تحقيق معدل نمو اقتصادي يصل ل8% أمر حتمي ومكتوب علي جبين الاقتصاد المصري وليس اختياريا حتي يمكن توفير نحو700 ألف فرصة عمل سنويا للمنضمين الجدد لسوق العمل. وحتي يمكن استيعاب حجم البطالة الراهن الذي يقدر بنحو2,3 مليون, السؤال المحوري هو هل يمكن للاقتصاد المصري تحقيق هذا المعدل؟ الدكتور سمير رضوان نائب رئيس منظمة العمل الدولية السابق, ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب يؤكد أن الاقتصاد المصري يقف علي أرض صلبة ويرتكز علي أسس متينة تؤهله لتحقيق معدل نمو8% خلال الفترة المقبلة, ويقدم في هذا الحوار الروشتة لتجاوز التحديات, وأبرزها زيادة معدل الانتاجية حيث يتجاوز المعدل في الصين والهند3 أضعاف نظيره المصري حاليا, وذلك من خلال الارتقاء بالتعليم والتدريب, وثانيا رفع معدل الاستثمار مقارنة بالناتج المحلي من خلال تغيير النمط الاستهلاكي, وثالثا قطم وازالة العوائق أمام الاستثمار وليس نحتها, ورابعا تعميق الصناعة المصرية وزيادة القيمة المضافة مع تعميق التصنيع الزراعي, وخامسا رد الاعتبار لقطاع السياحة والتي يطلق عليها أنها بترول مصر الذي يمكن أن يدر عليها عائدا ضخما وهو بحكم طبيعته يتضمن عدالة توزيعه لجميع فئات المجتمع وبالتالي الارتقاء بمستوي المعيشة. رضوان يؤكد أن المؤشرات الدولية تصنف مصر ضمن الأسواق الآمنة والمستقرة, كما أنها تتوقع تحقيق معدل نمو اقتصادي لايتجاوز5,3% هذا العام, ويتجاوز6% العام المقبل, كما يؤكد أن هناك شهية للاستثمار في مصر, وأن حجم الاستثمارات المتوقع استقطابها هذا العام سيتجاوز10 مليارات دولار, وهي كما يقول في قبضة اليد معظمها عربية ونسبة منها أوروبية وإلي نص الحوار: * هل يمتلك الاقتصاد المصري المقومات التي تؤهله لتحقيق معدل نمو8% ؟ ** الحقيقة المهمة التي يجب أن يعلمها الجميع أن مصر لازم تحقق معدل نمو لايقل عن6% وأن يصل إلي8% سنويا, والواقع أنه رغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد إلا أنه استطاع أن يتجاوز أزمتين عالميتين, الأولي أزمة الغذاء التي واجهت العالم عام2008, ورغم أن مصر ثاني أكبر دولة مستوردة للقمح ونسبة كبيرة من المواد الغذائية, إلا أنها استطاعت أن تخرج من هذه الأزمة وتحقق معدل نمو4,7%, كما أن الاقتصاد المصري نجح في تخطي تداعيات الأزمة العالمية وأن يحقق معدل نمو6% خلال الربع الأخير من العام المالي2010/2009 ووفقا للتقارير الدولية وفي مقدمتها تقرير صندوق النقد الدولي, وكذلك تقرير الايكونمست للأبحاث الاقتصادية فإن الاقتصاد المصري يتوقع أن يحقق معدل نمو يتجاوز5,3% العام المالي الحالي, وأن يصل إلي6% العام المقبل. ويضيف أن هذه المؤشرات كلها تشير إلي إن الاقتصاد المصري يقف علي أسس صلبة وفي استطاعته تحقيق معدل نمو8%, خاصة أن هذا المعدل مفروض علينا وليس اختياريا. * إزاي؟ ** لأن التركيبة الديموغرافية بمصر تجعل معدل النمو في قوة العمل أعلي من معدل النمو السكاني, حيث يصل الأخير1,9% مقابل3 إلي3,5% معدل نمو سوق العمل بسبب الهرم السكاني حيث أن القاعدة الكبيرة من صغار السن, مما يسمي في دراسات سوق العمل البروز الشبابي وهو دخول عدد كبير من الشباب في سوق العمل فجأة, وهذا العدد يتراوح مابين650 ألفا إلي700 ألف سنويا المنضمين الجدد لسوق العمل, إلي جانب نحو2,3 مليون شخص في عداد البطالة وفقا للأرقام الرسمية. وهذا مايجعلني أقول أن معدل8% هو حتمي, وإن معدل6% نمو اقتصادي سنويا هو الحد الأدني لاستيعاب فقط الداخلين الجدد لسوق العمل. * بعض الاقتصاديين يرون أن الزيادة السكانية هي الشماعة التي نلقي عليها مشاكلنا.. ما رأيك؟ ** ليس صحيحا هذا الأمر, والسبب بسيط فالدول التي لديها زيادة سكانية مثل الصين, والهند, والبرازيل كلها يختلف وضعها مقارنة بمصر, لأن معدل انتاجية الفرد لديها تتجاوز كثيرا هذا المعدل بمصر, فمثلا بالصين يصل3 أضعاف وكذلك الهند, والأمر كذلك بنسب مختلفة بالنسبة للبرازيل وجنوب إفريقيا وكلها يزيد معدل انتاجية الفرد لديها مقارنة بمصر. وبالتالي المطلوب هو تطوير التعليم والتدريب لرفع الانتاجية في مصر, والتعامل معها بكفاءة وسرعة للتعامل مع التحديات وتجاوزها واستثمار الفرص لتحقيق الانطلاقة الاقتصادية. * وماهي أبرز هذه التحديات من وجهة نظركم ؟ ** رفع معدل الاستثمار بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي من19% حاليا إلي25%, وهذا أمر ليس صعبا وهو تحد معروف منذ سنوات, والتعامل معه يتطلب خطة محددة لتغيير النمط الاستهلاكي الحالي الذي يفوق قدرة الاقتصاد المصري, ويفوق ايضا قدرة الفرد المصري الذي يستهلك أكثر كثيرا من قدرته الانتاجية, والاعلام مطلوب ان يقوم بدور أساسي في هذا الأمر لتغيير نمط التفكير والاستهلاك. وأشير هنا إلي أن معدل الاستثمار في الصين يصل إلي42% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. * وهل مناخ الاستثمار بمصر علي قدر كاف من التنافسية لاستقطاب الاستثمارات؟ ** هذا هو التحدي الآخر, حيث ان هناك نوعين من العوائق التي تواجه مناخ الاستثمار بمصر ويجب التعامل معها بالقطم كما يقولون في الخارج وليس النحت, النوع الأول يتضمن3 عوائق أولها تعدد الولاية علي أراضي الدولة مما يعوق الاستثمار, ثانيا صعوبة الحصول علي التراخيص حيث نجحت هيئة الاستثمار في اختصار فترة تسجيل المشروعات إلي72 ساعة ولكن استخراج التراخيص لا يزال صعبا, وثالثا ضرورة تنظيم الخروج من السوق من خلال قانون الافلاس الذي ينظم هذه العملية خاصة في حالة توافر أسباب موضوعية. أما النوع الثاني من العوائق فيتعلق بالثقافة السائدة في المجتمع والتي ترسم صورة سيئة للقطاع الخاص بشكل عام, والمفروض أن تكون هناك رقابة جيدة وتتمتع بالكفاءة علي أداء القطاع الخاص, ولكن يحصل علي حقوقه, ويقوم بواجباته كاملة. وهذا الأمر موجود في جميع الأسواق وهو ما أكده الرئيس الأمريكي أوباما عندما سئل عن رقابة الدولة علي النشاط الاقتصادي, قال بوضوح.. نعم الاقتصاد الحر يجب أن يخضع للرقابة, وليست الرقابة هنا بمعناها البوليسي, ولكن الرقابة بمعناها الحديث. * هذا أمر مهم.. هل يمكن أن تضمن كفاءة أداء الاقتصاد الحر وحركة السوق بدون محددات وقواعد منظمة وحاسمة؟ ** بالتأكيد يجب أن تكون هناك قواعد وضوابط مثل كل الأسواق, بحيث تضمن كفاءة حركة السوق وتمنع الممارسات غير المنضبطة التي تضر بحقوق المستهلك وكذلك تكبل الأداء الاقتصادي. * ولكن في ظل هذه التحديات ماهي الفرص الواعدة لجذب الاستثمار الأجنبي؟ ** الاقتصاد المصري يمتلك مقومات لجذب الاستثمارات العربية والخارجية, فالسوق المصرية تصنف من جانب المؤسسات الدولية بأنها آمنة ومقصد آمن للاستثمار الأجنبي, وهناك شبهة لدي دوائر الاستثمار العربية للتدفق إلي مصر, وهذا ليس لسواد عيوننا ولكن لأن الاستثمار بالسوق المصرية يحقق عائدا مجزيا وآمنا, خاصة بعد الاستنزاف والخسائر التي تكبدتها هذه الأموال في الأسواق الخارجية بسبب الأزمة العالمية. وأكاد أقول إنه في شبه المؤكد استقطاب10 مليارات دولار استثمارا أجنبيا هذا العام, وهي تكاد تكون في قبضة اليد, معظمها من الدول العربية خاصة قطر وليبيا والخليج, ونسبة منها من أوروبا. * وماهي الفرص الاستثمارية الجاذبة لهذه الاستثمارات؟ ** هناك فرص حقيقية, في مجال البنية الاساسية لدينا فرص ضخمة خاصة بنظام المشاركة بين القطاع العام والحكومة والقطاع الخاصPPP وأعتبر هذا النظام سر الانطلاق خلال السنوات العشر المقبلة, خاصة أن قمة لندن أعتبرت هذا العقد عقد الاستثمار في البنية الأساسية في العالم كله وقدرت حجم الاستثمارات المطلوبة في هذه المشروعات900 مليار دولار سواء في الدول المتقدمة التي تحتاج تحديث بنيتها الأساسية أو البازغة التي تحتاج إلي إقامة بنية أساسية ملائمة للنهوض والتقدم. ولدي مصر مشروعات واعدة خاصة في حالة تنفيذ مشروع ممر التنمية, القطاع الثاني الذي يمتلك فرص واعدة هو الصناعة وهي الموجة الثانية لتعميق الصناعة المصرية وزيادة القيمة المضافة, وتعميق التصنيع الزراعي, وهي قطاعات تملك مزايا نسبية. أما القطاع الثالث فهو السياحة التي تعتبر بترول مصر والتي تمتلك فعليا فرصا لامثيل لها ومقومات حقيقية نادرة سواء الآثار أو التنوع, وفي الامكان مضاعفة حجم السائحين لمصر إلي30 مليونا, بشرط الاستثمار في زيادة عدد الغرف الفندقية, وتعتبر الثقافة في المجتمع للوعي بأهمية السياحة. ويهمني أن أشير إلي أن عائدات السياحة مهمة ليس فقط لمردودها علي الاقتصاد, ولكن لأن ايراداتها يتم توزيعها بشكل فوري ومباشر علي أوسع نطاق من شرائح وفئات المجتمع. * لا أستطيع أن أنهي هذا الحوار دون السؤال عن التشريعات الاقتصادية ذات الأولوية المهمة التي سيتم مناقشتها وإقرارها بمجلس الشعب؟ ** لاشك أن هناك7 تشريعات ذات أولوية وهي التي أعلن عنها الرئيس مبارك في افتتاح الدورة البرلمانية, وأهمها تنظيم استخدام والولاية علي أراضي الدولة, وتنظيم الاقراض متناهي الصغر, والرقابة علي سوق السندات, والوظيفة العامة, وأعتقد أن أهم هذه التشريعات هو اللامركزية والذي أتوقع أن يحظي بمناقشات ساخنة خاصة في ظل الفساد المستشري في المحليات, وفي رأيي أن هناك تشريعا آخر مهم وهو تنظيم الإفلاس والخروج من السوق.