بدأت أزمة مارس4591( إعفاء مجلس قيادة ثورة23 يوليو1952 اللواء محمد نجيب من منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء) قبل هذا التاريخ بشهور بطلب جماعة الإخوان المسلمين من عبدالناصر بحصة في السلطة والحكم مقابل دعم الجماعة تنظيم الضباط الأحرار ومساهمتها في إنجاح الثورة. فقد أصبحت الجماعة وقتها التنظيم الوحيد طليق الحركة في الشارع بعد إلغاء الدستور والأحزاب, وحيث تبني الرئيس نجيب فكرة عودة الجيش إلي الثكنات في أسرع وقت وتزامن ذلك مع مؤشرات استعداد الجماعة لملء الفراغ الذي خلفه إلغاء الأحزاب وفي حالة انسحاب الجيش من الحياة السياسية واظهار قدرة الجماعة علي تحريك الشارع. وتحت ضغط الشارع الذي خرج منددا بعزل نجيب وبعبدالناصر ومجلس قيادة الثورة اضطر الأخير الي الطلب من نجيب العودة لكن عبدالناصر والثوار استوعبوا الدرس واستطاعوا تغيير المعادلة وقواعد اللعبة خلال ثمانية أشهر حيث خرجت الجماهير في نوفمبر من نفس العام تهتف باسم عبدالناصر وترحب بقرار عزل نجيب هذه المرة. فخلال هذه الشهور الثمانية أنشأ عبدالناصر التنظيم السياسي للثورة جبهة التحرير ونشر قواعده وكوادره في كل محافظات وقري مصر, ووفر هذا التنظيم لمجلس قيادة الثورة الاتصال المباشر بالجماهير بحيث لم تعد الجماعة وحدها في الشارع ثم أطلق المجلس حركة التطهير بإعفاء كل القيادات والمسئولين في كل مؤسسات الدولة من المنتمين للعهد السابق ومن المتحولين وأنصار الحلول الوسط ودفع المجلس برجاله في مؤسسات الدولة قبل أن يفصل الثوار بين منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة, حيث تخلي نجيب عن المنصب الثاني لناصر. وتزامن ذلك مع خطاب سياسي وإعلامي يركز علي الثورة المضادة بوصفها عائقا أمام تحقيق أهداف الثورة وعلي دور عبدالناصر وقيادته ومتابعة جولاته في المحافظات وإنجازات مجلس قيادة الثورة في مختلف المجالات لا سيما إبرام اتفاقية الجلاء مع بريطانيا فازدادت شعبية عبدالناصر وعرف الشعب أنه القائد الحقيقي للثورة وليس نجيب أو جماعة الإخوان المسلمين. وفي نفس الوقت ارتكب كل من نجيب والجماعة خطأين قاتلين الأول بتوجيه انتقادات لاتفاقية الجلاء والثانية بمحاولة اغتيال عبدالناصر بميدان المنشية في شهر أكتوبر, فما أن جاء شهر نوفمبر إلا وكان التوقيت مناسبا لإنهاء الازدواجية في السلطة والحكم بالتخلص من نجيب والجماعة معا لتبدأ مرحلة حكم الثوار. بدأت أزمة مارس1102 الاستفتاء علي التعديلات الدستورية قبل هذا التاريخ بأسابيع معدودة وتجلت في تأويلات دينية سعت إلي تقسيم المجتمع والثوار علي أساس طائفي وفي اجتهادات سياسية انتهت إلي انحياز الجماعة والتيارات الإسلامية إلي نعم للتعديلات ضد لا التي تبناها الشباب الذي فجر ثورة25 يناير وصاحب ذلك أحاديث عن صفقات اضطرارية بحكم الأمر السياسي الواقع. فقد خرجت الجماعة علي إجماع ائتلاف شباب الثورة برفض التعديلات وإعداد دستور مدني جديد برغم التحاقها بالثورة في وقت متأخر واعتبارها في البداية الرئيس حسني مبارك خطا أحمر وتبريرها ذلك بمطاردة مباحث أمن الدولة لأعضائها وتحذيرهم من النزول للشارع فقد استغلت الجماعة الظرف السياسي المتاح اعتقادا بأنه ظرف تاريخي لا يتكرر بكونها التنظيم الوحيد في الشارع وفي ضوء تصميم المجلس العسكري علي العودة للثكنات في غضون ستة أشهر وسقوط أحزاب المعارضة مع نظام مبارك, فالتعديلات تتيح للجماعة فوزا مريحا في انتخابات مجلسي الشعب والشوري وتحديد مواصفات الرئيس القادم وربما شخصه, فقد جاءت نتيجة الاستفتاء كمؤشر علي استعداد الجماعة لملء الفراغ وإظهار قدرتها علي تحريك الشارع والتأثير عليه ومن ثم نقل مركز السلطة السياسية في البلاد في الاتجاه المطلوب عبر وسائل ديمقراطية( صناديق الاقتراع) هذه المرة؟! الاختلاف بين أحداث مارس1954 وأحداث مارس2011 هو أن الجماعة قد أسهمت بالفعل في إنجاح ثورة25 يناير حتي وإن شاركت متأخرة, ولا أحد ينكر ذلك, لكن قوي الشباب التي فجرت الثورة هي التي حذفت من الخطاب السياسي والاعلامي كلمة المحظورة ومنحت الجماعة وكل التيارات الاسلامية حريتها وأطلقت بعض رموزها من السجون لكي يخرج بعض قادتها ليكفروا ثوارا قالوا لا وبدأت حركتها بكلمة لا وليمنحوا الفرصة لرموز من العهد السابق وعناصره في مؤسسات بالدولة للظهور والكذب في بجاحة لا نظير لها في وقت فيه قوي الشباب التي فجرت الثورة مشتتة ولم تنجح حتي الآن في تأسيس تنظيم سياسي يعبر عنها ويطرح رؤية أهدافا وبرامج لما كان يجب عمله منذ اليوم التالي لنجاح الثورة في اسقاط نظام مبارك, فباتت الثورة بفعل الظروف المستجدة وكأنها انقلاب انتقلت بمقتضاه السلطة من يد فئة إلي أخري دون تغيير حقيقي سوي تغيير وجوه الحكام. ونظرا لأن الحكم علي النوايا مرفوض ابتداء فإن خطاب جماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات الاسلامية الأخري حول الإيمان بالتعددية والقبول بالآخر وبالدولة المدنية مؤشر جيد حتي الآن مادامت قد قبلت الجماعة بقواعد اللعبة الديمقراطية وإن يبقي من المؤسف عدم تنظيم ائتلاف شباب25 يناير صفوفه لتطوير العمل لتحقيق أهداف الثورة بتشكيل نظام سياسي جديد لإحداث تغيير سريع في القوة السياسية يخفض الحلول الوسط فقد واجه الشباب عمدا أو سهوا سياسة إشغال. فمسار الأحداث منذ مساء يوم11 فبراير2011 يشير إلي غياب القيادة والكيان السياسي لتنسيق الجهود لبناء النظام الجديد واستسلام البعض الي دعاوي الاصلاح والترميم الذي يعني استمرار نظام مبارك مع إدخال تعديلات عليه وهو نظام لا يجدي معه ومن غير المفيد للبلاد اصلاحه أو ترميمه, فالثورة الكاملة هي التي تحقق أهدافها كاملة, ومن دون ذلك تصبح ثورة ناقصة, وحتي تحقق ثورة25 يناير أهدافها كاملة فإن ذلك لن يتحقق دون الكيان السياسي والأهداف والبرامج والنظام السياسي الجديد وبعدم السماح لفئة بأن تحل محل أخري وبالاطاحة برموز العهد السابق وبرفض التنظيمات الوسيطة سواء بين الشعب والنظام الجديد أو بين الشعب والسماء.. لقد اعتبرت تيارات إسلامية سياسية الظرف الحالي فرصة ذهبية بينما هي ربما ترتكب خطأ تاريخيا يمكن تداركه بالعودة الي صف الجماعة الوطنية وأهداف الثورة. تمر الثورات بعدة مراحل تبدأ بظهور طائفة المعتدلين والوسطاء والذين يشبهون المعارضين ودعاة الاصلاح في مرحلة ماقبل الثورة وبين هذه المرحلة ومرحلة حكم الثوار لتحقيق أهداف الثورة تحدث الازدواجية في السلطة والحكم ويظهر الانتهازيون وراكبو موجة الثورة وينشب صراع سياسي بين هؤلاء وبين حكومة الظل من الثوار الذين يراقبون ويقيمون ويرفضون الحلول الوسط والانقلاب الداخلي علي الثورة وتروج الاتهامات بالغدر والخيانة. فالثورات تنتصر في النهاية عاجلا أو آجلا لكن في بعض الأحيان تموت. المزيد من مقالات محمد عبد الهادى