لازال فيض شهداء ثورة25 يناير يتدفق من كل صوب, الشهداء الذين لم توثقهم الأحداث أو وزارة الصحة أو الإعلام, يأتي ذووهم تباعا لتوثيق يوم استشهادهم وفي كل شهادة توثق.هناك قصة. والدة الشهيد محمد يوسف سيد حسين 17 سنة من حي شبرا جاءتنا مستغيثة, يبدو عليها الغلب, وقهر الفقر الذي نهش جسدها النحيل, تقول والدة الشهيد: يوم 28 يناير كانت الشوارع في حالة زحام شديد بالمتظاهرين والفوضي في كل مكان خرج ابني محمد وأخوه أحمد الأصغر منه 15 سنة مثل بقية الشباب ليشاهدوا مايحدث وبعد مدة حضر محمد إلي المنزل وهو يسأل عن أخيه أحمد, فقلت له أنني لا أعلم عنه شيئا, فانقبض قلب محمد, وشعر بالخوف علي أخيه, وخرج مسرعا للبحث عنه في المناطق التي تشتعل فيها المظاهرات, بدأ القلق يساورني ولكني لم أكن أعرف ماذا أفعل ولا أملك سوي الانتظار, وبعد مدة أحسستها دهرا طويلا, حضر بعد الناس الذين لا أعرفهم, وأخبروني أن ابني محمد قد أصيب وأنه في مستشفي كوتشنر الحكومي الموجود في شبرا, وأن اصابته خطيرة, فقد تلقي رصاصة قاتلة في مؤخرة رأسه خرجت من عينيه, ذهبت مسرعة إلي المستشفي أبحث عن محمد, ابني محمد الذي خرج باحثا عن أخيه الصغير عاد أخوه وهو لم يعد, وهناك قالوا لي أنه في العناية المركزة, لكنه ميت اكلينيكيا لم أصدق, كنت مصرة علي رؤيته, وحينما شاهدته لم أعرفه, لأن معالم وجهه تغيرت, وقال لي الأطباء أن محمد مات ولم أصدقهم وكنت ابكي بشدة ولا أعرف ماذا أفعل, ويوم2/3 أي بعدها بخمسة أيام توقف قلب محمد ومات. تقول الأم الباكية: إبني هو العائل الوحيد لأسرته, فهو يرعاني ويرعي والده وأخوته لأنه اكبرهم سنا, وكان ينوي تجهيز أخته التي تستعد للزواج. وتتساءل الأم التي جاءت بعد أن ضاق بها الحال: من يرعي أخوته ومن يعيل هذه الأسرة المعدمة؟ والده لايملك سوي مرتب لايتجاوز 300 جنيه, ومحمد كان يعمل باليومية وليس لدينا دخل آخر ولانملك شيئا واخوته في المدرسة. وتضيف الأم: سمعنا من الناس أن هناك معاشا لأسر الشهداء أقرها المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وقال لنا أولاد الحلال أن نذهب إلي وزارة المالية لصرف هذا المعاش, وعندما ذهبنا قالوا لنا أنهم ليسوا جهة الاختصاص, ونصحونا بالذهاب إلي تأمينات الألفي, وهناك طلبوا منا أوراق ثبوتية تتعلق بشهادة الوفاة والتقرير الطبي وصورة عن تصريح الدفن وخلافه, أخذنا هذه الأوراق وذهبنا بها إلي الموظف المختص, غير أنه فاجأنا بالقول أن مثل هذه الأمور تأخذ وقتا, وأنه حتي الآن لم يتم صرف شيء لأي شخص, وحينما سألته عن الإعانة العاجلة التي تصرف لذوي الشهداء قال الموظف: إنت بتصدقي الكلام ده.. ده كلام جرائد, قلت له: الناس تأكل منين, قال اذهبي واشتكي للقضاء.. فقلت الأمور غير مستقرة فكيف اشتكي ولمن أذهب, فقال: لا أعرف. تضيف الأم: خرجت من عنده ودلني بعض الاشخاص علي أحد المسئولين هناك وعندما قابلته وشرحت له الحالة, ذهب للموظف, وطلب منه عمل اللازم غير أن الموظف قال له أن هذه الأمور بتأخذ وقتا, ولما لم أجد جدوي من الحديث قررت الحضور هنا لأنشر مشكلتي وأعرضها علي العلن, خاصة وأن الأبواب جميعها أغلقت في وجهي ولا أدري ماذا أفعل بعد أن قال الموظف في التأمينات أن المعاش والتعويض لن يتم صرفها الآن بل بعد انتخاب الرئيس واستقرار الوضع في البلاد, وهذا يعني أن ننتظر ستة أشهر وربما أكثر, وفي هذه الأثناء ماذا نفعل نحن المعدمين؟ ومن يصرف علينا بعد أن استشهد معيلنا, والدنيا أسودت في وجوهنا.. والسؤال الآن: ماذا تفعل هذه الأسرة في ضوء وعود لم تتحقق بعد, رغم أن قيادة الجيش أمرت بصرف معاش قدره 1500 جنيه, وتعويض 50 ألف جنيه لكل عائلة شهيد. الأم المكلومة التي فقدت معيلها تستغيث بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة أن ينفذ وعوده بعيدا عن الروتين الذي لن يوصلهم إلا لمزيد من الضياع, ويدخلهم في دوامة لن تنتهي من البيروقراطية.