مع عودة الأونصة للصعود .. تعرف علي أسعار الذهب في مصر الاثنين 25 أغسطس 2025    زعيم المعارضة الإسرائيلية: هناك خطة وافقت عليها حماس لكن الحكومة تتلاعب    وزارة الدفاع الروسية تُسيطر على بلدة جديد وأوكرانيا تستعيد 3 بلدات    في اليوم ال162 من استئناف العدوان.. قصف مستمر على القطاع وخسائر بشرية ومادية    الليلة بالدوري الإنجليزي .. نيوكاسل يونايتد يواجه ليفربول في مباراة نارية    حالة الطقس اليوم في الكويت    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين 25 أغسطس    بدء تصويت المصريين في أستراليا ضمن جولة الإعادة لمجلس الشيوخ 2025    تفاصيل جديدة عن حادث وزير الكهرباء.. وقع بسبب سائق أوبر    سقوط الثلاثي المرعب في قبضة مباحث شبرا الخيمة    زملاء وطلاب عمرو سامي ينعون المخرج المسرحي بكلمات مؤثرة    حظك اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025.. توقعات الأبراج    الوداد ليلا كورة: المترجي وقع على عقود انضمامه إلى الفريق لمدة موسمين    النفط يرتفع بعد هجمات أوكرانية على مواقع للطاقة في روسيا    حدث في مثل هذا اليوم 25 أغسطس| ميلاد محمود دياب.. وتحرير باريس من النازية    في شهر عيد مولد الرسول.. تعرف على أفضل الأدعية    جهات التحقيق بكفر الشيخ تأمر بتشريح جثمان شاب توفى على يد نسيبه داخل مغسلة سيارات    رسميا تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. الكليات والمعاهد المتاحة أدبي والحد الأدنى المتوقع «قائمة كاملة»    جيه دي فانس: روسيا قدمت تنازلات كبيرة لإنهاء الحرب الأوكرانية    مواعيد مباريات اليوم الإثنين والقنوات الناقلة.. الأهلي وليفربول    وفاة المخرج عمرو سامي    نقل وزير الكهرباء للمستشفى إثر تعرضه لحادث سير.. وإصابة 4 أشخاص من موكبه    حسام حبيب: سأقف بجانب شيرين حتى عودتها للساحة الفنية من جديد    ضبط معمل تحاليل مخالف للاشتراطات ويدعو المواطنين للتبرع بالدم في سوهاج    إذا سئمت حرارة الصيف.. انتظر قليلا: الخريف يبدأ 20 سبتمبر    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 25 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 25 أغسطس    عقاقير السمنة.. دور فعال في الوقاية من السرطان    إثيوبيا تفتح بوابات سد النهضة.. و"شراقي": البحيرة امتلأت والتخزين فى بحيرة ناصر مُطمئن- صور    محافظ الدقهلية يوقف تاكسي شهرًا لمخالفة العداد ومطالبة راكب بزيادة    محاكمة 11 متهمًا في قضية خلية داعش الهرم الثانية اليوم    محمود سعد عن أنغام: لم تُجري 3 عمليات جراحية وتحسنت حالتها الصحية    المكتب الإعلامي في غزة: 96% من سكان القطاع بلا مأوى وسط تفاقم الكارثة الإنسانية    اليمن.. ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على صنعاء إلى 6 قتلى و86 جريحًا    من "ألسن" للسوشي.. مريم تغزو الشرقية ب"لفائف الأحلام" (صور)    جيرو يمنح ليل فوزا قاتلا على موناكو    نقابة الصحفيين: نتابع واقعة القبض على الصحفي إسلام الراجحي    إعلام سوري: أصوات انفجارات بالتزامن مع اشتباكات عنيفة في العاصمة دمشق    تبدأ الإثنين.. صرف معاشات شهر سبتمبر 2025 بعد قرار التأمينات الاجتماعية (تفاصيل)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025    انتهاء سماع أقوال طبيب واقعة مستشفى سيد جلال.. و«الأطباء»: لن يتنازل عن البلاغ    بثنائية فلاهوفيتش وديفيد.. يوفنتوس يبدأ الموسم بثنائية ضد بارما    وزير الرياضة يكشف كيفية تطبيق قانون الرياضة الجديد وموقف الوزارة من أزمة أرض الزمالك    «مستشهدًا ب الخطيب».. نجم الإسماعيلي السابق يطالب بحل مجلس نصر أبو الحسن    الريحان والنعناع.. طرق طبيعية للتخلص من الناموس ولدغاته المزعجة    يفسد المظهر ويؤثر على تدفق المياه.. 3 مكونات لتنظيف الحنفيات من الجير والرواسب    محافظ بني سويف يستقبل السكرتير المساعد الجديد ويؤكد: المرحلة القادمة تتطلب تكثيف العمل الميداني    باريس تستدعي السفير الأمريكي لدى فرنسا.. وصحيفة: يسير على خطى نتنياهو    وكيل الصحة ببني سويف يتفقد وحدة الإسكان الاجتماعي الصحية بمنطقة ال 77 فدانًا شرق النيل    خالد جاد الله: كل الفرق ستدافع أمام الأهلي باستثناء الزمالك وبيراميدز    استشهاد المعتقل محرم فؤاد .."منصات حقوقية تدين استمرار نزيف الأرواح بسجون السيسى    جامعة قناة السويس تبحث الخطط الدراسية واستعدادات انطلاق العام الجامعي الجديد    حدث بالفن | وفاة ممثل والتطورات الصحية ل أنغام وأزمة شيرين وياسر قنطوش    حفل هيفاء وهبي في بيروت.. نجاح جماهيري وإبهار استثنائي    هل يحرم استخدام ملابس المتوفى أو الاحتفاظ بها للذكرى؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    وكيل وزارة الأوقاف: المولد النبوي فرصة للاقتداء بأخلاق وتعاليم النبي    هل يجوز نقل الموتى من مدفن لاخر؟.. أمين الفتوى يجيب    أفضل أدعية تعجيل الزواج.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صيحه يعول عليها
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 04 - 2011

حين يحل الوقت‏,‏ و يتنكس الانتظام و الانتشار‏,‏ و يرتحل الغزاة عن البلدة‏,‏ مصطحبين غنائمهم و قتلاهم و جرحاهم‏,‏ سيبقي جندي منهم‏;‏ هو الذي ليس بمقدوره اصطحاب غنيمة‏,‏ و هو الذي لا يرتحل‏.‏ في ضحي يوم, و الغزاة منتظمون و منتشرون, عزم ذلك الجندي علي مداهمة فتاة في سنتها السابعة عشرة, تنبئ سماحة طلعتها, علي نحو ما, عن خطأ أو صواب, بكونها عزلاء. بالأحري فإنه, و قد رآها فحسب تخطر داخلة منزل عائلتها, انوخز بسماحتها وخزا, و تعلق. و لئن كان قد انفطر بفتنتها مثلما اغتر بسلطته و عتاده, فإن الذرائع واتته و رتب الترتيبات.
بوغتت إذا و هي تخرج منحنية من خن الطيور; بعدما أطعمت الدجاج و الإوزات, و غيرت لها الماء. لقد أفلح و باغتها, و إنه أمامها مستحوذ و مترصد, و إنه لكذلك متخوف. و إنها تتحاشاه, و إنها تتحاشاه بلطفها الذي لا مناص منه, و بجفول و مكر, آملة و يائسة, و تتمني لو أن الأمر ليس جديا إلي هذا الحد. لكنه يزر عينيه مستنكرا إطباقة جفنيها حياله, و يطالبها بأن تخضع, علي أن تكون, في خضوعها, عاشقة له, فلا تشعره بأنها مكرهة; تعرفين حال العاشقات, كوني! لوقت لن يطول; للنصف ساعة هذه لا أكثر. أمرها أن تحبه, بل يتعين عليها أن تقنعه بأنها راغبته, و هو سيحكم, بحسب ما يتأتي منها.
و كان يسوي مطرحا لمرقدهما و يزيح فضلات الطيور لما قال لها إنه يريدها لمرة واحدة كيما يسهل نسيانك, و إنه أحبها و انشغف لحظة رآها, و إنه بطبيعة الحال لا يحب الحب- بما له و بما عليه. و كانت تفتح جفونها فتراه يسوي مطرحا بحذائه العسكري, و تراه يتم الترتيبات التي رتبت سلفا, و تراه يهم, لكأنها رأت ذلك كله قبلا, و كأنها بنت غير التي بوغتت للتو لأجل أن تبدي له فنونها بسماحة و باحتراز فلا يبدر اصطناع منها أو إذعان.
طرب هو في قلبه حين اشتكت هي من وخز الحصي, ينخس ظهري, حتي إن دمعتها أسكرته فتبسم من بين عبوس نشوته معتبرا أن شكايتها المخصوصة من خشونة الحصي; الحصي فقط و لا غير, تعني له ما يرضيه. في واقع الأمر فإن رائحته السحيقة, التي هي صميم ذاتها, ساهمت في إخضاعها مثلما شاء; و لقد جفلت الراقدة من رائحة لا قبل لها بها ثم استنامت لها...., و أدت ما صار واجبها, و إن كانت غشته فبفطنة أنثي صغيرة باتت علي محك متفاقم.
علي الرغم من فضولها, لم تخرج صوتها لتسأله عن اسمه, فعساها حدست أن نبراتها قد ذلت و أن سؤالها, إن سألت, سيستبقيها في تلف لا منجاة لها منه كما سيستبقي لها, أبدا, ما قدرت عليه من غش فائق لدرجة أنه ما تبدي غشا. و لم يقل هو لها, قبل رواحه, إلا إنه يستحسن سحب التزامه, و إلا إنه آت عن قريب ليلتقيها مرة ثانية. و لأن وجهها كان منكسا فما تحصل علي جواب.
أم الفتاة, و كانت صاعدة للمعاونة, رأت الوقائع الختامية فيما يبدو, و سمعت حشرجات و أنات, فلبثت هنالك, في زاوية السلم, ساكنة ترقب. و من مكمنها اعتراها غضب و ذعر, و واتتها أيضا, علي الرغم منها, متع ضئيلة مشتتة لا يجاهر بها, و زعزع الامتقاع صفو تلصصها, و لعلها عضت شفتها من جراء المجون الحامي للابنة الوديعة, لكنها نزلت و انزوت كيما تتيح للذكر العابس, الذي ارتدي في النهاية سترة الغازين, انصرافه دون مزيد من تسلطه. و ما أظهرت نفسها إلا لما فاجأها انتحاب الفتاة, و قد بقيت تشهق و تنتفض حتي بعد ما جثت أمها تسند ظهرها و تعضد علي كتفيها بهدوء و استغراق شملا كل ما حولهما, حتي بدا أن الدجاجات التي تحلقت حولهما, سكنت لتصيخ إليهما, و تنظر, و تطيل النظر.
ثبتت الفتاة, و استطاعت في الليلة التالية الروغان من البلدة و من حصار الغازين, ثم وصلت إلي واحدة من بلدات الشمال الأوروبي, بعد سنة من تشرد و تطواف و هروب, حيث التحقت بسيرك كخادمة تقدم وجبات الطعام للفيل و تعتني بنظافته و ما إلي ذلك. وعلي مدي شهور قليلة من مزاولة عملها و اقترابها من الفيل, كانت علي وجه التقريب قد شفيت من مصيبتها, و غدت ودودا, و نوديت بذلك الاسم ذي الرنين الفخم; كيم.
و ليس يعرف من الذي اقترح إضافة فقرة إلي برنامج السيرك, تلعبها كيم, و قد غدت مدربة للفيل, لا يزيد زمنها علي سبع دقائق, صار يعقبها تصفيقات و همهمات تثير الحسد.
إلا أن كيم نائية لا تكاد توجد, لكأنما أطبقت جفنيها علي جسمها و كيانها قاطبة, لكأنما نفذت إلي منتهي الكمون, بموجب من الحياة, أو بلا موجب حتي. هي كيم, صاحبة العينين اللوزيتين و الغرة, التي ترتدي فستانا أحمر قصيرا مكافئا لبدنها المدملج الخمري, و تتواجد فحسب برفقة الفيل علي قرص المسرح وقت انتصاف الليالي.
يطوف الفيل متوانيا و يتلقي مداعبات كيم و لمساتها و يرد بمداعباته و لمساته; رقة برقة و غزلا بغزل. تحتضنه فيميل و يغطيها بأذنيه و يتراءف. تدور حوله فيتحرش بها مترفقا و هو يسالمها و يشعرها بجسده و يوصله إليها بلباقة. تتحكك به, و يتمسح بها. تنظر إليه في عينيه و تربت علي ساقه فيثنيها لتتسلق و تصعد إلي ظهره ثم تمتطيه, و الفستان الأحمر الصغير صغير, يحمل تعلة ما, كأنه كمال في ذاته. إن الفيل, مهما يكن, يشعر باحترار ساقيها علي ظهره. و إذ تمر لحظات العرض تلمح حبات العرق علي نحرها, و يتضاءل الاحتشام في مغازلاتها و عزمها و كذلك في لفتاته و ارتباكاته. بالوصول إلي هذه المرحلة; تتعدل أضواء المسرح, و تثب المدربة من فوق ظهر رفيقها, و تتمطي, و تبتعد إلي بقعة قرب الحافة, حيث عيون الجمهور, و تتطوح لتستلقي, علي ظهرها, فوق حشية تكسو تلك البقعة قرب الحافة; مخدع مكشوف منمق بأزاهير, فيتقدم الفيل إليها; عاشقا كما العشاق, و يركع عليها ببطء و فخامة و انسجام, و يلامس ببطنه بطنها باحتراس و احتواء, و يستمران, و يعلم الله الأفكار التي تنبث في سكون الحشد المتوحد, و ما إن يبدأ الحاضرون بالتصفيق و التصايح, يهدل الفيل أذنيه, و يرمق امرأته بتعاسة, و يقف متحيرا, و تنهض المرأة بوقار يشعشع أنوثتها, و قد سوت فستانها و ضمت ساقيها لترد تحية المحيين, و لتضع قبلاتها علي العاج المقوس لذلك الرفيق الهائل الواقف في لحظته وقفة أسير. يخرج الفيل و كأنه يهرب فتلحق به رفيقته و يغادران سويا, مثل شقيقين. و بما إنها تدري ما يقاسيه فلا يفوتها أن تمكث دقيقتين, في الظلمة خلف الستارة, تلقمه حبة فستق; حبة صغيرة, تذكر بصغر فستان أحمر, حبة صغيرة, توشك أن تكون لا شيء, فلعل كيم باتت تعتقد أن رفيقها حاذق للغاية بالصغائر التي توشك أن تكون لا شيء, ثم إنها, بعد, تلاطفه, و تمسد علي أذنيه حتي يستشفي.
بعد إدراك الجندي هروب فتاته, سعي حانقا للتنكيل بعائلتها, و ما غفل حتي عن دحر الدجاجات و الإوزات و اختلاس قطع ثياب من خزانة الفتاة و سحق الحصي إياه بجزمته العسكرية, شاعرا بالخديعة و بهوان رجولته و سلطته, ثم مدركا أنها سخرت من كفاءته علي التمييز حين أوهمته بالحب فتوهمه.
وكان لا يني يباغت تلك العائلة لأجل التخريب و ترصد أخبار الهاربة, إلي أن كاد الجيش ينهي مهماته في البلدة, فتمكن الجندي من تسوية أوضاعه, و سرح, و من ثم بقي حيث هو.
لم يستفق بعد انسحاب جيشه, و قد غدا وحيدا غريبا, بلا سند و لا سلطة, و إن ظل يرتدي سترة رسمية بلا مسوغ, لا يعرف مبتغاه, و لا يدرك هو نفسه كنه نواياه. أسفرت الأيام الأولي عن بقائه شريدا, يختلس و يتسول, بعد ما دس مقتنياته و مختلساته في بناية مهدومة. و كان, طبعا, بمقدور شباب العائلة الانتقام منه و تمزيقه, لولا ما انتابهم من إشفاق, و لولا ربما إفراطهم في التحوط من انتقام قد يحرزه ضدهم الغزاة آجلا.
في أحد أيام التشرد تلك, و مدفوعا بجنون أو بلاهة, قصد منزل أهل الفتاة و طرق الباب و وقف بعيدا. و كان أن فتح له و أدخل و أجلس و قدم له طعام و شراب, وبدا في أعين معظم من رأوه, وقتها, مذهولا قانطا. و بينما كان والد الفتاة يصطحبه إلي الباب في ختام الزيارة, لاحت في ذهنه فكرة تتساوي, في إبهامها, مع قرار الجندي بترك الجيش, و البقاء.
ما رأيك في ابنتي الكبري؟ التي صبت لك الماء ما رأيك؟
و تزوجها.
كانت تكبره بسبع سنين, أو أكثر.
و استقر مخدع الزوجين في غرفة في البيت بعد ما ألغي موضع كيم منها.
بعد سنتين من دوام ممارستها فقرة حب التي كانت أسبوعية و ذائعة, فتحت كيم عينيها, و انتوت زيارة أهلها, و تهيأت, لولا أن الفيل, كما لو كان في حكاية, وجد ميتا في أول صباح تال لانتوائها السفر.
حين أبلغت بذلك وجمت فحسب وجوما أوصلت علي إثره إلي حيث رقدت في مصحة. بموت الفيل ارتجفت كيم. و في الرجفات; هنالك, انتابتها ذكري الترتيبات, تلك التي رتبت, و ذكري......, ذاك الذي أنفذ تحت قبة السماوات, و هنالك وافاها شعورها بأن في تجويفها جنينا من حصي. كانت تلهث لخواطر تتكاثر في تشعبات تصل بها, ربما, إلي ذلك الغش الذي أتته هي ذات ضحي. و كانت كيم ترتجف.
ثم كان أن عادت كيم.
ارتمت في حضن الأم و كان حانيا إلا قليلا فشعرت بجفوة هينة, و لكنها ارتمت أيضا في حضن الأب ثم الأخت و كل من كان بالبيت, حتي الجندي السابق حضنها و حضنته و كأن ما كان لم يكن, و كأن ما كان قد تسرب خارجا ليتيح عناقا مستوجبا. اصطخبوا لأجل عودتها, و أحست أنهم كانوا واجمين هونا; و كانوا فجأة يسكتون. غالبت شعورها بالكمد, و استعانت بتذكر الفيل لنثر ملامح بشاشة علي وجهها. بدا الجو دافئا فنامت كيم ليلتها الأولي علي السطح, و هناك نامت ليلتها الثانية, و هلم جرا.
و إذ استمر مبيت كيم, التي نوديت طبعا باسمها القديم, علي السطح, صعد إليها الجندي السابق, خفية, ذات ليلة, و أيقظها من بعيد بإلقاء حصي صغير قربها. و حين انتبهت اقترب و هو يطمئنها بإشارات يمكن تصديقها.
رأيتك مع الفيل, في تلفزيون المقهي, و عرفتك!
لاح ساذجا, و أطرقت هي في غم, و ما نطقت.
لكن لا أحد غيري يعرف.
اصطبرت, في صمتها, تنظر عبر الرجل إلي ما لا يري, و لم تكن قد نظرت إليه قط, في عينيه, حتي في لحظات العناق تلك, فور وصولها. و ما كانت, لوقتها, تنظر إليه و هو يفرط في وصف سحرها ذاك الذي دام يسكره و يبهت كل الناظرين إلي فقرتها, إلا إنه استطاع مراودة وجدانها بقوله إن الفيل في الحلقة الأخيرة معها, و للمرة الأولي, كاد يبكي المتفرجين بحزنه و بعاطفته, و إنه كان بهيا, و إنه كان أبهي منها.
تمنيت و تمنيت, ليلتها, الموت له; لصاحبك الفيل!
إزاءه, و في سكونها الغالب ذلك, في سكونها النقي, نظرت كيم إليه, في عينيه, و تنصلت في سريرتها من وجوده, كليا, و تهادأت, و خلت, و لم ترتكب سوي أنها زفرت تجاهه, صوب وجهه, زفرات وخيمة قد لا يشك بأنها قاتلته.
-------------------------------
الأعمال المنشورة:
صحراء علي حدة, قصص, الناشر: المجلس الأعلي للثقافة, القاهرة.1995
استعراض البابلية, رواية, الناشر: دار النهر للنشر والتوزيع, القاهرة1998, وطبعة ثانية: دار أزمنة, عمان, الأردن.2007
علي هيأة اللوتس, قصص, الناشر: دار البستاني للنشر والتوزيع, القاهرة.2004
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.