كان هذا هو عنوان محاضرة ألقيت في كلية دار العلوم, جامعة القاهرة, يوم الثلاثاء28 ديسمبر2010, ألقاها الدكتور علي كرمنلي من تركيا, وتحدث فيها عن الداعية الإسلامي والمصلح الاجتماعي محمد فتح الله كولن, ساردا أهم إنجازاته العلمية وحركته الدعوية ومتحدثا عن كيفية نهضة المجتمع الإسلامي من جديد, وما مقومات هذه النهضة وعلي أي أساس تقوم, وما هي مصادر تمويل حركة فتح الله كولن, وما علاقتها بالسياسة هناك, وما هو دوره الاجتماعي, وكيفية نهوضه بالتعليم وجعله الأساسي الذي يقوم عليه ابناء الأمم, وكيفية اتخاذه عصر النبوة قدوة ومثالا ونبراسا يستضيء به. ولد محمد فتح الله كولن عام1938, في قرية كوروجوك التابعة لقضاء بسينلار في محافظة أرضروم في عائلة محافظة لها سبعة أولاد خمسة منهم ذكور وبنتان, عمل والده رامز أفندي إماما حكوميا في جوامع مدن عددة, وتقع مدينة أرضروم في الشمال الشرقي من تركيا, وهي مدينة محافظة بمقياس كبير من الناحية الاجتماعية الثقافية, وقد حملت عصورا طويلة القيم الدينية والملية وحمتها وكلمة كولن أو جولنبالتركية تعني البسام في اللغة العربية. قضي محمد فتح الله كولن طفولته في هذه البيئة المحافظة الملتزمة بالقيم الأخلاقية والمعنوية وفي جو كلاسيكي من أجواء التكية والمدارس الدينية, ولكنه كان يحمل بين جوانحه عشقا للعلم وفضولا كبيرا, ولم يكن في مقدور هذه البيئة الضيقة إشباع تطلعاته, لذا توجه وهو في هذه المرحلة المبكرة من عمره بعقله واهتماماته إلي النشاطات الثقافية والسياسية والاجتماعية للعالم الخارجي, وبتعبيره هو فقد كثف اهتمامه من حين لآخر في السنوات الأولي من وجوده في المدرسة الدينية علي المشكلات الاجتماعية, وكلما كبر هذا الدماغ الصغير ونضج شيئا فشيئا, بدأ بالتعرف علي دنيا الفن والأدب والحركات الفكرية الموجودة في بيئته. وقد انتبهت العقلية الفذة لدي فتح الله كولن في السنوات المبكرة من عمره إلي المسائل والنزاعات السياسية والحزبية والأزمات الاقتصادية المتعاقبة, والفقر السائد والمشكلات الاجتماعية العديدة, وبدأ وهو صبي يافع بالتفكير الجدي في علاج وفي حلول لما أنتجه انحطاط عصرين كاملين, تناول فتح الله من جديد هذه المشكلات الثقافية المزمنة القديمة في ضوء القيم الثقافة الحديثة, وحاول القيام بتحريك وهز الحركات الفكرية التي كانت تغط في نوم عميق منذ عصرين, ووضعها أمام المسلمين كمشكلات عاجلة تتطلب الحل, وذلك بعد فرز المسائل الحيوية من بين هذه المشكلات المعقدة والمتشابكة, وكان يري أنه لابد من حماسة جديدة وشوق جديد ورغبة في حلها. غير أنه كانت هناك صعوبة معينة, كان هناك اتجاهان رئيسيان حول أهم أسباب الانحطاط والحلول المقدمة لها في ظل المدنية المعاصرة, وحول كيفية الاشتراك في هذه المدنية أحدهما من قبل الأوساط الدينية, والآخر من قبل الأوساط المثقفة بالثقافة الغربية, كان الخط الأول محافظا جدا, بينما أنكر الخط الثاني تاريخ الأمة وتقاليدها وقيمها الاجتماعية محاولا الدخول إلي العالم المتمدن دون هوية ودون شخصية.