صدق أو لا تصدق.. ضباط شرطة يقفون ضد الفساد ويحاربونه, ولماذا لا نصدق؟! والله ممكن..لاشك أن الكتابة عن ضباط الشرطة حاليا تبدو كالسير علي حبل مشدود. غالبا ما يسقط القائمون به في بحر الاتهامات المتلاطمة, لكن الأمانة تقتضي أن نقوم بنقل الواقع كما هو, والدفاع عنه والترويج له إذا كان ينطوي علي ما يبشر بخير. مبدئيا لابد أن ننطلق أولا من قاعدة أننا جميعا بشر نخطيء ونصيب, وأن التعميم بالخير أو الشر ليس واقعيا, بل لعله ليس موضوعيا أو علميا. وثانيا لابد من الاشارة إلي التاريخ الطويل لضباط الشرطة في الأعمال القذرة, المهينة, فضلا عن الممارسات اليومية المعتادة في السب والصفع والركل والجلد, بالاضافة بالطبع إلي التعليق أو الصعق بالكهرباء. وإزاء هذه القواعد وذلك التاريخ, فإننا نحتاج إلي أن نتفهم تماما أسباب الرفض الشعبي الحالي لضباط الشرطة, وإعراض المواطنين عن أي محاولات للتقريب بين الجانبين.الشرطة والشعب, كما نحتاج أيضا إلي تأكيد ضرورة محاسبة بل محاكمة كل من يثبت تورطه في جرائم قتل أو اعتداء بأي شكل من الأشكال, لكن هذا لا يمنع الالتفات إلي أحد افرازات الثورة, وبعض ملامح مصر الجديدة التي ولدت بعد52 يناير. ما يحدث حاليا ببساطة هو أن عددا كبيرا من ضباط الشرطة الشبان قد أدركوا أن الانترنت والمواقع الالكترونية للتواصل الاجتماعي يمكنها أن تمد جسور الحوار مع الشباب, مثلها نجحت في نسج خيوط حلم الثورة وانجاحها, فلماذا لا تقود هذه المواقع ذاتها إلي انجاح حوار مجتمعي هادفين الشرطة والشعب, أو بالأحري بين الشباب في الجانبين. وفي هذا الإطار, فقد ظهرت عدة صفحات جديدة علي موقع فيس بوك مثل ضباط ضد الفساد واتحاد ضباط الشرطة وغيرها, حيث يتم من خلال هذه الصفحات إقامة شبكة حوارات مهمة, تؤدي إلي وضع ضباط الشرطة بشكل مباشر أمام كل الاعتراضات ضدهم, وأسباب الرفض الموجهة إليهم.ويقول مؤسس صفحة ضباط ضد الفساد إن الصفحةتوجه رسالة إلي شعب مصر تؤكد فيها أن الشرطة ظلت تحمي مصر وتقدم الأرواح فداء لها, وتختتم الرسالة بالقول: إننا كباقي شعب مصر ضحية نظام فاسد نحن أسعد الناس برحيله, لا تظلموا آباءكم ولا اخوانكم, فنحن لسنا من بلاد أخري.. نحن مصريون. وفي صفحة ضباط شرطة ضد الفساد, كتب المقدم أحمد مشالي من مصلحة الأحوال المدنية مخاطبا زملاءه الضباط قائلا: إلي كل زملائي ضباط الشرطة الشرفاء, لقد احترق جهاز الشرطة بسبب بعض القيادات الفاسدة التي تقوم بإبعاد الشرفاء من مناصبهم ورعاية الضباط الفاسدين, والآن علينا إعادة الصورة المثالية لجهاز الشرطة وعدم إطاعة أمر أي قيادة فاسدة. وعلي الجانب الآخر, يقوم الشباب باخراج كل ما لديهم من أسباب للاعتراض ومناقشتها وتصل اعتراضات الشباب إلي حد المطالبة باخضاع ضباط الشرطة للعلاج النفسي, حيث تقول مروة شلش: النفسية النرجسية لسه موجودة عالجوهم نفسيا وبعدين نتفاهم, ويقترح أحمد تغيير زي الشرطة لأنه أصبح مستفزا, ويطالب بتسريح كل أمناء الشرطة وما دونهم. وفي سياق آخر, يشكل أحمد أبو غابة في صدق دعوة الضباط للحوار ويقول: مش عارف أصدقكم بجد ولا دي اشتغالة. وعلي أي حال إن حوارا جادا آخر يدور علي ألسنة شباب عديدين, حيث يطالب الكثيرون بمحاكمة كل شرطي ارتكب جريمة قتل كبداية للحوار, ويقول علي عيسي بوضوح:لو أنهم فعلا ضد الفساد أبلغوا عن عناصر الشرطة التي قتلت المتظاهرين العزل. أما رنا المصري فتخاطب الضباط قائلة: الثقة التي بين الجانبين انتم اللي هترجعوها مش احنا لما نلاقي ضباط شرطة محترمين مش بيشتموا أي حد ويحترمونا, ويطالب آخرون من الضباط التواضع واحترام الشرفاء في الشارع والرفق بهم, بالاضافة إلي المعاملة الحسنة في أقسام الشرطة بالطبع. وفي اقتراح جريء, يطالب أحمد توفيق الضباط بالمشاركة في مظاهرة شباب52 يناير اليوم الجمعة في ميدان التحرير, مرتدين الزي الرسمي للشرطة للاحتفال بالثورة مع الشباب, ضمن ما يمكن تسميته بيوم التصافح بين الشعب و الشرطة. باختصار.. لقد بدأ الحوار بالفعل بين الجانبين ومن السهل إدراك وجود نوايا حسنة لدي الشباب من رجال الشرطة فلماذا لا يتم استغلال ذلك, ووضع كل الملفات علي الطاولة لبحثها وإعادة فتح ملف جديد في العلاقة بين الجانبين, وهو ما تستحقه مصر الجديد, مصر ما بعد الثورة التي تغيرت كثيرا. وبقي أن نسهم نحن جميعا في تحسين أوضاعها وعلاج أوجاعها.. لأنها تستحق! moc.liamtoh@rioohs