للراغبين في الشراء.. سعر الذهب اليوم الأحد    السعودية تلغي تصاريح بعض حجاج الداخل بسبب اللقاحات وتوجه رسالة للوافدين    توقعات بفوز اليمين، 21 دولة يختتمون اليوم انتخابات البرلمان الأوروبي    البحرية البريطانية: حريق شب في سفينة نتيجة قذيفة أطلقت من اليمن    مصرع وإصابة 19 شخصا في انهيار شرفة ملهى ليلي بالمكسيك (فيديو)    انخفاض طفيف ومؤقت، درجات الحرارة اليوم الأحد 09 - 06 - 2024 في مصر    اليوم.. مغادرة آخر أفواج حج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    تامر عبد المنعم عن صفعة عمرو دياب: كل واحد يلزم حدوده ومليون دولار لن تكفي لرد الكرامة    وصفات طبيعية لعلاج قشرة الرأس، أبرزها الزبادي وزيت شجرة الشاي    طلاب «إعلام المنوفية» يطلقون حملة «إعلامنا» للتعريف بالكلية ومميزات الدراسة بها    أخبار غزة.. مسيرات تدد بمجزة النصيرات والاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدات جديدة    عاجل: حدث ليلا.. الغضب يشتعل ضد نتنياهو واحتجاجات عنيفة أمام البيت الأبيض    حزب الله يعلن قصف مقر قيادة كتيبة السهل في ثكنة بيت هلل الإسرائيلية براجمة من صواريخ فلق 2    عاجل.. اتحاد الكرة يحسم مصير إمام عاشور من المشاركة أمام غينيا بيساو    «مين هيقدر يديره؟».. القيعي يكشف سبب رفضه لتعاقد الأهلي مع ميدو    أمم أوروبا 2024.. المنتخب الإنجليزي الأعلى قيمة سوقية ب 1.78 مليار يورو    «البترول»: خططنا لتلبية احتياجات الكهرباء من الغاز أو المازوت    ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اليوم في الأسواق    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 ونيو 2024    جدول مواعيد امتحانات الثانوية العامة 2024.. تنطلق غدا    «التعليم»: اتخذنا إجراءات غير مسبوقة لمنع تداول امتحانات الثانوية    البنك المركزي يعلن معدلات التضخم في مصر بنهاية مايو.. الاثنين    طرح البرومو الدعائي لفيلم عصابة الماكس: في كل خطوة كمين (فيديو)    مناخ «الزراعة»: الموجات الحارة تؤثر على الفواكه والخضروات    فضل الدعاء في هذه الأيام المباركة.. لا يرده الله    للحجاج والمعتمرين.. محظورات لا يجب فعلها أثناء الحج    «زي النهارده».. 9 يونيو 1967 تنحي الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 67    وزير الصحة يتفقد مستشفيي رأس الحكمة والضبعة المركزي بمطروح (صور)    ما سبب الشعور بالصداع عند الاستيقاظ من النوم؟.. «السر في التنفس»    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. «هيئة الدواء» تسحب أدوية جديدة من الصيدليات.. انفراد..النيابة العامة تحيل «سفاح التجمع» لمحاكمة عاجلة أمام «الجنايات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: 48 ساعة قبل عودة الغليان (تفاصيل)    حبس 8 مسجلين خطر بينهم سيدة ضبط بحوزتهم 13 كيلو مخدرات بالقاهرة    بايدن مخاطبًا ماكرون: شراكة الولايات المتحدة وفرنسا «لا تتزعزع»    تحرك عاجل من السعودية بشأن الحج بدون تصريح    10 سنوات إنجازات | طرق وكباري و3 محاور رئيسية لإحداث طفرة تنموية في قنا    أسامة كمال: الحكومة المستقيلة لهم الاحترام.. وشكل الوزارة الجديدة "تكهنات"    ليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها بعيد أضحى حزين في مصر    كوميديا وإثارة وظهور مُفاجئ ل السقا وحمو بيكا..شاهد برومو «عصابة الماكس» (فيديو)    مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    حظك اليوم برج الحوت الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. انفراجة جديدة في مفاوضات بن شرقي وحقيقة عرضين الخليج ل "الأخطبوط"    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمزيق السودان المخطط والنتائج المدمرة‏(2‏ 4)‏

في الأسبوع الماضي أفتي حاخامات اليهود المتطرفون في الكيان الصهيوني الغاصب علي الملأ ورءوس الاشهاد الإعلامية والفضائية العالمية بضرورة تجميع الشعب الفلسطيني في معسكرات اعتقال وقتلهم‏. وسفك دمائهم باعتبار ذلك واجبا دينيا تحتمه التوراة‏,‏ ولم يتحرك أحد‏,‏ ولم تنتفض الحضارة الغربية من سباتها الطويل وغفوتها العميقة لاستنكار دموية وهمجية وإرهاب الحاخامات‏,‏ وكأن الشعب العربي الفلسطيني لا ينتمي إلي الجنس البشري‏,‏ وفي اللحظات نفسها خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليفضح الاهتمامات المشبوهة للإدارة الأمريكية والمخططات الصهيونية الغربية الأمريكية بإعلانه أن استفتاء انفصال جنوب السودان هو مصدر إلهام للعالم‏,‏ وقبله كانت تصريحات البابا بنديكت من الفاتيكان تؤكد باصرار غريب وجود قضية دينية مشتعلة في دول العالم العربي والإسلامي‏,‏ وتبلورت الأمور في المواقف الرسمية الغربية والأمريكية التي تشكل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي المصري واعتداء علي سيادتها وأمنها الوطني‏,‏ ويحتم هذا السياق العام ضرورة أن يؤخذ استفتاء السودان في إطاره الشامل‏,‏ وكذلك من منظور المسرح العالمي ومجريات أحداثه حتي يمكن رصد توجهات الضربات الاستباقية وما تستهدفه من براكين وزلازل واعاصير كاسحة تطل بأشباحها الإجرامية علي مجمل الخريطة العربية من المحيط غربا إلي الخليج العربي شرقا‏,‏ ومن البحر الأبيض شمالا إلي إفريقيا جنوب الصحراء جنوبا‏.‏
ومكمن الخطورة الداهم في المخطط الذي نجحت أولي حلقاته بفصل شمال السودان عن جنوبه يرتبط بإطلاق مارد مدمر من عقاله والاعلان عن خروجه السافر من القمقم الذي ظل حبيسا به لقرون عديدة كان يخرج فيها علي استحياء لفترات قصيرة يطل فيها إطلالات عاصفة ومدمرة ثم يعود إلي محبسه ومرقده‏,‏ وهو مارد عملاق صناعة إستعمارية صرفة تسعي من خلاله إلي قلب موازين الحقيقة رأسا علي عقب‏,‏ وتغيير معادلات الصراع البشرية المتعارف عليها بمقدار مائة وثمانين درجة‏,‏ ألا وهو شيطان الصراع العرقي الذي حرق هتلر العالم بويلاته تحت دعاوي تفوق الجنس الآري وما يتم اطلاقه يتجاوز كثيرا حديث الصراع بين الاديان والديانات حتي‏,‏ وإن كان المحرك الرئيسي والمحوري للصراع هو الدين والأديان والعقائد‏,‏ والأهم أنه يتجاوز كل الصراعات التي كانت تندرج دائما تحت عنوان صراع الشمال الغني والجنوب الفقير‏,‏ وكذلك الصراعات التقليدية والنمطية عن سيادة الرجل الأبيض‏,‏ وإدعاءاته بالتفوق والسيطرة وقدرته وحده علي حكم العالم وتصريف شئونه وامتلاك ثرواته بديلا عن الشعوب السوداء والصفراء علي امتداد قارات العالم‏,‏ باعتبارها الأدني‏,‏ وباعتبارها الاقل جدارة بحكم نفسها‏,‏ والأقل كفاءة والأقل مقدرة في الحكم علي أمورها وأمور العالم‏,‏ والأكثر فداحة الادعاء أنها غير قادرة علي الإدارة الحسنة والعاقلة لثرواتها ومواردها مما يستوجب أن ينوب الرجل الأبيض عنها في شئون السياسة وأمور المال والاقتصاد وأن تكتفي هي فقط بالتبعية والانقياد الأعمي وراء السيد الأبيض الذي هو عنوان للتحضر والتقدم والرشاد‏,‏ في حين أن الآخرين عناوين عريضة للتخلف والفشل‏,‏ وانعدام الكفاءة‏.‏
تحميل العرب مسئولية تجارة الرقيق وتبرئة الاوروبيين
ومع ثورة العالم علي هذه المفاهيم الغربية البالية والعنصرية‏,‏ ومع الثمن الفادح للتدخل العسكري المباشر علي الأرض وسيادة عقلية البحث عن وكلاء محليين للقيام بالأعمال القذرة منذ درس فيتنام العظيم والهزيمة المذهلة والمروعة للجيش الأمريكي‏,‏ وهروبه المروع والبشع ذليلا منكسرا‏,‏ مع كل هذه الدروس والعبر نبت مخطط شيطاني يرتكز علي تعديل التوجهات والمفاهيم البشرية لتشكيل عالم جديدقائم علي الصراع العرقي يمهد لحرب عالمية ثالثة من نوعية جديدة ومستحدثة‏,‏ ويستهدف كل ذلك بالدرجة الأولي والأساس العالمين العربي والإسلامي‏,‏ وهي مؤامرة قديمة احقادها دفينة ومخاوفها لا تنطفيء يصب الزيت علي نيرانها يوما بعد يوم‏,‏ وتتكامل حلقاتها ومخططاتها ساعة بعد ساعة‏,‏ وكانت ساعة الصفر الحقيقية الجديدة فيها هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأمريكية‏,‏ وإعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن الحرب الصليبية المقدسة وإعلانه الحرب علي الإسلام الأصولي‏,‏ ثم اعلانه الحرب الشاملة تحت ستار مقاومة الإرهاب‏,‏ وتحت ستار مواجهة الفاشية والنازية الإسلامية‏,‏ وغيرها من العناوين البارزة علي الساحة العالمية وما ارتبط بها من أحاديث الشرق الأوسط الكبير والصغير واحتلال العراق وأفغانستان‏,‏ ودفع الكيان الصهيوني الغاصب إلي المقدمة‏,‏ وما ارتبط بكل ذلك من إثارة النعرات العرقية والطائفية والدينية بين الأديان المختلفة‏,‏ وبين ابناء الدين الواحد‏.‏
وعلي الرغم من كل هذه النيران الملتهبة‏,‏ فإنه يبدو أن المعركة الحقيقية التي هي معركة تكسير العظام‏,‏ ومعركة تمزيق الدول والمجتمعات وبعثرة الأوطان ما كانت قد بدأت بعد‏,‏ وما كانت قد اكتسبت بعد كل معانيها الشريرة والحاقدة والشيطانيةإلا بعد اطلاق شرارة الاحقاد العرقية المزيفة‏,‏ وهي الأمور التي طفت علي السطح مع الاستفتاء علي انفصال جنوب السودان‏,‏ حيث تركزت الأضواء الكاشفة علي ما يسمي الاحقاد التاريخية الطويلة بين العرب المسلمين‏,‏ وبين الأفارقة‏,‏ وتحول العرب المسلمين فجأة إلي تجار الرقيق الذين استعبدوا أهل الجنوب وباعوهم رقيقا في الأسواق‏,‏ وتحول العرب فجأة إلي مستعمرين طغاة عاني منهم الأفارقة كل صنوف العذاب والاضطهاد‏,‏ وتحولت كراهية العربي المسلم في الشمال إلي فزاعة كبري تقود التصويت في استفتاء جنوب السودان‏,‏ وأصبح الطلاق البائن للجنوب بمثابة عودة إلي الأصل والجذور التي انتزع منها في غفلة من الزمن وفي غفلة من أهله وناسه‏,‏ وتم فتح بركان الجحيم ليطلق حمم الصراع بين العروبة والزنوجة ليحتل العربي المسلم مكان السيد الأوروبي المستعمر‏,‏ ويتحول في لحظة فجر كاذب إلي عدو لا يمكن التعايش معه‏,‏ ولا يمكن مسامحته علي أفعاله التاريخية الطاغوتية‏.‏
ورصد هذا الاعصار الكاسح المجنون لا يمكن حصره فقط في كنائس جوبا عاصمة الجنوب‏,‏ ولكن يمكن رصده أيضا في المسجد الكبير بالعاصمة‏,‏ حيث كان مركزا مهما من مراكز دعاة الانفصال‏,‏ وكان مركزا مهما للترويج للانفصال‏,‏ والتغني بأفضاله ومنافعه مما يؤكد عمق التيار الجارف لتأجيج الصراع بين العروبة والزنوجة بغض النظر عن الانتماء الديني‏,‏ وبعض النظر عن الانتماء القبلي مادام أن الجميع يوحدهم الأمر المهم‏..‏ والمهم هو الانتماء العرقي للجنس الواحد الإفريقي حتي لو كان الآخرون من أبناء القبائل العربية المسلمة يشاركونهم في اللون إلي حدود كبيرة ويشاركونهم في اللغة حتي لو كانت لهجاتهم مختلفة عن بعضها البعض‏,‏ وهي حقيقة تتأكد أبعادها بصورة أكثر من خلال الحرب الأهلية القائمة في دارفور‏,‏ فهي اساسا يين القبائل المسلمة العربية والقبائل المسلمة الإفريقية لأن الجميع‏,‏ والكل في دارفور مسلم‏,‏ ولكن قضية الانتماء العرقي هي الفزاعة الكبري التي تؤجج الصراعات والنزاعات والحروب حتي بين أبناء الدين الواحد وقد تصاعدت هذه الظاهرة الخطيرة عبر العقود الأخيرة الماضية وتم تغذيتها بشكل متصل ومتواصل من القوي الاستعمارية القديمة حتي وصلت الي مرحلة الصدام المباشر‏.‏
فزاعة الانتماء العرقي ومخطط فصل الشمال الافريقي عن جنوبه
وفي ظل تصعيد النعرة العرقية المتطرفة هذه‏,‏ فإن القضية التي اصبحت علي المحك لاترتبط فقط ببروفة فصل جنوب السودان عن شماله بل ترتبط بما هو اوسع مدي واكثر خدمة للمخطط الصهيوني الغربي الأمريكي والمرتبط بفصل الشمال الأفريقي عن الجنوب الافريقي ابتداء من افريقيا جنوب الصحراء علي الرغم من أنها منطقة يسود فيها الاسلام ويغلب علي غالبية دولها الطابع الاسلامي من حيث اغلبية عدد السكان ولكن السكان في غالبيتهم ينتمون الي قبائل صحراوية لاتصنف باعتبارها قبائل افريقية زنجية‏,‏ كما أنها لاتنتمي الي العرق العربي وهي تمتد ايضا في بلدان المغرب العربي وتتركز في جنوبها وتملك هذه القبائل موروثا خاصا بها وتعد وقودا لحركات انفصالية ناشطة في عدد من دول المغرب العربي في مقدمتها المغرب علي الرغم من الطابع الاسلامي للحكم والحديث عن ارتباط العائلة المالكة بأحفاد الرسول صلي الله عليه وسلم‏.‏
وعلي الرغم من تحول الانتماء العرقي الي المحرك الرئيسي للاحداث في الجنوب‏,‏ فإن ذلك لاينفي وجود محركات أخري في مقدمتها المحرك الديني والعقيدي مع صبغه بالطابع العرقي وسعي كل الأطراف للتأكيد عليه بكل الطرق والوسائل ففي صبيحة يوم الاستفتاء وفي القداس الذي عقد بكنيسة القديسه تريزا الكاثوليكية التي يرتادها رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب سلفاكير مارديت بانتظام قال اسقف جوبا باولينو لوكودو وهو يدعو جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي لالقاء كلمة في القداس الخاص أنا هنا أصدر الأوامر للرئيس ودعني آمرك أنت أيضا وهي كلمات تعيد الي الأذهان ما كان يقوله الكرادلة والاساقفة في العصور الوسطي عندما كانت الكنيسة ظل الله علي الأرض وكان الأباطرة والملوك والأمراء يطلبون صكوك الغفران من البابا الكاثوليكي في الفاتيكان علي الرغم من ادعائهم بأنهم ظل الله علي الأرض ايضا وكأن دولة الجنوب الوليدة دولة دينية وليست دولة مدنية لجميع ابنائها وعشيه الاستفتاء كان للكنيسة الكاثوليكية دور سياسي مهم في عقد اتفاق لوقف اطلاق النار بين الحكومة وابرز المتمردين عليها الجنرال المنشق جورج أطور‏,‏ كما أن غالبية المسئولين في الحكومة من مختلف القبائل الجنوبية الرئيسية مسيحيون تلقوا تعليمهم في مدارس الارساليات التبشيرية المنتشرة بالجنوب وهي مدارس ظلت مغلقة لفترة طويلة بعد استقلال السودان عام‏1956‏ بقرارات من حكومتي الاستقلال الأولي والثانية مع ضلوع الارساليات التبشيرية في حركة التمرد للكنيسة الاستوائية عام‏1955‏ واشتعال الثورة في مناطق عديدة بالجنوب بدعم البعثات التبشيرية وتحريضها‏.‏
مغزي تصويت المسلم والمسيحي والوثني للانفصال
ويحيط العامل الديني في الجنوب الكثير من الغموض في ظل الغياب للمعلومات الدقيقة والموثقة علميا عن الوضع الديني لسكان الجنوب بما يتيح الفرصة لكل طرف من الأطراف ان يستغله كما شاء وكيفما يشاء لاسباغ الصفة التي يريدها ويرغبها علي أهل الجنوب وهناك البعض الذي يتحدث عن أن‏50%‏ من الجنوبيين مازالوا وثنيين ينتمون الي عقائد قديمة متنوعة ومتفرقة‏,‏ وهناك من يرفع نسبتهم الي‏70%‏ علي الاقل من الجنوبيين ويتحدث بالتالي عن اقلية مسيحية ومسلمة لاتتعدي‏30%‏ من اجمالي السكان في رأي البعض انها تتوزع بين الديانتين مناصفة وفي رأي البعض الآخر أن ثلثي اصحاب الديانات هم من المسيحيين‏,‏ وأن ثلث المسيحيين من الكاثوليك وثلثهم من البروتستانت في حين يتحدث البعض الآخر عن نسبة للمسيحيين تبلغ‏30%‏ واللافت للانتباه أن الجنوب لايوجد به مسيحيون ارثوذكس علي الرغم من ان اثيوبيا المجاورة ارثوذكسية وبالرغم من أن الكنيسة المصرية الرئيسية ارثوذكسية وهو ما يؤكد أن الاستعمار البريطاني كان يساند البعثات التبشيرية الغربية الكاثوليكية والبروتستانتيه وكان يتحفظ علي نشاط البعثات التبشيرية المسيحية الشرقية بشكل واضح وهناك وجود قليل للمسيحية الارثوذكسية في الشمال فقط لاغير وقد اقامت الكنيسة الاسقفية البروتستانتية ثاني كنائس الجنوب صلاة خاصة من أجل دور اعظم للكنيسة في الدولة والحكومة مما يؤكد المسعي للدولة الدينية‏,‏ اما الاسلام فقد دخل الي الجنوب مع التجار المسلمين وقام بالدور الرئيسي في نشره اتباع الطرق الصوفية التي لها وزن وثقل كبير في افريقيا جنوب الصحراء عموما وفي شمال السودان وينتمي الجنوبيون المسلمون بالدرجة الأولي للطريقة الصوفية القادرية والطريقة الصوفية البرهانية وهما طريقتان صوفيتان قويتان ومؤثرتان في الشمال وتقود الطرق الصوفية دائما التابعين لها في الكثير من الأمور والاتجاهات الحياتية والدنيوية كما تقودهم في الأمور الروحية والدينية ومع نتيجة للاستفتاء تساند الانفصال بنسبة تصل الي مايقرب من‏96%‏ من أهل الجنوب بكافه اطيافه الدينية فإن ذلك يثبت أن الانتماء العرقي كان نافذا حتي في توجيهات الطرق الصوفية واختيارات التابعين لها وتفضيلهم للأنفصال كما أنه يثبت أن القادة الكبار لهذه الطرق الصوفية وهم من خارج الجنوب ومن خارج السودان ومن دول عربية في شمال افريقيا في الغالب والاعم ولكنهم دائما في عمق الصحراء وجنوب البلاد المتاخم لافريقيا جنوب الصحراء‏,‏ قد ادركوا عنف التيار المرتبط بالانتماء العرقي وقرروا عدم الوقوف في وجهه ومسايرته وكأنه عاصفة لن تلبث أن تزول كما عواصف الصحراء القاسية والعاتية‏.‏
وفي لقاء عابر مع عماد محمد الخور الأمين العام لمكتب القاهرة للحركة الشعبية لتحرير السودان وهو مسلم أفريقي ذكر أن عدد المسلمين في الجنوب يصل الي مليونين يشكلون‏25%‏ من عدد سكان الجنوب البالغ‏8‏ ملايين‏,‏ كما أنهم يتواجدون بين القبائل الكبري مثل الدنكا والشلك والنوير والاستواذية وباقي القبائل وانهم يؤيدون الانفصال ويؤيدون اقامة الدولة المستقلة وأن الجنوبيين مسلمين ومسيحيين ليست بينهم حساسيات دينية وأن كل اهل الجنوب مازالت تتحكم في سلوكياتهم وحياتهم اليومية قيم وتقاليد وعادات قديمة موروثة سابقة علي انتمائهم في مرحلة لاحقة للإسلام أو المسيحية‏.‏
‏***‏
مع انفصال جنوب السودان عن شماله تكرس عنوان جديد لأحاديث العداء في القارة الافريقية‏,‏ وهي أحاديث مستجدة ومصنوعة ومصطنعة تسعي لأن يتصدر الأحداث العداء بين الهوية الافريقية والهوية العربية مع الحرص علي بناء خط وهمي واضح يربط الهوية العربية بالاسلام عندما تحتاج الأمور إلي ذلك الربط والارتباط‏,‏ والأكثر خطورة أن جرس عذابات الإنسان الافريقي والمسئول عنه الأوروبي بالدرجة الأولي والأساسي كتاجر رقيق والمسئول عنه بالدرجة الأولي والأساسي أمريكا كمستقبل للعبيد وما لحق بهم من أقصي صنوف المعاناة والعذاب وفجأة تبدلت حقائق التاريخ وتحولت المسئولية في غفلة من الزمن ومن بوابة الجنوب السوداني إلي مسئوليه عربية اسلامية في تداخل وتشكيك غريب ومريب مع اصرار حكومات السودان علي تطبيق زائف للشريعة الإسلامية واقامة الحدود وتطبيق حد الجلد لتزيد النيران اشتعالا ويجد الأعداء مادة خصبة للادعاء والتلفيق علي الاسلام والمسلمين‏.‏
ومع قيام دولة الجنوب فإن الدولة الوليدة تعيد إلي الحياة المخطط الاستعماري البريطاني الذي رفضه أهل الجنوب عام‏1947‏ في مؤتمر جوبا بإصرارهم علي الوحدة مع الشمال وقبولهم لحق تقرير مصيرهم في اطار السودان المتحد والموحد مما يثبت تعايش الزنوجه والعروبة علي مر التاريخ ويثبت ان فزاعة الصراع والعداء القائم علي الانتماء العرقي مستحدثة وجديدة وانها الركيزة الرئيسية لصناعة واقع جديد في القارة الافريقية تنشأ بمقتضاه الدول علي هوية غامضة لا تعكس جنسا او عرقا بالمعني الحقيقي العلمي ولكن بهدف اشعال حساسيات مصطنعة وكاذبة مع الهوية العربية والعرق العربي والقبائل العربية وبالتالي مع الإسلام والمسلمين‏,‏ وعلي هذا المنوال لابد وأن يعود إلي مقدمة الأحداث بصورة أو بأخري مسائل الدين والعقائد والأديان لتلعب دورها في المزيد من تأجيج الحساسيات والأحقاد والصراع؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.