إن العصر الذي نعيشه هو عصر التكتلات الاقتصادية الإقليمية, ويشير مفهوم التكامل الاقتصادي إلي تحقيق توحيد وتنسيق القواعد والتنظيمات والسياسات داخل مجموعة بلاد التكامل. ويقول الدكتور فياض عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر إن الاتحاد الأوروبي يمثل نموذجا واضحا للتكامل الاقتصادي الذي تحقق بالوحدة الأوروبية, وقد تزايد الاتجاه العالمي نحو التكتل الإقليمي لمواجهة مخاطر الاجتياح الاقتصادي, فالتشرذم لا ينتج عنه إلا التبعية الاقتصادية والتخلف والذلة في نهاية المطاف. فالتحكم والقيادة والسيطرة في عالم اليوم مقتصرة علي من له علماء ومختبرات أكثر تقدما, فقوي الاقتصاد تحدد وترسم طبيعة القوي السياسية, وتتخطي الحدود الجغرافية, فيصبح القرار في يد قدرة تكنولوجية, وهذا يقتضي منا في العالم الإسلامي أن يكون لدينا الوعي الكافي بحقيقة عالمنا المعاصر, وأن نؤمن بأن تكاملنا الاقتصادي يعتمد علي التعاون المشترك فيما بيننا وفي ظله نتبادل المنافع ونكون قوة مستقلة أمام الاجتياح الاقتصادي الذي يتطلب موارد مالية وبشرية وعلمية تفوق إمكانات أية دولة إسلامية بمفردها, فالأوضاع الجديدة للعولمة الاقتصادية تحتم علينا الوحدة والتكامل الاقتصادي متي نكون شركاء فاعلين في الاقتصاد العالمي. ويشير الدكتور فياض عبدالمنعم إلي أن هناك العديد من الثمار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية للتكامل الاقتصادي الإسلامي. فاقتصاديا: تسترد البلاد الإسلامية حقوقها الاقتصادية وذلك بالتقييم الاقتصادي لسلعها الأولية, وتطوير منتجاتها, وتسترد القيمة الحقيقية لأسعار مواردها الأولية. وعلميا توفر موارد لإقامة مختبرات ومراكز علمية بحثية, وموارد تكنولوجية تنتج التكنولوجيا التي تستغل موارد البلاد الإسلامية وتحولها إلي منتجات منافسة في الأسواق الدولية. واجتماعيا: تتوافر فرص عمالة ودخل واستقرار وعدالة اجتماعية. وسياسيا: تسترد البلاد الإسلامية مناعتها ضد محاولات الضغط والتأثير علي قراراتها نظرا لأنها حينئذ تكون لديها قاعدة اقتصادية قوية. وهناك العديد من العوامل التي تسهم في نجاح التكامل الاقتصادي الإسلامي مثل وحدة الدين والعقيدة والسلوك والقيم, والتقارب اللغوي, فأوروبا توحدت رغم ما بينها من تاريخ دموي, وتنوع كبير في اللغات والأديان والأعراق. ومن الناحية الشرعية, فإن التعاون بين المسلمين فريضة, والأمة الإسلامية أمة واحدة, والمسلم أخو المسلم, قال تعالي: وإن هذه أمتكم أمة واحدة, وقوله تعالي: وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان. والحقيقة المؤلمة أنه ليس لدي المسلمين مشروع للتكامل يلتف حوله الجميع في إصرار كهدف له استراتيجية تجمع كل إمكانات تحقيقه, وخطة ترسم خطوات الوصول إليه. ولن يتحقق ذلك إلا ابتداء بتوافر الإرادة السياسية والاقتناع بأن التكامل ستكون له ثمراته لمصلحة كل بلد إسلامي. وفي التكامل الاقتصادي نوع من تكافل الأمة, ولكنه تكافل العصر, تكافل يقوم علي بناء قاعدة اقتصادية صلبة ومتقدمة تحقق للمسلمين كل عناصر القوة في عصر لا يعترف إلا بالمنافس القوي.