تمكن حزب الشعب اليميني المعارض للمرة الثانية من اقناع المواطنين السويسريين للتصويت لصالح الاقتراح الذي تقدم به من أجل طرد الأجنبي المقيم, اذا ما ارتكب جريمة ومنعه من دخول سويسرا قبل مرور20 عاما. وجاء فوزه في الاستفتاء الذي جري خلال الشهر الماضي بنسبة 53,% , وبهذه النتيجة أصبحت السلطات الفيدرالية والمحلية ملزمة بتغيير الدستور والقانون في ضوء هذه النتيجة قبل البدء في وضعها موضع التنفيذ, وكان نفس الحزب قد تقدم من قبل باقتراح لمنع بناء المآذن, وتحول الاقتراح الي قانون بعد اقرار الشعب له عبر صناديق الاستفتاء. ونجاح هذا الحزب اليميني للمرة الثانية, يشير الي مجموعة من الحقائق, منها: * أولا: نحن أمام انتقال من حالة عداء للمسلمين الي موقف أشمل من العداء للأجانب, أي أن المخاوف من الغريب القادم من الخارج, لم تعد مقصورة علي المسلمين, بل امتدت لتشمل الأجانب ككل. وهذا الاستفتاء, بمن شاركوا في التخطيط له وهندسته, استهدف التخفيف من الوجود الأجنبي بسويسرا ولكن قبل هذا الهدف كان يعكس اقتناعا بأن نسبة من الأجانب تتورط في جرائم بصورة أو بأخري, أي أن الصورة الذهنية السويسرية للأجنبي خلال السنوات الأخيرة أصبحت سلبية. * ثانيا: بعد أن انضمت سويسرا الي اتفاقية شنجن, وبدأت في فتح حدودها أمام من يحملون هذه التأشيرة التي تسمح لحاملها بدخول معظم دول الاتحاد الأوروبي, قد استقبلت مجموعات كبيرة من مواطني دول أوروبا الشرقية, ومن هؤلاء نسبة لا بأس بها لا تتورع عن ارتكاب الجرائم ومازالت معظم الدول الأوروبية تعاني من وجود هؤلاء المهاجرين. وكنتيجة لهذا الوضع, زادت نسبة الجرائم, وتضاعف حجم القلق والرفض, وقد استثمر حزب الشعب هذه المخاوف وطرح اقتراحه للتصويت. * ثالثا: تعيش سويسرا منذ قرون حالة من الابتعاد عن دول القارة الأوروبية ملتزمة بحيادها وحريصة علي أسلوب حياتها. ويدرك الشعب السويسري أن نجاحهم واستقرارهم وتقدمهم ورفاهيتهم مرتبطة باستمرار الحرص علي هذا النهج, لذا بدأوا في اتخاذ مواقف دفاعية ضد ما يعتبرونه محاولات لتغيير أنماط حياتهم. ومن هنا كان رفض انشاء مآذن للمساجد اذا ما كانت ستخالف قوانين البناء السويسرية, واقرار اقتراح طرد الأجانب اذا ما ارتكبوا جرائم علي الأرض السويسرية. * رابعا: إن سويسرا علي استعداد لمواجهة كل المنظمات الأوروبية والعالمية اذا ما ارتفع صوتها بالاعتراض علي قانون طرد الأجانب. وعندما نوقشت هذه القضية داخل الحكومة قبل طرح الاقتراح للاستفتاء الشعبي واحتمالات صدور قرارات بالإدانة, أو بفرض عقوبات من هذا الطرف أو ذاك, أعلن أصحاب الاقتراح أنهم علي استعداد لتحمل كل المسئوليات. واستقر الجميع علي أن مصالح سويسرا أو الشعب السويسري لها الأولوية علي أي اعتبارات أخري, وعندما اختار المواطنون السويسريون طرد الأجانب المتهمين في جرائم أجمع المراقبون علي أن الحكومة وكل السلطات إنما تعمل وفقا لإرادة الناس, حتي ولو أغضب ذلك المجتمع الدولي. هذه الحقيقة السويسرية البسيطة, لم يتمكن العالم الإسلامي من إدراكها خلال قضية المآذن, فقد تظاهر من تظاهر وغضب من غضب, وقاطع من قاطع, وكل ذلك لم يغير من موقف السلطات السويسرية ولو غضب العالم بصفة عامة, وغضبت منظمات أو دول القارة الأوروبية بصفة خاصة من قرار طرد العمال الأجانب المجرمين, ستمضي سويسرا في تنفيذ القانون احتراما لإرادة الناس وحماية لمصالح سويسرا والسويسريين. * خامسا: إن السويسريين يدركون حاجة الدولة الي عمالة أجنبية لاستمرار دوران عجلة الصناعة والاقتصاد السويسري, ولكن ستظل الاستجابة لهذه الضرورة رهن احترام المنطق والنهج والتقاليد والاستقرار السويسري. كما أنهم يدركون بشكل أفضل أنهم لا يستطيعون الانعزال عن أوروبا والعالم, فعملية تبادل التأثير تتعاظم في ظل سقوط الحدود والحواجز. ولكن ستظل قواعد احترام حقوق الإنسان والقبول بالأجانب واحترام العمالة الأجنبية, خاضعة لقبول الآخرين بقواعد الاندماج السويسرية. وباختصار فإنهم يحاولون في ظل عالم متغير تبني سياسات تحترم خصوصيتهم وإصرارهم علي موقف الحياد والاحتفاظ في نفس الوقت بأوروبيتهم.