أقل تقدير. خاصة أن التقنيات الحديثة في حفظ وأرشفة الأعمال جعلتها أسهل بكثير من ذي قبل. لقد تخطينا عصر الميكروفيلم. نحن في عصر الترقيم والإنترنت. وأخشي من تأخر هذا المشروع وأنا أري هذه القصص مكتوبة ومرسومة بشكل تجاري بفعل الصينين أو الكوريين يسانده في الرأي قاعود, مؤكدا علي أن ميدان التحرير سيكون هو الرمز والأيقونه الأساسية التي احتضنت هذا الحدث الكبير..وأن أيديولوجية الثورة تكمن في أن الشعب هو صاحب الحق, وصاحب السيادة ومصدر السلطات.