الحديث عن المكاسب التي تجنيها مصر من وراء ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 لايمكن حصرها, لأنها تتحقق علي مدي الساعة, فالثورة المصرية الحالية لاتشكل مرحلة تحول لمصر وحدها تتفاعل معها المنطقة العربية, بل والعالم بأثره بات متأثرا, بشكل أو بآخر بما يجري علي أرضها وكيف لا وهي أول دولة وأول حكومة عرفها التاريخ. والمكاسب والمزايا, التي لاتنحصر في ذكاء شباب الثورة ووعي شعبها في معالجة المستجدات والتفاعل مع التحديات في الداخل والخارج بادراك ويقظة وحساب حجم المخاطر عند القرار فقط, بل تتعاظم هذه المكتسبات في تدارك ظاهرة مصرية قديمة متوارثة وهي هدم كل ماهو قديم حتي نبني الجديد بشكل يليق بالمرحلة الجديدة والمستقبل المقبل, وهي ظاهرة سلبية علي اطلاقها واذا لم تتخلص منها الثورة وتتدارك مخاطرها فاننا سنخسر الكثير. من المؤكد ان التخلص من الرموز السلبية القديمة أمر لانقاش حوله, خاصة أن تلك الرموز أعاقت النمو الطبيعي لمصر لفترة زادت علي أربعة عقود مضت, فلم تبدع شيئا إلا التخلف, ولم تترك لنا إلا الديون ووضاعة الحياة, بل نجحت في أن تجعل من مصر الغنية بأبنائها ومواردها وثرواتها وموقعها مثلها مثل إحدي دول افريقيا الوسطي المجهولة والمتخلفة, ولكننا نتحدث عن ظاهرة القضاء العشوائي علي كل مايرتبط بالعهد أو الحقبة السابقة, وكأننا مع كل فترة تحول أو ثورة لابد أن نمر بفترة تغيير جلد البلاد وهو مايشكل خطورة علي عافيتها في الحاضر والمستقبل معا. هذه الظاهرة تلازمت مع التاريخ المصري القديم والحديث بلا انقطاع, فعند كل فترة حكم جديدة وعهد قادم تبدأ معه مرحلة الهدم لكل قديم, وتوجه أو تهدر الكثير من الطاقات والموارد لهذا الهدف الذي يحدث بشكل تلقائي, والتاريخ الفرعوني للآسر الحاكمة مفعم بروايات الهدم وعمليات التخلص من الماضي, والقضاء علي تركة ماسبق, وأيضا يذكر لنا كيف قضت ثورة1952 علي كل ماسبقها بلا استثناء وكأنه نوع من الوباء لابد من تطهير البلاد منه, حتي بعد هذه الثورة لم تنج مصر من عمليات هدم همت بها كل ادارة في نظم الحكم بدءا من نجيب, الي مبارك, مرورا بعبد الناصر والسادات بلا استثناء, وتحملت البلاد مساوئ مادية وأدبية من جراء عمليات التحطيم والإهمال والهدم, وكان الهدم هو مسوغ الثقة الرسمي في كل الادارة الجديدة. في يقيني ان محاكمة الرموز والأشخاص وكل من تسبب في سرقة ونهب ثروات مصر مسألة لاتحتمل النقاش, وهي عملية لابد أن توضع في صدارة عمليات التصحيح, باعتبارها من الوسائل الناجزة التي تمهد الطريق أمام الثورة لكي تطهر البلاد من الفساد, وان تتم بسرعة وبحسم, وفي الوقت الذي نسعي ونجتهد في تعقب الفاسدين باعتبار ذلك ضرورة وطنية فاننا لابد وأن نفرق وان نضع حدا فاصلا بين رموز وأركان الفساد, وبين أي مكتسبات أو أصول لكيانات علمية أو اقتصادية تم انشاؤها وبناؤها بأموال مصر وثرواتها وجهود أبنائها, أي أن استكمال تلك المشروعات مهمة وطنية مقدسة, وفي نفس السياق فان إهمال تلك المشاريع يعد تقصيرا متعمدا في حق الوطن, لأن اهمالها هو نوع من التخريب البطئ, ومازالت ذاكرة الأمة تتذكر ماحدث لمشروعات مثل مشروع القرش الخاص بالتكافل قبل الثورة علي سبيل المثال, وبعدها مشروعات مديرية التحرير ومنخفض القطارة, والوفاء والأمل وغيرها, حيث أصبحت أماكن هذه المشروعات أطلالا تتحدث عن سوء الإدارة والإهمال المتعمد ليس للمشروعات فقط ولكن اهدارا متواصلا لثروات الوطن. نريد ان نتعلم من الماضي, فلا وقت لإهدار المزيد بعد الفرص الضائعة, ففي الوقت الذي تحقق فيه الثورة الآمال لجميع الأجيال بغد مزدهر لتعيد لمصر مكانتها الحقيقية بين الدول فائقة التحضر, فإننا ندرك أن هناك جانبا آخر نستعد لسداده وهو النزيف اليومي لتوقف عجلة الاقتصاد المصري, وهو نزيف قدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بإجمالي خسائر محققة في قطاعات الصناعات التحويلية والتشييد والبناء والسياحة نتيجة الأحداث الأخيرة بلغت أكثر من10 مليارات جنيه تقريبا, شاملة إلغاء الحجوزات وانخفاض أجور العمالة في القطاع السياحي حتي الخامس من فبراير2011 واذا علمنا أن هذه القطاعات تشكل مانسبته نحو50% من القطاعات الاقتصادية في مصر فاننا نتحدث عن خسائر تتجاوز20 مليار جنيه حتي أوائل فبراير الحالي, بمعني أننا في أمس الحاجة لكل مشروع أو كيان أو مجهود لكي ننقذ الوطن من براثن التخلف. نعلم أن أحد أهم مزايا الثورة الحالية هو حالة التناغم والحوار المجتمعي بين جميع أطياف المجتمع, وهو مايدركه بشكل جيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة وخاصة حواره مع مختلف الاتجاهات والتيارات الفكرية, مما يشجع علي امتلاك لحظة النصح المخلص لكي نتفادي تكرار ظاهرة تحطيم والتيارات الفكرية, مما يشجع علي امتلاك لحظة النصح لكي نتفادي تكرار ظاهرة تحطيم المشروعات السابقة باعتبارها مشروعات بائدة, فلابأس من التحقيق النزية حول مدي اهمتيها, ولكن لا ننس حق الوطن في تلك الكيانات او المشروعات, وعلي سبيل المثال هناك مدينة علمية في الساحل الشمالي, أو جامعات لاصلة لها يدور في السياسة, أو المتاحف تحمل اسماء العهد السابق وغيرها من مشروعات ومكتسبات يمكن تغيير فقط مسميات واسمائها, فقط لانملك ترف اعادتها من جديد او اهمالها حيث الامانة تقتضي الترفع عن المسميات لمصلحة الوطن. واذا كنا في الماضي نملك ترف التخلص من القديم, والحمد لله فان الهرم مازال باقيا واننا لم نهدم الهرم, فاننا اليوم وبعد عقود من الركود لانملك هذا الترف لاننا بحاجة للوقت وايضا لكل الموارد والجهود المخلصة.