بقلم جمال زايدة هذا المقال أهديه الي تلك السيدة العظيمة التي أبكتني حزنا علي شبابنا الذين اخترقت صدورهم رصاصات الشرطة بكل قسوة فصنعوا منهم شهداء الي كل أم فقدت وليدها في ثورة العزة والكرامة.. لا تحزني. الي كل أم قدمت شهيدا من أجل أن يظل هذا الوطن مرفوع الرأس والهامة.. لا تحزني. الي أسر الشهداء جميعا.. مصر تشعر بآلامكم.. مصر فخورة بكم. لم يقصد شباب52 يناير أن ينتحروا. لم يلجأ الشباب الي العنف حتي اللحظة الراهنة. أثاروا إعجاب العالم والدنيا كلها بتحضرهم في التظاهر السلمي وقف زعماء العالم كله يشيدون بتوق وشوق المصريين جميعا الي الحرية والديمقراطية. وقفت الشعوب العربية منبهرة في حالة إعجاب ودهشة: نعم هذه هي مصر التي طالما أعجبنا بها.. هذه هي مصر التي طالما قدمت لنا النموذج والقدوة في الحضارة والعلم والأخلاق والإنسانية منذ فجر التاريخ. كان الناس يتندرون عند الحديث عن حضارة مصر القديمة.. ولطالما تحدث كثير من المثقفين عن حالة انقطاع في التاريخ بين مصر الفرعونية ومصر الحديثة. وفات هؤلاء أن التاريخ موصول.. متصل.. لا يمكن قطعه.. ومنه استمد شباب52 يناير هذا الزخم الممتليء بالقيم رفيعة المستوي. المصريون أنفسهم اندهشوا من السلوك الحضاري السلمي الذي أدار به الشباب احتجاجاتهم وثورتهم. فجأة ظهر النور من قلوب وعقول هؤلاء الشباب الذين ظنوا أنهم هناك في ركن ما غير مبالين. لم يدرك هؤلاء حركة التاريخ للأسف الشديد هؤلاء لم ينتموا الي أي من التيارات السياسية الموجودة في الشارع السياسي.. لم ينتموا الي الإخوان المسلمين.. لم ينتموا الي التيار الناصري.. لم ينتموا الي الشيوعيين.. لم ينتموا الي ذلك الحزب الورقي الهلامي الذي أنهار الحزب غير الوطني غير الديمقراطي الذي مثل قمة صناعة الفساد في مصرنا المعاصرة.. وانما انتموا الي مصر العظيمة.. بشوارعها العتيقة.. واحيائها المعبقة بروح التاريخ.. ومدنها المعطرة بالقيم الجميلة.. وريفها الرائع بناسه. لم يجدوا أنفسهم في هذا الهراء السياسي.. وذلك النفاق.. وتلك المساومات الرخيصة القائمة علي مجموعة مصالح تافهة يحصلون عليها مقابل أن يبقوا في السلطة.. ومقابل أن يقدسوا الحاكم المتسلط. هؤلاء وجدوا أنفسهم في روح الانسانية.. لقد فتحت الميديا الجديدة أمامهم آفاقا جديدة تتجاوز الوطن الي البشرية جمعاء فأخرجوا أهم ما في داخلهم.. انفجرت ينابيع من الحب والانسانية والحضارة. أن ينظم الشباب أنفسهم بكل هذا الرقي.. بالكلمات المتحضرة حيث تفتيش القادمين الي ميدان التحرير.. والاعتذار عن اجراءات التفتيش بحكم انها ضرورة لحماية كل الناس. الناس كلهم سواسية. لم أجد إخواني من المصريين المسيحيين سعداء بمثل ما رأيتهم في ميدان التحرير وهم مقتنعون بأن النظام كان هو وراء ما سمي لوقت طويل بالفتنة الطائفية.. هي من صنعهم بهدف الضغط علي بابا الأقباط.. وعلي الأقباط جميعا لضمان انصياعهم في اطار النظام الأمني للدولة الشمولية التسلطية. بالضبط كما مارس النظام ضغطه علي الإخوان المسلمين وقام بتصديرهم للغرب وإسرائيل باعتبارهم فزاعة وأنهم قاب قوسين أو أدني من القفز علي الحكم وتحويل مصر الي دولة اسلامية. لقد ظهر الإخوان كتيار سياسي ديني معتدل يدين القاعدة.. يدين العنف.. كما ظهر خطابهم الحقيقي بقبولهم للدولة المدنية وقواعدها وتقاليدها. لقد أدرك الشباب هذه الحقائق.. أدركوا أن مصر أمة عريقة لم تمارس ولن تمارس التمييز بين ابنائها.. وان النخبة السياسية الحاكمة قصدت بغباء أن تمارس التمييز بهدف إحكام الخناق علي الناس جميعا.. تراقبهم اينما اتجهوا.. في عملهم.. في مكالماتهم الهاتفية.. في علاقاتهم الاجتماعية. أدركوا أن الأمة كلها في حاجة الي تغيير فقاموا بالثورة. لقد نهضت مصر كلها واقفة ضد الظلم حينما رأت هذا الجهاز الأمني المتوحش يطلق الرصاصات علي رءوس ابنائنا بقناصة محترفين من فوق مباني وزارة الداخلية التي مثلت أحد رموز انتهاك العدالة وحرية الإنسان. لقد خرج أحد قادة ثورة52 يناير وهو وائل غنيم يتحدث عن كيف اختطفه هذا الجهاز الأمني المتوحش من الشارع وهو يسير آمنا.. كيف ظل معصوب العينين لمدة21 يوما قبل أن يطلقوا سراحه. هنا نتوقف لنقول إن مصر في حاجة الي عملية تطهير واسعة النطاق في وزارة الداخلية بهدف أن يتوقف التعذيب وانتهاك الحقوق المدنية.. المصريون لا يستحقون هذا.. المصريون يستحقون أن يعاملوا بإنسانية وحضارة. لقد ثاروا من أجل كرامتهم. لقد ثاروا ضد انتهاك آدميتهم في أقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون ونقاط التفتيش في الشوارع لقد ثاروا ضد الإهانة والاحتقار. لن يعوض الامهات الثكالي أي شيء في هذا العالم.. لن تعوض كل أموال العالم أم عن فقدان فلذة كبدها ولكن مصر قادرة علي تذكر هؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم من أجلنا. لقد اقترح البعض إقامة مسلة مصرية من الجرانيت الأبيض ينقش عليها اسماء الشهداء الذين سقطوا في ثورة52 يناير وان تحاط بالزهور الطبيعية.. وان تظل هذه المسلة شاهدا علي حرية وارتفاع قامة المصريين.. وان يحاط أسر هؤلاء الشهداء بكل العناية والرعاية اللازمة سواء كانوا في احتياج مادي أم لا. تحية إكبار واحترام لشبابنا من الشهداء.