اختار الدكتور محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية عنوانا ساخرا لمقاله المنشور بالأهرام يوم13 ديسمبر الماضي الذي مارس فيه حق الاختلاف مع ما كتبناه عن الفرص الضائعة فلسطينيا بالأهرام يوم31 أكتوبر الماضي. والرجل الذي عرفته منذ أكثر من30 عاما انسانا ودودا وعالما رصينا, رأي أن يستخدم المشرط بدلا من القلم, وحكم علينا بأننا نحلق في عالم الأوهام لا المعلومات والحقائق, وتقول كلمات عنوانها عن الفرص الوهمية التي أضاعها عرفات في كامب ديفيد. وربما غاب عن استاذ العلوم السياسية نهج الإمام الشافعي رضي الله عنه, الذي عبر عنه بقوله, إن قولنا صواب يحتمل الخطأ, وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ومثل هذا النهج يعكس تواضع العالم المجتهد الفقيه وثقته العالية بالنفس وحسن ظنه بالناس. وبما أننا نشق طريقنا في عالم الكلمة والرأي والخبر, فإن الاختلاف أمر منطقي, ولكن استخدام المشارط ليس اسلوبا للاختلاف, كما أن إصدار الأحكام والتعالي وعدم احترام جهود الآخرين أمور وأسباب تقتل النقاش وتصادر المنطق, إن لم تعمل علي قتله. وبكل حسن النية اتساءل, كيف أتاه اليقين, أنه علي صواب؟ لقد أزحنا الستار عن بعض ما جري في مفاوضات كامب ديفيد, خاصة الاتفاق الذي توصل إليه كل من الرئيس الأمريكي كلينتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك وياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية. قال الدكتور سليم, إن ما قلناه يختلف عما يقوله معظم من درسوا ملف التفاوض, وبدأ في سرد الأسماء والكتب والتقارير التي ذكرت معلومات أخري. وربما غاب عن الرجل, اننا قرأنا كل ما قرأه, ولكن قراءتنا كانت مختلفة, فقد رأينا فيها عملية تضليل للتغطية علي الاتفاق وما تضمنه من تنازلات اسرائيلية ومكاسب فلسطينية, مصحوبة بستائر كثيفة من الدخان لحجب أي شيء يتعلق بهذه المفاوضات. ولم يكن مستغربا أن تشارك الأطراف التي شاركت في المفاوضات في إطلاق هذه الحملة. فالاسرائيليون لا يريدون أن تتحول هذه النتيجة إلي مرجعية يمكن الاستناد إليها في أي مفاوضات مقبلة واعتبارها إنجازا يمكن الانطلاق منه نحو ماهو أفضل فلسطينيا, أما الجانب الأمريكي فقد كان يشعر بالحنق والغيظ من ياسر عرفات, فقد أراد كلينتون أن يحقق من وراء هذه المفاوضات إنجازا يدخل به التاريخ, ويرشحه للفوز بجائزة نوبل, ويساعد علي طي صفحة فضيحته مع الجميلة لوينسكي, وقد حرمه الزعيم الفلسطيني من هذا الانجاز, وأكشف للدكتور سليم سرا جديدا, فقد أقدم كلينتون أمام مراوغات أبو عمار علي إعطائه ورقة بيضاء وطلب منه أن يكتب فيها ما يريد للموافقة علي ما يمكن الموافقة عليه وفورا, إلا أن أبو عمار تملص من الموقف. إلي هذا المدي كان كلينتون حريصا علي النجاح. وفي نفس الوقت لم يكن هناك ما يبرر إغضاب الاسرائيليين. أما الجانب الفلسطيني, فلم يرد أن يلحق العار بالزعيم ياسر عرفات في نهاية مشواره النضالي, لذا عملوا علي التغطية والتضليل فيما يتعلق بهذه المفاوضات, بل وزودوا كثيرين في مجال الإعلام بمعلومات مغلوطة عمدا في إطار شبكة من العلاقات وقاعدة من التعاون الذي يعتمد علي شبكة هائلة من المصالح. ووجد الجانب الفلسطيني في المحافظة علي صورة ياسر عرفات الذهنية لدي الرأي العام الفلسطيني والعربي, ردا علي عملية الحصار التي فرضها الاسرائيليون عليه بعد الانتفاضة ومنعه من مغادرة مقره في رام الله. وأكشف سرا آخر لاستاذ العلوم السياسية, لقد طلب ياسر عرفات من الجانب المصري التوقيع علي الاتفاق معه, وقد قوبل هذا المطلب بالرد الذي يستحقه, بعد أن أدركوا أنه إنما ينصب كمينا لمصر لتحميلها مسئولية توقيعه علي الاتفاق مع كل ما سوف يترتب علي ذلك. وأقول للإستاذ, لقد استيقظت متأخرا, فقد سبق أن كتبت عن هذا السر وهذه الحقيقة يوم10 ديسمبر2008, فلماذا لم تتنبه وقتها؟ وتقول ربما للأمر علاقة بتأخر هبوط الوحي عليه. وأعود للقضية موضوع الاختلاف, وأقول للدكتور سليم, إنني أمام حملة التضليل المتعمدة التي امتدت من أمريكا للشرق الأوسط, وأمام الأسماء التي شاركت فيها, قررت الكشف عن هذه الأسرار, لإنقاذ الحقيقة من جانب ومن جانب آخر حماية لما تضمنته من مكاسب من الضياع. ويعلم استاذ العلوم السياسية, أن الأسرار التي يجري كشفها, لا يمكن دحضها بالاستناد الي أقوال فلان أو علان, لأنها تأتي في معظم الأوقات مختلفة ونقيضا لما يكتب وينشر, والمنطق يقتضي الانتظار إلي حين الكشف عن الوثائق الخاصة بها سواء أكانت25 عاما أو أقل أو أكثر أو إلي أن يقرر طرف من الاطراف الحديث عنها بصراحة. ومما يذكر أننا كنا أول من قال بقتل ياسر عرفات بالسم, كما كشفنا عن كثير من الأسرار المرتبطة باغتيال المبحوح, كما نشرنا خطة العمليات العسكرية قبل بدء حرب تحرير الكويت, وكنا أول من أشار إلي الخطة الامريكية لإزاحة نيتانياهو أثناء رئاسته الأولي للوزارة. وندرك تماما ان الكشف عن الأسرار كثيرا ما يصيب البعض بالخضة, وعلي هؤلاء ان يتمالكوا أنفسهم,. وتكشف السطور الأخيرة في مقاله, الهدف الذي سعي إليه منذ البداية, ألا وهو تنقية صفحة ياسر عرفات حيث كتب قائلا ليس من العدل تحميل ياسر عرفات مسئولية الفشل, فالحق أن عرفات فعل ما كان سيفعله أي وطني عربي مكانه وكلمة أخيرة, لقد أزحنا الستار عن هذا السر منذ سنوات, وواصلنا الكتابة عنه والتركيز عليه, وكما يعلم, أن الأطراف التي شاركت, مازالت علي قيد الحياة. المزيد من مقالات عبده مباشر