لماذا نصف الدور الذي قام به موقع تويتر في الثورة بأنه يشبه دور الجهاز العصبي بالنسبة لجسم الكائن الحي؟.. واقع الحال أن هذا الوصف لم يأت من فراغ, والأرقام التالية تؤكد ذلك. لقد كشفت عمليات الرصد والتحليل- التي أجريت علي الرسائل الخاصة بالثورة التي تم تداولها عبر الموقع خلال الفترة من10 يناير إلي10 فبراير- أن الموقع سهل إنتاج وإرسال واستقبال وتداول12 ألفا و39 رسالة, بمعدل يومي وصل في المتوسط العام إلي364.82 رسالة في اليوم, و15.2 رسالة في الساعة, ورسالة كل ثلاث دقائق وتسع ثواني. وطبقا للتحليلات فقد اشترك في إنتاج هذه الرسائل2789 شخصا أو جهة أو طرفا من الأطراف, ثم قاموا بالدفع بها إلي الأعضاء المسجلين في قائمة تابعيهم أو المهتمين بمتابعة رسائلهم عبر تويتر, وتقول إحصاءات تويتر إن عدد النسخ التي أنتجت من هذه الرسائل وتم الدفع بها إلي أشخاص آخرين مشتركين في الموقع وصل إلي93 مليون و963 ألفا و229 نسخة, بمتوسط عام28 مليونا و473 ألفا و370 نسخة من الرسائل في اليوم, و118ألفا و460 نسخة من الرسائل في الساعة, و1977 نسخة من الرسائل كل دقيقة. وحقيقة الأمر أن هذه الأرقام المهولة للرسائل المرسلة أو لعدد القائمين علي إرسالها أو عدد النسخ المنتجة منها لم تكن نهاية المطاف, لأن إحصاءات موقع تويتر تكشف عن أن كل الرسائل المتعلقة بالثورة جري إعادة إرسالها مرة أخري من قبل الذين استقبلوها أول مرة, وهذا يعني أنه تم نشرها إلي مستويات أكبر بكثير من الأرقام السابقة, وبطريقة يصعب تتبعهها ورصدها. ولتوضيح هذه النقطة أقول إن جمهور تويتر يعتبر جمهورا مركبا من حلقات متتابعة, فطبيعة الموقع تسمح لكل مشترك أن يكون له عدد من المتابعين لنشاطه وما يقوله, وما يريد إرساله إليهم, فإذا كان له ألف متابع, فإن كل رسالة يرسلها تصل إلي ألف شخص, بيد أن الألف شخص لهم أيضا متابعيهم الخاصين بهم والمختلفين بشكل كبير عن متابعي المنشيء الأصلي للرسالة, ولأن تويتر يسمح لمن يتلقي رسالة ما أن يقوم بتحويلها إلي تابعيه, فهذا معناه أن دائرة نشر الرسالة والجمهور الذي يتلقاها تتسع لتشمل تابعي مرسل الرسالة, ثم تابعي تابعيه, ومن ثم يتشكل جمهور الرسالة في حلقات متتالية ومتداخلة مع بعضها البعض. وللتوضيح أقول إنه لو كان هناك شخص ما أرسل رسالة إلي تابعيه الذين يتكونون من مائة شخص, وكان لكل من هؤلاء المائة قائمة تابعين خاصة به تضم مائة شخص, ثم قام كل منهم بإعادة إرسال الرسالة تابعيه, فهذا معناه ان الرسالة وصلت إلي(100 شخص تابعين للشخص الأول100 تابعين لكل منهم), أي أن عدد النسخ المرسلة من الرسالة تتضاعف إلي10 آلاف شخص, في حالة الإعادة لمرة واحدة. وبالنسبة لرسائل الثورة والثوار التي وصلت كما سبق القول إلي12 ألفا و39 رسالة, فقد أعيد إرسالها72 ألفا و746 مرة طوال فترة الرصد الممتدة من10 يناير إلي10 فبراير, وكان متوسط إعادة الإرسال2204 مرة إعادة في اليوم بمعدل91 مرة إعادة في الساعة, و1.5 مرات إعادة في الدقيقة. وقد حاولنا رصد وتتبع حجم الجمهور الذي تلقي هذه الرسائل بعد إعادة إرسالها في المرة الثانية وما بعدها فوجدنا انها مسألة صعبة للغاية, ولكن بافتراض أن كل متلقي لرسالة ما قام بإعادة إرسالها مرة واحدة لشخص واحد وهو الحد الأدني الذي لابد وأن يكون قد حدث طبقا للبيانات المتاحة من تويتر فإن يكون قد جري إنتاج93 مليون نسخة أخري من رسائل الثورة والثوار وتوزيعها علي أشخاص اخرين عبر تويتر. وفي ضوء الأرقام السابقة عن رسائل الثورة علي تويتر نستطيع القول أن أداء الثوار وجماهير الثورة بالموقع قد سار في ثلاثة مسارات فيما يتعلق بالرسائل المنتجة: المسار الأول هو مسار إنتاج الرسائل وثبها لأول مرة وقد كان انتاجا كثيفا وغزيرا كما رأينا ويكشف عن نشاط وحيوية عالية لدي شباب الثورة والمشاركين فيها, والمسار الثاني هو جذب وتجميع جماهير المتابعين لكل جهة إرسال أو طرف يقوم بإرسال رسائل الثورة, وهذا أيضا كشف عن شعبية كبيرة للقائمين علي إنتاج وبث رسائل الثورة, مما جعل الرقم الإجمالي لجمهور المتلقين ضخم للغاية, والمسار الثالث هو مسار إعادة إرسال الرسائل مرات عديدة بعد استقبالها لأول مرة لتوسيع نطاق انتشارها, وهو مسار يكشف عن وعي وحماس شديدين لدي الجمهور العام بالثورة وفعالياتها, والدليل علي ذلك هو المستوي المرتفع للغاية لعمليات إعادة إرسال الرسائل والتي تخطت أكثر من مائة عملية إعادة في العديد من الرسائل. واللافت للنظر أن هذه المسارات الثلاثة قد اتخذت نمطا موحدا طوال فترة الثورة, فقد بدأت جميعا هادئة في يوم10 يناير سواء من حيث عدد الرسائل أو عمليات الإعادة أو جمهور المتابعين, فقد كانت الرسائل في هذا اليوم في حدود86 رسالة, اعيد ارسالها244 مرة, وتلقاها483 ألفا و543 شخصا, وظل الأمر ينمو نموا بطيئا هادئا حتي يوم24 يناير حيث وصلت الرسائل الي160 وإعادة الإرسال إلي465 عملية إعادة والجمهور الي.864544 وفي يوم25 يناير انقلب الوضع وقفز المؤشرات الثلاثة إلي مستوي قياسي, حيث تضاعف عدد الرسائل الي766 رسالة, وعمليات الإعادة إلي4 آلاف و140 مرة, والجمهور إلي5 ملايين و163 ألفا و802 شخص, وفي اليوم التالي الأربعاء26 يناير يتواصل الارتفاع ليصل عدد الرسائل الي814 رسالة وعمليات الإعادة إلي4 آلاف و384 مرة, لكن الجمهور ينخفض الي4 ملايين331 ألفا و887 شخصا, وهنا يجب أن نتوقف لنشير إلي أن عمليات الإدارة اللحظية للثورة وفعالياتها قد بلغت الذروة علي تويتر, الذي تحول في هذين اليومين إلي جهاز عصبي رقمي بالفعل للثورة من خلال ما ينقله ويتم تدويره من بيانات لحظية, تخرج من تويتر إلي المحمول والعكس. في الأيام التالية هبط الاداء بشكل ملحوظ بسبب قطع الخدمة ووصل إلي أدني معدل له يوم31 يناير, وإن كان لم يتختفي تماما, ويعود الفضل في ذلك إلي عمليات التواصل من الخارج, ومع عودة الخدمة في الأول من فبراير قفز الأداء مرة اخري, ليصل يوم2 فبراير إلي ذروة أعلي مما تم تسجيله يومي25 و26 يناير, ففي ذلك اليوم وصل عدد الرسائل إلي877 رسالة إعيد ارسالها7 آلاف و681 مرة, وبلغ عدد من تلقوها13 مليونا و50 ألفا و115 شخصا, وهو اليوم الذي سجل المظاهرة المليونية الشهيرة في ذلك الثلاثاء الكبير, وما تلاه في اليوم التالي من معركة البغال والحمير والمولوتوف, التي استمرت يوم الأربعاء وفجر الخميس, وفيما يبدو أن سخونة الأحداث خلال الاربعاء والخميس قد جعلت الفعل الميداني طاغيا للغاية, فهدأ الأداء قليلا علي تويتر لكنه ظل مرتفعا في عمومه, حيث سجلت ارقام يوم3 فبراير798 رسالة أعيد إرسالها5 آلاف و628 مرة ووصلت إلي6 ملايين و529 ألفا و234 شخصا, والخميس كانت هناك828 رسالة اعيد ارسالها5 آلاف و569 مرة ووصلت إلي7 ملايين و350 ألفا و788 شخص, وبعد هذا اليومين بدأ الوضع يميل للانخفاض والهدوء نسبيا حتي انتهي في يوم10 فبراير ب691 رسالة أعيدت4 آلاف و875 مرة ووصلت إلي5 ملايين و754 ألفا و792 شخصا. جهاز عصبي فعال خلاصة ما نخرج به من الأرقام السابقة أن الثورة احتاجت منذ بدء التفكير فيها والدعوة إليها ثم بدء تنفيذها علي الأرض وحتي لحظة نجاحها إلي نظام اتصالات ينقل أفكارها ويوفر معلومات وبيانات للمشاركين فيها لتدبير أمورها وتسيير فعالياتها في الميدان, والأرقام السابقة تؤكد أن تويتر وفر للثوار والجمهور نظاما فعالا للاتصالات الفورية ربط بين الجالسين بالمنازل والسائرين في الشوارع والمعتصمين بالميداين والداخلين في عمليات كر وفر مع قوي البلطجة في النظام البائد, الأمر الذي يجعله بالفعل مستحقا لوصف( الجهاز العصبي الرقمي للثورة), وإحدي كلمات السر القوية التي جعلت منها ثورة تدار لحظيا بطريقة جماهيرية تشاركية واسعة النطاق.