أطلعت علي دراسة ميدانية نشرتها الأهرام تقول إن ما بين ثلث وربع التلاميذ الألمان في المرحلة العمرية بين12 و16 عاما, يحصلون علي دروس خصوصية في مختلف المراحل الدراسية وعلي وجه الخصوص في الرياضيات والانجليزية والألمانية, وأن أولياء الأمور الألمان يسددون سنويا مبالغ تناهز ثلاثة مليارات يورو علي الدروس الخصوصية, التي يتلقاها التلميذ الواحد, بمعدل أربع حصص أسبوعيا في المتوسط, وتكلف أسرته ما بين1200 1750 يورو في العام بمتوسط يصل إلي100 يورو في الشهر الواحد, وأن عدد شركات الدروس الخصوصية المسجلة رسميا لدي وزارات التربية المحلية في الولاياتالمتحدة الألمانية ال16 قدرت بثلاثة آلاف شركة, منها1000 شركة مرتبطة بالمدارس والإدارات التعليمية الحكومية, بالإضافة إلي أن الدراسة أوضحت أن كثيرين يمارسون هذه المهنة بشكل غير رسمي تهربا من أداء الضرائب. الشيء الذي لم تذكره الدراسة هو هل هناك عائد من هذه الدروس, اقصد عائدا تربويا أو عائدا علي التلاميذ بتهيئتهم لمجالات أفضل. إن مصر لم تعد أبدا خارج المنظومة فالأسرة المصرية تدفع تقريبا نفس الرقم من ميزانياتها الضعيفة أصلا للدروس الخصوصية بالرغم من الفارق الشاسع بين العلم والتعليم في كل من مصر وألمانيا, فقد أظهرت دراسة في المقابل أن الدروس الخصوصية تلتهم سنويا ما بين12 و15 مليار جنيه من ميزانيات الأسر المصرية الفقيرة, والتي تلجأ في كثير من الأحيان إلي الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين. فالدروس الخصوصية هي إحدي الظواهر التي تؤرق المجتمع المصري, ويجب النظر إليها نظرة شاملة ومتكاملة لعلاجها, وألا يتم التركيز علي جانب واحد من جوانبها, فلها آثار سلبية علي التلاميذ والمدرس, كما أن لها أثرا سلبيا علي المجتمع والأسرة, حيث تؤدي إلي استنزاف الموارد وعدم الاستقرار داخل الأسرة والمجتمع, بالإضافة إلي أن للدروس الخصوصية تأثيرا علي شخصية الدارس ليس فقط عندما ينهي المرحلة الثانوية وينتقل للجامعة, ولكنها أيضا تمتد إلي طالب الدراسات العليا فهي تخلق داخله نوعا من الاتكالية والاعتمادية والسلبية وعدم المبادرة والتفكير ونوعا من الخمول العقلي وعدم الابتكار لأنه تعود علي أن تلقن له المعلومة بدون عناء لذلك لم ينشأ داخله مشروع باحث لينقب عن المعلومة والمعرفة. وبالرغم من المحاولات التي تمت للتصدي لهذه الظاهرة حيث صدرت فيها أحكام من المحكمة التأديبية العليا بمجازاة مدرسين بخصومات وغرامات, وكانت حيثيات المحكمة واضحة في هذا الشأن حيث نبهت إلي أن الدروس الخصوصية للطلاب مقابل أجر خارج المؤسسة التعليمية وبعيدا عن إشراف الدولة أصبحت أخطر الظواهر علي المجتمع وتعوق خطط الدولة ومتطلبات المجتمع في التحديث والتطوير المستمر للتعليم, وأن الدروس الخصوصية تعمق معاناة الأسرة المصرية وتحملها أعباء إضافية لا طاقة لها بها في سبيل توفير فرص متكافئة لأبنائهم في التعليم للحصول علي أرفع الشهادات العلمية. ولما كانت لجنة التعليم بمجلس الشعب هي الأمينة علي نقل هموم الشعب, ولما رأت أن الوضع لم يتغير فقد أعدت قانونا لتقنين هذه الظاهرة, وللأسف الشديد لم يتم قبول مشروع قانون يلزم المدرس الذي يعطي دروسا خصوصية بأن يدفع ضريبة ونتمني ويتمني معي الجميع, كل الأسر المصرية المطحونة في الصرف علي الأكل والسكن والملبس, أن يقل صرفها علي الدروس الخصوصية, ونرجو من مجلس الشعب بتشكيله الجديد أن يجعل هذه المشكلة الصارخة واحدة من المشكلات التي يتم توجيه الاهتمام إليها ويخرج بحل يرضي الجميع( الدولة, الشعب) ومن منبر نافذة بريد الأهرام العريقة نرفع أكف الدعاء أن يلهم الله الحكومة أي حكومة التوفيق لحل هذه المشكلة. د.حامد عبدالرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة