بعد أن تحقق الحلم ونجحت الثورة علينا أن نبدأ العمل لبناء( مصر الجديدة) وهناك مقولة كاشفة للكاتب جيمس بالدوين مفادها ليس كل شئ يتم مواجهته يمكن تغييره, الا انه لاشئ يتغير حتي تتم مواجهته, ومن ثم يتحتم علينا ونحن نبدأ عملية البناء ان نواجه أنفسنا ليس من قبيل جلد الذات ولكن من منظور العبرة واستيعاب الدروس حتي نحول دون تكرار ماض رفضناه بكل سوءاته وثرنا عليه, والمواجهة ومصارحة النفس تحتمان علينا الاجابة عن سؤال قد يكون شائكا ألا وهو: كيف تمكن نظام مبارك من ممارسة هذا القدر المرعب من الفساد وعلي مدي ثلاثين عاما دون خوف وبلا رادع؟ وقد تستدعي الاجابة نفسها بلا عناء من عقلنا الجمعي الذي اختزلناه في مثل شعبي يقول يافرعون إيه فرعنك؟ قال: مالقتش حد يردني. من أسف فلقد ران الصمت علي أغلبية المصريين, حتي بات مصطلح الأغلبية الصامتة من أدبيات عصر مبارك.. صحيح أن بعض حركات المعارضة قد نشطت, وصحيح أن أقلاما شريفة ولكنها قليلة سبحت ضد التيار, ولكن الصحيح أيضا أن هذه وتلك كانت تغريدا خارج السرب الذي راح يعزف ويغني لمبارك و انجازاته(!!) ويتساءل البعض: وماذا كنت تنتظر من الناس أمام القمع اللاإنساني الذي مارسته أجهزة الأمن ضد كل من كان يتجرأ علي تجاوز الخطوط الحمراء التي تمثلت في الأسرة الحاكمة من آل مبارك؟ ربما يكون هذا السؤال مشروعا.. ولكن هناك سؤالا مشروعا آخر ألا وهو: هل تم التنكيل بمن لم ينحنوا وينبطحوا ل آل مبارك ؟ نظن أن الاجابة بالنفي في قول واحد: علينا ان نعترف بأننا نحن الذين صنعنا الفرعون ومكناه وبطانته من ممارسة هذا القدر المرعب من الفساد.. دعنا ندلل علي ذلك بمثالين علي سبيل الذكر لا الحصر: { ارتضي بعض رجال القانون ومنه للأسف أساتذة جامعات أن يكونوا ترزية للقوانين كانت مهمتهم تفصيل وتطريز القوانين علي هوي ومقاس نظام الحكم, وضرب هؤلاء عرض الحائط بكل مبادئ القانون التي ظلوا لسنوات يعلمونها لطلابهم كيف؟! لم تتخلف النخبة عن الركب, فهاهي احدي الجامعات المصرية العريقة تمنح زوجة الرئيس السابق مبارك درجة الدكتوراة الفخرية بلا مسوغات موضوعية استقرت عليها جامعات العالم لمنح هذه الدرجة الرفيعة, وها هم الوزراء يتركون كل أعمالهم ومسئولياتهم ليكونوا في معية سوزان مبارك وجمال مبارك.. { صنعت السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية والتي تضمنها دستور1971 الذي تم إسقاطه يوم قامت الثورة, وكذا ثقافة صمت الأغلبية ونفاق بعض النخبة الفرعون الذي لم يكن ليتخيل في كل كوابيسه أن شبابا أعزل سيرغمه علي الرحيل, يوم أن قامت حركة كفاية بأولي تظاهراتها رافعة شعار لا.. للتمديد.. لا.. للتوريث, قال مبارك مستخفا: وايه يعني.. أنا أقدر أجيب ناس وأديهم فلوس وأخليهم يقولوا: مش كفاية وبعد فضيجة تزوير انتخابات مجلس الشعب2010 بشكل فج غير مسبوق قيل لمبارك: لقد كون بعض السياسيين والنواب الذين تم إسقاطهم في الانتخابات برلمانا موازيا, فقال ساخرا: خليهم يتسلوا!! صحيح ان النظم السياسية لاتصلح نفسها أبدا, ولكنها تسقط وتنهار, ولابد أن تحدث دراما حتي يختفي النظام علي حد قول شارل ديجول, ولأن الدراما قد حدثت في حالتنا المصرية فعلينا ونحن نبني مصر الجديدة أن ننفض عن كاهلنا كل سوءات العهد البائد من النفاق والرياء وكتمان الحق. فالساكت عن قول الحق شيطان أخرس.. من هنا نبدأ لأنه كما تكونوا.. يولي عليكم. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية