لن يسعك إلا التعجب من هذا النظام الدقيق الذي يسود ميدان التحرير, فهناك أفراد للأمن ولجان لتفتيش الحقائب وأيضا للتفتيش الذاتي. اطلاع علي البطاقات الشخصية, والتأكد من الصور والمهنة, بتركيز شديد للتأكد من عدم حمل المواطن المتجه إلي الميدان أي آلة حادة أو قصافة أو مبرد أظافر, إذاعة داخلية ومركز طبي باعة جرائد وسندوتشات بسيطة وبلح يوزع مجانا, مجموعات مختلفة من المواطنين كل منهم يحمل لوحة عليها مطالبه ورغباته. في النهاية لقد تحول ميدان التحرير إلي مدينة صغيرة يجمع سكانها, المتباين انتماؤهم هدف واحد ورغبات محددة في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. توجهت إلي ميدان التحرير للوقوف علي الوضع فيه وبعد المرور علي عدة لجان شعبية تطلع علي البطاقة الشخصية وتفتيش الحقائب, وللعلم فالسيدات لهن طريق وللرجال طريق آخر, دخلت إلي ميدان التحرير من ناحية الجامعة الأمريكية حيث صمم علي أرض هذا الشارع عدد من اللوحات الحجرية لعلم مصر داخل قلب وعبارات أخري عديدة تم تكوينها أيضا من الحجارة تعبر عن مطالب الشعب. علي اليمين لن تستطيع أن تري الرصيف من كثرة الشباب الجالسين عليه, فهناك تقع الإذاعة الداخلية التي لا تتوقف عن النداء نريد الآن30 من الشباب المتطوعين وخمس من الفتيات للوقوف علي لجانه عند المتحف المصري, برجاء توجه بعض المتبرعين بالدم إلي مستشفي قصر العيني. علي يسار هذا المشهد يقبع مجمع التحرير في صمت تام لا تنطق جدرانه الخارجية إلا ببعض العبارات التي خطت عليها لتعبر عن مطالب المواطنين, وبالرغم من تكدس المتظاهرين حول حرم المجمع إلا أنهم لم يتخطوا السياج المفروض حول حديقة المجمع, وقد منع المتظاهرون موظفي المجمع من الدخول إليه حيث وجد بعضهم من ناحية السفارة الأمريكية إلا أنهم منعوا من الدخول, وعندما سألت مواطنة واحدة من الموظفات عن إحدي الخدمات المقدمة في المجمع وكيفية الحصول عليها الآن طلبت منها التوجه إلي العجوزة للحصول علي الخدمة التي تريدها. وفي مواجهة الإذاعة الداخلية وعلي يمين المجمع جلس المئات من المواطنين محتمين بخيام بلاستيكية مصنوعة يدويا وأرضها مفروشة ببعض البطاطين, وقد جلس الرجال والنساء والأطفال أيضا وأمام كل منهم مطالبه ورأيه, فحرية التعبير في ميدان التحرير مكفولة للجميع. وفي طريقك إلي مسجد عمر مكرم تم إنشاء ميدان رمزي من الحجارة والصور للشهداء الذين سقطوا في أثناء المصادمات. وعند مسجد عمر مكرم اصطفت طوابير الانتظار لدخول دورات المياه بالمسجد ووقف علي عدة أمتار بائع للبلح أمام سيارة أمن مركزي محروقة تماما, ويستخدمها سكان هذا الجزء من التحرير كوسيلة للنداء علي الشباب للتطوع لأعمال الحراسة, وذلك عن طريق الطرق علي صاجها المحترق بحجارة. أما علي الرصيف المقابل للمسجد من جهة اليسار فتقع مجموعة من الخيام وضعت عليها لافتة صغيرة اللجنة الشعبية لأبناء دسوق. ويغلق الطريق من ناحية السفارة الأمريكية بسيارة محترقة ومقلوبة وحواجز عديدة يقف فوقها وحولها أبناء التحرير لمنع أي اختراق غير مرغوب فيه لهذا المجتمع المنظم. حاولت الخروج من ميدان التحرير من نفس مكان دخولي إليه, ولكن عاقتني مظاهرة نسائية من بنات الفيوم انطلقت من حيث لا ندري لتطوف بميدان التحرير مرددة مطالب سكانه. استطعت الخروج من شارع قصر النيل الذي يضج بالحياة والعمل بالرغم من الأحداث الدائرة في التحرير فمعظم المحلات التجارية فاتحة أبوابها سواء كانت مطاعم أو محلات لبيع الأدوات والأجهزة الإلكترونية.