جاء إلي مصر في عام1990 ليعيش وسط أهلها الطيبين في أمان وسلام. قدر له أن يكون شاهد عيان علي أحداث ميدان التحرير الذي اعتبره صورة مصر الحقيقية.. مصر الحضارة والثقافة والتسامح. هو عبدالله أيدوغان مدير تحرير أخبار العالم التركية ورغم الإعتداء الذي تعرض له المراسلون الأجانب علي يد البلطجية, لم يفكر أيدوغان في ترك مسئوليته أو التخلي عن مكانه وسط شعب إعتبر الأصاله والكرم جزء من هويته. حول قراءته للمشهد وتوقعاته لمستقبل الثورة, وموقف تركيا شعبا وحكومة منها, كان لنا معه هذا الحوار... من قراءتك للمشهد السياسي في مصر, هل كنت تتوقع قيام ثورة؟ ربما توقعت إنطلاق ثورة ناعمة فقط, لكن لم أنتظر أبدا إنطلاق ثورة شعبية مصرية بهذا الحجم والتأثير الهائل. لقد كتبت مقالا? قبل25 يناير- تحت عنوان علي من سيأتي الدور بعد تونس؟.. ومن خلاله أجبت علي هذا السؤال مشيرا إلي ضرورة أن نتوقع قيام الثورة في الدول التي تشهد نسبة أعلي لإنتحار مواطنيها. ومن بين الدول التي شهدت آنذاك تفشي هذه الظاهرة كانت: مصر, الجزائر, موريتانيا.. غير أن مصر حظيت بأكبر نسبة في حوادث الإنتحار وهو ما كان دليلا علي أن غضب الشعب بلغ قمة سنامه وان الثورة قادمة لا محالة, خاصة بعد تزوير إنتخابات مجلس الشعب وإكتساح الحزب الوطني لكراسي البرلمان وهو ما أصاب المواطن المصري بخيبة أمل. كما أن المجتمع المصري شهد منذ فترة بزوغ حركات سياسية مختلفة كانت في مجملها مؤشرا بأن هناك شيئا ما متوقع حدوثه.. لكنني لم أكن أتوقع أن تكون ثورة عظيمة بهذا الحجم قمت بتغطية الثورة منذ إندلاع الشرارة الأولي لها.. فهل لك أن تنقل لنا يومياتك في الثورة ؟ لا شك أن هناك أياما بعينها شكلت علامات بتاريخ هذه الثورة ولا يمكن أن تسقط من الذاكرة. يوم25 يناير أمام دار القضاء العالي بدا المشهد وكأنه مظاهرة عادية. غير أن أعداد المتظاهرين كانت تتزايد وفي المقابل كان يتزايد أمامها عدد أفراد الأمن المركزي. في اليوم الأول إلتقيت بالناشط السياسي جورج إسحاق وقد اخبرني بأن هذا اليوم سيكون يوما مهما بتاريخ مصر.. وكأنه كان علي علم بما ستتطور إليه الأحداث. يوم28يناير في ميدان الجيزة وبعد الإنتهاء من صلاة الجمعة إنهال علينا سيل من الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع والتي تبين بعد ذلك إنها منتهية الصلاحية ويجري التحقيق حاليا بشأنها وما يمكن أن تسببه من أمراض خطيرة مستقبلا. كان المشهد خطير حقا وإستفز مشاعر المصريين. فتضاعفت أعداد المتظاهرين بعد ظهر هذا اليوم وكان الغضب مليء العيون وهو ما دفع جموع المتظاهرين لحرق مقار الحزب الوطني وتمزيق صور الرئيس السابق مبارك المنتشرة في الشوارع. حتي جاء قرار مبارك بنزول الجيش للشارع مساء هذا اليوم كخطوة إيجابية يوم1 فبراير كان قرار مبارك بإقالة وزارة أحمد نظيف هو بداية النهاية. فتغيير الحكومة تحت ضغط الجماهير هو دليل علي أفول نظام مبارك وتهاويه. يوم2فبراير قمت بتغطية المظاهرة المؤيده لمبارك وقد لمست تعاطف الكثيرين مع خطاب الرئيس الذي يتمني أن يعيش ويموت في مصر. لكن الرياح جائت بما لا تشتهي السفن حين داهم البلطجية بالخيول والأبل ميدان التحرير. فقد إنقلب الشعب علي مبارك بعد أن كان الكثيرون قد تعاطفوا مع خطابه باليوم السابق. وهنا يجب الإشارة إلي أن صمود الإخوان في الدفاع عن الميدان لا يعني سيطرتهم علي المشهد كما يدعي البعض, فالميدان ضم جميع المصريين بكل أطيافهم وألوانهم المختلفة.. ومن يدعي سيطرة الأخوان لا يبغي سوي تخويف الشعب بالفزاعة التي روج لها الحزب الوطني طوال حكمه يوم3فبراير كان أول يوم أشعر فيه بالخوف الحقيقي منذ إقامتي في مصر من عشرين سنة. فقد علمت بتعرض عدد كبير من المراسلين الأجانب للضرب علي يد البلطجية.. وكان من بينهم الزميل متين توران مدير مكتب تليفزيون تي آر تي بالقاهرة, والزميل جومالي أونال مراسل جريدة الزمان التركية. يوم11فبراير كان يوما مشهودا أمام الدنيا. إنتصرت فيه إرادة المصريين بعد أن أعلن مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية. فرحة غامرة إجتاحت الجماهير الغفيرة بتحرير الوطن من نظام كان قد تهاوي وتهالك. هل توقعت لمبارك هذه النهاية؟ لدينا في تركيا مثل يقول: أقتل البطل, لكن لا تأكل حقه. أعتقد أن مبارك قدم لبلاده خدمات كثيرة, وكنت أتمني أن يرحل بطريقه أفضل من تلك النهاية. كما أن الشعب المصري هو شعب أصيل وكريم الخلق, لم يكن يقبل لرئيسه هذه النهاية, لولا أن مبارك تأخر كثيرا في إتخاذ القرار السليم الذي يرضي الشعب.لقد تنحي تحت ضغط الجماهير وبعد مقتل وإصابة المئات من المواطنين. وهناك حكمة تقول: التغيير لابد أن يتم قبل أن يفرض نفسه عليك. وها هو يفرض نفسه علي مبارك وجه رئيس الوزراء التركي أردوجان كلمة للرئيس السابق مبارك يحثه فيها علي الإستجابه لمطالب شعبه.. ما هو تقييمك لخطابه خاصه أن البعض اعتبره تدخلا في الشأن الداخلي المصري؟ أردوجان وجه كلمته كصديق لرئيس دولة مصر الشقيقة التي تربطنا بها علاقات وطيدة منذ سنين طوال. ورغم انني أتفهم دوافع رئيس الوزراء التركي النبيلة وحرصه الكبير علي مصلحة مصر والمصريين, لكنني ما كنت أتمني أن يوجه هذه الكلمة حتي لا يفسرها البعض علي أنها تدخل في الشأن الداخلي لبلادكم أو يتخذها البعض ذريعة لإدعاءات وهمية بأن الأتراك يفرضون رأيهم ويطمعون في إستعادة أمجاد الدولة العثمانية. كان الشعب التركي من أوائل الشعوب المساندة للثورة المصرية وتجلي ذلك في المظاهرات الحاشدة التي شاهدناها بإسطنبول وأنقرة.. ما هو تفسيرك لهذا ؟ بخلاف العلاقات التاريخية بين البلدين, فإن وجود الأزهر في مصر كجامعة عالمية للمسلمين تخرج منها كثير من أبناء تركيا جعل لمصر مكانه خاصه لدي الأتراك أكتر من أي دولة عربية أخري. كما أن مناصرة الشارع التركي لمطالب المصريين بإسقاط نظام مبارك تأتي في أعقاب الهجوم الذي شنته الصحف التركية ضد هذا النظام الذي كان موقفه سلبيا للغاية تجاه هجوم إسرائيل علي غزة. وبسبب هذا التخازل أرسلت تركيا أسطول الحرية الذي تعرض للقصف في عرض البحر من قبل الإسرائيليين. كيف كانت مساحة التغطية الإعلامية في تركيا لثورة25 يناير؟ وما هي أهم عناوين الصحف؟ كان هناك في مصر علي الأقل عشرة مراسلين أتراك ممثلين للصحف وقنوات التليفزيون المختلفة لتغطية الأحداث. ومنذ إنطلاق الثورة كانت مصر تتصدر الخبر الأول في جميع الصحف. فنجد صحيفة( ملليت) تتنبأ بسقوط النظام المصري الذي وصفته بأنه يترنح بعد الغضب الشبابي في كثير من المدن المصرية; بسبب الفقر والظلم واليأس, وما قامت به الداخلية المصرية من تهديد للمتظاهرين, بأنها لن تتسامح تجاه أي نشاط احتجاجي. بينما ذكرت صحيفة( أقشام) إن الشعب المصري استمر في التظاهر طوال اليومين السابقين; ما يعكس جدية الشباب في التغيير, بالرغم من العنف الذي تمارسه الشرطة المصرية, مطالبين بذهاب ورحيل النظام الحالي إلي الأبد. اما( كونش) فأشارت إلي أن مصر انفجرت في وجه النظام المستمر منذ30 عاما في حكم الدولة المصرية, بينما أوضحت صحيفة( حرييت) أن الشعب المصري جاد هذه المرة في مطالبه بطرد قادة النظام خارج البلاد. وكشفت صحيفة( مللي كزته) إن الفقر والبطالة والاضطهاد والظلم هم السبب في هبة الشعب في كل مكان, لافتة النظر إلي عدم حكمة النظام المصري وتهوره مقابل الأنشطة السلمية للمحتجين. ماهو تقييمك لموقف إسرائيل وأمريكا من هذه الثورة؟ إسرائيل تخشي من أن تفرض إرادة الشعب المصري نفسها. فغالبية الشعب المصري لا تسعي لتوطيد العلاقة مع هذا الكيان غير الشرعي. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فهي تساند الثورة المصرية وغيرها من الثورات العربية لسببين: أولا, ليس من مصلحتها معاداة الشعوب العربية التي تنشد الحرية. كما أن إرساء الديمقراطية الحقيقية وتعدد الأحزاب من شأنه ضمان عدم صعود التيارات الإسلامية للحكم. ثانيا: تسعي أمريكا لإعطاء إسرائيل درسا قويا نظرا لأن الصهيونية بدأت تختلف مع أمريكا بل وتساومها بورقة الصين وأوروبا. بعد مضي شهر تقريبا علي إندلاعها, كيف تري مستقبل الثورة المصرية؟ أنا متفائل جدا بهذه الثورة. ولدي شعور قوي بأن الشباب الواعي الذي قادها سوف يخلق مصر جديدة لها شخصيتها الدولية المستقلة, وسوف يعيد لمصر دورها الريادي لقيادة العالم العربي. ربما تكون هناك مخاوف من ثورة مضادة لكنها لن تفلح في ظل وحدة صف الجيش والشعب معا. الحرية لا تأتي بين ليلة وضحاها وإنما لابد من تقديم تضحيات.لا شك أن الشعب المصري إسترد حريته وكرامته ولن يقبل عنها بديلا