تبرز عظمة الرسول صلي الله عليه وسلم في تربية الصحابة في أنه وهو الأسوة الحسنة, كان يغرس في نفوسهم الدستور الرباني ومنحه السامية, وما تحمله من مفاهيم وقيم صحيحة, وكان الصحابة يتأثرون بدروس, ويحرصون علي الالتزام بتوجيهاته الحافلة بتزكية الروح. وتنقية العقل, وتقويته لإعداد شخصية إسلامية ربانية, عزيزة كريمة شامخة متوازنة, متدفقة بالعواطف النبيلة.. وقد نجحت تربيته في تحقيق أهدافها, حيث اعتمدت علي الإيمان ومكارم الأخلاق, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والحث علي تدبر ما في الصلاة والزكاة والصيام والحج من معطيات جليلة, ومنن كريمة, ونفحات هادية, وخير كثير, ترتاح به النفس, وتملك القوة الدافعة لفعل الطيبات, والابتعاد عن الخبائث والمنكرات, والتحلي بمراقبة الله عز وجل ورعاية حدوده, والتغلب علي نوازع الهوي, ومجاهدة النفس وغير ذلك. ** ولا ريب في أن منهج الرسول صلي الله عليه وسلم في تربية أصحابه مستمد من عند الله, وفيه تشريع خالد, يحكم حياة المسلمين, ويبث كل الفضائل, ويجعلها شاملة لجميع وراحي الحياة, فهو المعلم العظيم في حسن الخلق, قال تعالي وإنك لعلي خلق عظيم, وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه, فقال: كان خلقه القرآن. إن سيد المرسلين جعل تربيته لأصحابه شاملة شافية, وأصبح القرآن المجيد والحديث الشريف هما السراج لكل مستهد, والإرشاد لكل مسترشد, وتولت تربية ضمائرهم وأخلاقهم وعقولهم.. وتلك التربية السامية لم تغفل أبدا عن تعظيم عقيدة التوحيد, وإجلال الإيمان بالله, لأنه حق, وفي كنفه تسعد مسيرتهم البشرية علي الأرض, وترشد في موكب الدين الحق.. والإيمان يوجب تنزيهه عن كل ما يليق به ووصفه بما وصف به نفسه, ووصفه به سيد المرسلين. أما الأخلاق الرفيعة في تربية الصحابة, فكانت تدعو دائما إلي وجوب طاعة أوامر الله سبحانه, واجتناب نواهيه, وأن يكون المسلم مع الآخرين ملتزما بالصدق والأمانة والتراحم والتعاطف والبر والتواضع, متشبثا بالإيثار والعفة وحسن المعاشرة وأداء الواجب والاعتراف بحق كل ذي حق, ليكتسب الثبات والرشد, والترفع عن بواعث الهوي, ويحظي بالارتقاء في سلم الكمال الخلفي.. ولم تقف التربية عند هذا الحد, فهي تطالب بالتمسك بالصبر علي المصائب, وعدم الانحراف عن النظام, والاتقان في العمل والإخلاص, والرفق بالأحياء غير العاقلة, ومعاملها بما أوصي به المصطفي صلي الله عليه وسلم بعيدا عن القسوة, وتحميلها فوق طاقتها واتخاذها غرضا. وبهذه الدروس الغالية أدرك صحابة الرسول أن الإيمان مصدر كل خير, وأساس كل نعمة.