زعمت بعض الصحف في مناسبات عديدة بأن التدخل الأجنبي الحالي في ليبيا غايته رغبتنا بوضع أيدينا علي النفط الليبي. بالنسبة لمن يؤمنون بنظريات مؤامرة كهذه أعتقد أن ربما لا شيء أقوله قد يقنعهم بما هو خلاف لكون كافة سياساتنا في المنطقة تخفي أجندة ذات جانب أسود وراءها وبأن كل حدث كبير يجري في الشرق الأوسط هو نتيجة أياد ماكيافيلية غربية. لكن أرجو أن تتابعوا ما سأقوله حتي النهاية.إن كانت غايتنا هي النفط الليبي لكان من السهل جدا علينا أن نتجاهل بكل حرص الانتفاضة والاحتفاظ بعلاقات وطيدة مع العقيد القذافي وربما إرسال بعض الدبابات للمساعدة في ضمان ألا يضايق ثوار مزعجين تدفق النفط الليبي. فالشيطان الذي نعرفه خير من اتخاذ خطوة نحو المجهول مع معارضة لم تتبلور بعد وأهدافها لم تتضح تماما. لكن لم يكن ذلك ما فعلناه. فقدبدا لكافة من كانوا يراقبون تعاقب الانتفاضات والثورات بأن الوضع في ليبيا كان مختلفا اختلافا واضحا. بالطبع سقط قتلي في كل من اليمن وسوريا والبحرين وغيرها من الدول ويتبين من تصريحاتنا العلنية بأننا ندين قتل مدنيين وندافع عن حق الاحتجاج السلمي. إلا أننا شاهدنا جميعنا في أوروبا والعالم العربي وفي العالم بارتياع كيف قوبل متظاهرون خرج غالبيتهم في مظاهرات سلمية بالأسلحة الرشاشة والمدفعية الثقيلة وقوات الميليشيا في ليبيا. ونحن نعلم بأن الآلاف سقطوا قتلي لكن من المحال تحديد الأرقام بدقة في حين بذل النظام كل جهوده الممكنة ليخفي عن أعين العالم جرائمه التي اقترفها في الزاوية ومصراته وطرابلس وغيرها من المدن. كان بإمكاننا الجلوس متفرجين وكان بمقدورنا أن نقول لقوي عربية وإقليمية أخري بأننا نفضل عدم التدخل لخوفنا من أن تتولد لدي شعوب المنطقة فكرة خاطئة لكن من المؤكد أننا لو لم نتدخل لكان قد سقط حتي الآن المئات أو أكثر من ذلك قتلي في بنغازي وغيرها من المدن. وبالتالي لي الفخر بأن بريطانيا كانت أول من بادرت في المطالبة بفرض منطقة حظر جوي واتخاذ إجراءات لحماية المدنيين. ويسعدني أننا أقنعنا الكثيرين من الآخرين بالاستماع لأصوات الكثيرين جدا من الليبيين المطالبين بتقديم المساعدة كما يسرني بشكل خاص أن نجد أنفسنا نقف كتفا بكتف مع الكثير من دول المنطقة في اتخاذ إجراء لحماية أرواح الأبرياء. لقد أجريت نقاشا مهما مع عبد الباري عطوان مؤخرا حيث أثار نقطة مشروعة متسائلا: ألا يعيق تدخل الغرب مرة أخري في العالم العربي قدرة الدول والشعوب العربية علي حل مشاكلهم بأنفسهم لن أنكر أن تلك النقطة فيها بعض الحقيقة لكنها يجب ألا تكون سببا لعدم اتخاذ الغرب أي إجراء بل هي نقطة للآخرين للنظر في سبب إمكانية قيامهم بذلك. إنني أجد أرضية تدعو للتفاؤل من الأحداث الأخيرة. فعلينا كسياسيين في بريطانيا وأوروبا أن نكون بطبيعة الحال مستجيبين تماما للرأي العام والحكومة التي تتخذ قرارات في مواجهة رأي قوي للأغلبية تكون إما جريئة أو ساذجة ولو أننا مثلا غضينا بصرنا عما يحدث في ليبيا لكنا ربما دفعنا كحكومة ثمنا سياسيا لعدم تصرفنا تبعا للتعاطف واسع النطاق مع الشعب الليبي. إلا أن الأمور باتت تتغير- حيث هناك آراء شعبية واسعة الانتشار لا يمكن تجاهلها. لقد شاهدنا طوال عقود أنظمة لا تستجيب ولأسباب عديدة لمطالب شعوبها في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بل تقمع شعوبها وتفرض قيود مشددة علي وسائل الإعلام التي يمكن أن تكون صريحة أو تنشر المطالب الشعبية. ومهما يتبين لنا خلال الشهور القليلة القادمة فإن الأقلية فقط سيجادلون بأن العصر الذي كان يعتبر فيه ذلك التصرف طبيعيا أو مسموحا بات يوشك علي نهايته. فهناك إحساس بأن بعض القيم كحق أن يكون للشعب ممثلوه وحرية التجمع والتعبير هي قيم للجميع وسوف تستجيب الحكومات بشكل متزايد لمثل هذه المطالبات رغم أن الاستجابة تتفاوت من دولة لأخري. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلي وجود أمم وحكومات تختلف تماما بما هي قادرة علي فعله أو علي استعداد لأن تفعله ربما دعم إجراءات لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان في دول مجاورة وربما العمل بموجب تكليف من الأممالمتحدة لإرسال قوات حفظ سلام لمناطق تشهد اضطرابات وربما التواصل عبر دبلوماسية عربية جماعية لإحراز تقدم في القضية الفلسطينية. لقد شاهدنا خلال الأسابيع الأخيرة جامعة الدول العربية وقد أعيد انتعاشها وهي تتخذ موقفا من أحداث ليبيا وقوات عربية تلعب دورها بالكامل لحماية الشعب الليبي ودول أخري مشاركة في الجهود الإنسانية والدبلوماسية. لنأمل بأن تلك ما هي إلا اللمحات الأولي مما هو ممكن. كما ترغب بريطانيا بأن تلعب دورها كاملا في تشجيع التحركات في الاتجاه الصحيح وذلك عبر صندوق الشراكة العربية الجديد الذي أطلقناه لتشجيع وجود مجتمعات مدنية متمكنة وعمليات إصلاح بقيادة الشعوب. كتب الفيلسوف الهولندي سبينوزا بأننا لا نعرف بعد مدي قدرة جسم الإنسان. وبالمثل فإن الشعوب في أنحاء العالم العربي بدأت للتو باكتشاف ما هي قادرة علي تحقيقه والقدرات التي تتمتع بها عندما تتعاون لأجل تحقيق هدف مشترك. وبالتالي فإن ردي هو أنني أنا أيضا أرغب بأن أري العالم العربي يحل مشاكله دون تدخل خارجي وأن يكون مواطنوه واثقين متيقنين من أنفسهم ويتمتعون بحقوقهم الديموقراطية كاملة ولا يشعرون بالحاجة للبحث عن أياد أجنبية وراء كل ما يصيبهم وحيث يكون لدي العرب القدرات الكافية لمعالجة الأزمات الإقليمية وعلاقات دبلوماسية قوية بين أوروبا وجيرانها من الدول العربية تكون علي أسس متساوية. إننا لم نصل إلي ذلك الحد بعد لكن باستطاعتنا أن نري النور في نهاية النفق.