لم يمهل القدر د. احمد عبدالله رزة ليري ثورة الشباب التي حلم بها طويلا الي أن أصابه اليأس. فقد رحل عن عالمنا معتقدا ان شباب مصر سلبي خانع, وان شعبها بات كما مهملا. كانت تجربته في انتخابات مجلس الشعب عام2005 محبطة ومؤلمة. . خاض هذه الانتخابات في دائرة كان قد ملأها نشاط مع الشباب ومن أجلهم لسنوات طويلة. ولكن سطوة المال الانتخابي وقوة التزوير هزمتاه. فكانت صدمته هائلة بحجم النتائج التي افصحت عنها صناديق اقتراع لايمكن أن تنطق لغة الحق في ظل التسلط والظلم والفساد. لم يستوعب رزة ان يخذله الشباب مهما كانت الظروف, وهو الذي قاد ثورة طلابهم عامي2791 و3791 من أجل تحرير الوطن والمواطن, وآمن بقدرتهم علي ان يحققوا مثل ما أنجزه جيل أواخر الستينات وبداية السبعينات في الجامعات المصرية. وبالرغم من أنه رحل متشائما ومستبعدا إمكان نشوب ثورة52 يناير ناهيك عن انتصارها, فقد كان هو احد صانعي التراكم الثوري الذي سبقها. لم يكن د. احمد رزة وحده الذي ساهم في صنع هذا التراكم ولم يقدر له أن يشهد ثورة52 يناير التي ساهم في صنع تراكم ادي اليها. آخرون في جيله واجيال اسبق رحلوا ايضا قبل نشوبها, بينما اسعد الحظ بعضهم مثل الشاعر المناضل احمد فؤاد نجم الذي ملأت اغانيه التي انشدها رفيق دربه الشيخ إمام عيسي ليالي الثورة في ميادين التحرير والاربعين والمنشية وغيرها نورا وحماسا. حلم الشاعر والشيخ كثيرا بهذا اليوم الذي اشرقت شمسه في52 يناير غني الشيخ لاحمد رزة ورفاقه امام أبواب سجن القلعة. أنا شفت شباب الجامعة الزين أحمد وبهاء ولطفي وزين. وظل الشباب محورا رئيسيا في اعمال هذا الثنائي الثوري( نجم وإمام) إلي أن افترقا في مرحلة كان اليأس قد غلبهما وغيرهما فيها. كان الفاجومي يبحث عن الولد الذي كشفت ثورة52 يناير ان مصر مليئة بمثله. ولكنهم لايظهرون إلا في اللحظة التي تكتمل فيها مقومات التغيير. فقد كتب: مصر الحبيبة الطيبة أم البنية والبنين إيش حالها في عز الصبا إيش حال ولادها المخلصين البلد عاوزة ولد ياخد بتار المظلومين ولد يعوض اللي راح ويعلا فوق كل الجراح وربما يكون معني الارتفاع فوق الجراح اختلف الآن, في لحظة تشهد روحا جديدة يمكن ان تنتشر في ظلها ثقافة قبول الآخر بغض النظر عن الخلاف معه, والحوار الحر والتسامح, وان تفرز تقاليد المساءلة والمحاسبة وتغيير الحكام وتداول السلطة. كان الفاجومي ينادي الولد الذي ملأ ملايين منه أرجاء مصر في الأيام الماضية ويقول: فيكم ولد ياسامعين طيب هو فين وهو مين ياابن البلد.. ياابن البلد أجدع ولد ابن البلد الوقت وقتك ياولد ولعله فوجئ بأن هذا الولد ينتمي الآن إلي مختلف فئات المجتمع وشرائحه, وليس فقط تلميذا من التلامذة الذين كانوا هم الاولاد الجدعان في بداية سبعينات القرن الماضي عندما كتب اغنية رجعوا التلامذة عام2791: رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تأني يامصر انتي اللي باقية وانتي قطف الأماني وقد وصف التلامذة بانهم ورد الجناين الذي ألقي عليه السلام قائلا: صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر صباح الخير علي ولادك صباح الياسمين والفل تعيشي ويفنوا حسادك ويسقوهم كاسات الذل وهكذا كان الشباب هم رهان الفاجومي في قصائده التي دبت فيها الحياة من خلال الحان واداء الشيخ إمام وحماس الطلاب وغيرهم ممن تفاعلوا معها, وكان الشباب هم الذين غني لهم: قال الشباب المداوي شقشق يانور الصباح تظهر اصول البلاوي تظهر عيون الجراح يخضر عود الاغاني يسري العبير في الجراح وفي هذه الاغنية( غنوة للشباب) يقول ايضا ما ينطبق علي اللحظة الراهنة, وكأنه كتب من قلب ثورة يناير وتعبيرا عنها: هلي ياشمس البشاير طابت وآن الأوان طلي وحلي الستاير مصر الشباب العزيزة قامت وكان اللي كان وفي الاتجاه نفسه, كان الشاعر الكبير سمير عبدالباقي يكتب والفنان الراحل عدلي فخري ينشد كلماته سعيا الي مصر الفتية أو الشابة التي تولد الآن: إملي قلبك بالشجاعة وارجعي مصر الفتية واصرخي بصوت الجواعي لا مصر بدون الحرية يامصر الحرية يا مصر الحرية كان حلم عبدالباقي وفخري مرتبطين بالشباب فتيانا وصبايا, وإن بدرجة اقل من حلم الفاجومي والشيخ امام الذي راهن علي الاجيال الجديدة. ولذلك كتب عبدالباقي في قصيدة( باحلم بك يابكرة): باحلم بك يابكرة في عيون الصبايا تمسح دمع عيني وتغسل آسايا فالشباب في شعر عبدالباقي وفن فخري يتقدمون الصفوف دائما وفق ما يشي به نبض السنين: أنا الولاد أنا البنات أنا التلامذة.. التلميدات أنا الرجال السهرانين عالمكن والموتورات أنا تاريخ نبض السنين عمري ما يغلبني الوت وهكذا كان للاغنية الوطنية الديمقراطية الاجتماعية التي نشرت الحلم بمصر جديدة يصنعها شباب حر مقدام أثر مهم في التراكم الثوري الذي تتوجه الآن ثورة52 يناير. تبدو هذه الثورة كما لو انها اخر الصبر الطويل الذي تساءل الفاجومي عنه قائلا: إيه اخر الصبر ياشيخ ايوب لامتي الحر يبات مغلوب كانت هذه الاغاني هي عيون الكلام التي تضرب جذورها في اعماق تاريخ المصريين عبر الفيات عدة تعيدنا إلي مواقف الفلاح الفصيح في الالف الثالثة قبل الميلاد. لم تكن عيون كلام الفلاح الفصيح مجرد شكاوي, بل كان فيها تعبير حر باللغة الهيراطيقية عن مغبة الظلم وغياب العدل واحتكار الثروة وشيوع القهر. وقد يستهين كثير منا بعيون الكلام التي لايبقي غيرها حين ينتشر الظلام. ولكن الفاجومي لم يستهن بها حين كتب: إذا الشمس غرقت في بحر الغمام ومدت علي الدنيا نور الظلام ومات البصر في العيون والبصاير مافيش لك دليل غير عيون الكلام وقد ساهمت عيون الكلام فعلا في التراكم الذي انتج في النهاية ثورة52 يناير التي أثبتت مرة أخري ان مصر تظل شابة مهما شاب الزمن: مصر يامة يابهية ياأم طرحة وجلابية الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية جاية فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل ومية يابهية المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد